|
ومن ذاق طعم الموت فيمن يحبهُ |
تحوّل حلو العيش في دهره مرّا |
* رغم ذلك، فليست المصيبة وحدها هي التي تستثير العواطف، وتنكأ الأحاسيس والمشاعر، بل اللفظة الرامزة، والعبارة الموحية، والشاهد الشارد قد يكونان من البواعث، إذا كان المر كذلك، فما كان لكاتب، أو لأديب بمعنى أدق كالأستاذ (خالد المالك) أن يوقظ في وجدان القارئين لإشراقاته، أو إبداعاته دفين آلامهم مع من غيبهم الثرى، ألا يكفي وقع الحدث في ساعته ويومه على ذلك الإنسان الضعيف؟ لقد فعل ذلك في كتابه (عيناي تدمعان) الذي ضم مجموعة من (رسائل الأحزان)، بدوافع من الوفاء، والإخاء،، والولاء، والصداقة، وهي تبدو في تصويرها وكأنها (شُعل من العذاب) لمن دمعت عينه على فراقهم،ونزف قلمه على وداعهم،أو واقع حالهم، وكان في ذلك الإنشاء الرائع مبكياً ومستبكيا، حيث جمع بين المواساة، والتسلية، والتوجع، قاصدا ذلك، أو كان ذلك سجية العواطف حين يرخى لها العنان، في حال الانكسار والهزيمة، أو الشموخ والإباء. والشيء المؤكد أن الكبار في عواطفهم لا يستطيع الزمن، أو مشاغل الحياة أن تقطع تواصله أو صلته بمن ارتبط بهم بأي لون من ألوان الارتباط.
|
* خيالات الموت، وما وراءه تكون حاضرة لدى كثيرين ممن يخوضون (أبواب المراثيُ)، وقد يشكل قلقاً ملازما ليس على التفكير فحسب، بل ينطبع ذلك على صورة الإنسان وشكله، وحتى لا نبتعد نسوق هذا الشاهد لذلك الشاعر(العامي) الذي تشكل أمامه ذكر الموت في جميع أطوار حياته، فراح يقول:
|
يا(سعود) ياويلي من الموت ويلاه
|
ياكيف انا بدله، وهو مقتفيني
|
إما وقف با(لدرب) إلى إني اطاه
|
|
* رسائل أحزان في (عيناي تدمعان) سأتجاوز في تحليلها لمن كان لفقدهم كبير الأثر على شخصية الكاتب ونفسيته، وهو يتعاطى مع وقع الحدث أو المصيبة عليه، أو يستعرض المآتي العظيمة الشامخة، الماثلة أمام نواظره.
|
* في يقيني أن في مقدمة الكتاب، أو في التقديم لكل من آلمه رحيله،أيّا كان ذلك الرحيل، أو نبش التاريخ ذكرياته ومذكراته وإنجازاته في أي مناسبة ماهو جدير بالوقوف والإماءة إليه، إذ لم يغب عن الكاتب أن يقرر بعض الحقائق التي هي في الواقع من سنن الحياة والكون.كل ذلك من أجل توطين نفوس البشر الضعيفة المرهفة،فيقول:(الحزن رفيق درب للجميع، وصديق عمر لكل منا، وهو معنا كما لو انه ذلك الزائر الثقيل الذي لا يغيب، ويفضل أن يسرق السعادة منا.. هو القلق المزعج لا يعفي أيّا منا، ولا يستثني أحداً من الناس.. هو قادم اليوم أو غدا...). ومع هذه الحتمية، أو الحقيقة المطلقة يشير أن لدى الإنسان لاسيما المسلم ما يزيل عنه مثل هذه الأوجاع، أو على الأقل ما يخفف من حدتها، وعظيم ألمها، فيأتي الغسيل، كما يقول الكاتب (من ذلك التراحم، والتوادد، والتآلف، والتكاتف، والتعاطف بين منهم أحياء بيننا... لوعة الحزن قاسية.. وعلاجها أننا أمة مسلمة، يعلما ديننا الصبر على المكاره، وتسليم أمرنا لله الواحد الأحد الذي لا إله غيره.. هو من يحيي ويميت...). في هذه العبارة الموجزة يضع الإيمان بالقضاء والقدر، واليوم الآخر بخيره وشره ميسمه على الإنسان.
|
* في ذلك الكتاب، ما يسعف القارئ حين تجد أمامه بعض الظروف، أو الوقائع التي ألمّت بالكاتب، ليس في مراسم العزاء فحسب، بل ومع (الآخرين الذين تقر العين بهم من حين إلى آخر، عن المريض العزيز الذي ندعو له بالشفاء.. عن الغائب بعض الوقت الذي تدعو له بعودة حميدة.. عن ضعف الإنسان كلما غرق بدمع عينيه, وعن قوته كلما تذكر عظمة الخالق وقوته..).
|
* لكل رسالة، أو مقالة عمن تناولهم الكاتب بقلمه ستجد مقدمة،أو خاتمة ذات قيمة أدبية وفكرية، تبعدك كل البعد عن ذات الإنسان، الذي اتخذه الكاتب مدخلا لفكرة من الأفكار العظيمة، او معنى من المعاني السامية، أو قيمة من القيم الرفيعة التي ننتهز الفرص أيّا كانت، ليهديها الإنسان لأخيه، فربما كان فيها على بساطتها، وعفويتها،وسهولتها تنبيهاً له من غفلة، أو حثاً على اداء واجب، والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، ولله ما أعطى، وله ما أخذ. ا - هـ
|
|