Al Jazirah NewsPaper Saturday  21/11/2009 G Issue 13568
السبت 04 ذو الحجة 1430   العدد  13568
جامعة الملك سعود: نموذج التغير والصراع
د. فوزية البكر

 

تخوض جامعة الملك سعود بقيادة مديرها الحالي الدكتور عبدالله العثمان معركة يومية من أجل الوصول إلى تحقيق أهدافها الاستراتيجية التي بدأت رحاها تدور في الجامعة منذ قدوم هذا المدير، الذي أقل ما يقال عنه إنه (شرس!!!) بالمعني الجميل للكلمة؛ إذ إنه يستميت فعلا فيما يعتقد أنه الحق. وهو قد وضع أهدافاً محددة وواضحة للجامعة منذ قدم؛ فهو كان يستهدف دخول الجامعة التصنيفات العالميةالمهمة عام 2009

وها هو حقا فعل بدخول جامعة الملك سعود تصنيفات شنغهاي ونيويورك تايمز هذا العام، وهو اليوم يسعي لأن تكون جامعة الملك سعود في مصاف أهم ثلاثمائة جامعة في العالم بحلول عام 2011، وهو يعمل فعلا (بشراسة) لتحقيق هذا الهدف!!

هناك إذن رؤية واضحة تقود مسيرة التغيير التي تدور رحاها في الجامعة ويلمسها كل من يعمل أو يدرس في رحابها، وأبسط مثال على ذلك قدرته مع فريقه الفذ على قيادة مؤسسة هائلة وضخمة بحجم جامعة الملك سعود طلاباً وأساتذة وموظفين لتطبيق مفاهيم الجودة التي تستغرق المؤسسات المماثلة في العادة أكثر من ثماني إلى عشر سنوات لتحقيقها، في حين تمكَّنت الجامعة من تحقيق الكثير من شروطها خلال السنتين الماضيتين، ود. عبدالله يمشي بقدم ثابتة مع جيوش من الرجال والنساء المخلصين ضمن لجان وورش عمل لا تنتهي في أرض خطرة تعتورها مصاعب جمَّة، ليس أقلها ثقافة المؤسسة التي اعتادت منذ إنشائها أنماط العمل الحكومية التقليدية، وبعض الموظفين والأساتذة ممن يمكن احتسابهم بكل ثقة ضمن عصر الديناصورات الغابر، وهو مع ذلك أجبر معظمهم على مغادرة مقاعدهم واستبدالها بالإطباق الطائرة التي طيرتنا جميعا: أي من يعمل في الجامعة لنسابق الريح ونحاول كسب الرهان إلى جانب هذا الرجل الشجاع ومن يعمل معه من رجال ونساء.

دعوني الآن أتكلم عن الشطر النسائي الذي لا يمكن للمدير ولا غيره من قادة الجامعة أن يروه رؤية العين أو يعيشوه بالطريقة التي تسمح لهم بتقييمه بحكم الواقع الوظيفي المعاش حتى مع وجود العناصر النسائية المتفانية التي تعمل ليل نهار لتحقيق استراتيجية موحدة في الجامعة. رؤية الجامعة هي أن تكون جامعة بحثية تتفوق في بعض المجالات العلمية والبحثية، وهو هدف محدد وواضح، دعمت الدولة فيه الجامعة بإمدادها بالإمكانات المادية والبشرية، وبقي على الجامعة أن تحقق السبق وتتبع رؤية القائد الأب لهذه الأمة الملك عبدالله بأن تكون الجامعات السعودية منابر للعلم والمعرفة والتغير لتقود مسار الأمة في رؤيتها التقدمية الواضحة ضمن شروط القرن الواحد والعشرين.

هذه الرؤية لن تحدث من قبل الفريق الرجالي فقط أو الفريق النسائي مهما جهدوا. إنها عمل مشترك يبني فيه الأعضاء المشاركون في المؤسسة رجالا ونساء عملا استراتيجيا موحَّدا برؤى واضحة تعتمد معايير عالمية لا تدخلها تصنيفات النوع أو الإرث الثقافي، وهذا ما أظن الجامعة بحاجة إلى الالتفات إليه.

رغم كل الحراك الذي (وبصدق) أربكنا جميعاً وقلب معايير حياتنا المهنية؛ فترى المكاتب خلايا نحل لا تتوقف عن العمل وينتهي الدوام وتبقى اللجان تعمل دون كلل، وترى المفتشين على الجودة والرقابة الإدارية والعمل المؤسسي وورش التدريب والندوات والدورات والمحاضرات كما لم يحدث للجامعة في تاريخها كله، إلا أننا نتوقف عند بعض الحنايا ونحن نسأل: هل يتفق ما يحدث مع هذه الرؤية العظيمة التي تلف الجامعة؟.

دعوني أشرككم معي في حدث واحد فقط، ربما تتضح بعض خبايا الصورة من خلاله: ورشة إصلاح التعليم التي تم عقدها برعاية كلية التربية في الجامعة تحت عنوان (إصلاح التعليم في الدول العربية: المملكة العربية السعودية نموذجا)، وتم عقدها في الفترة من 22 إلى 24-10-1430 الموافق 11 إلى 13-10-2009، وتمت دعوة قطاعات حكومية أخرى ذات العلاقة للمشاركة مثل وزارة التربية ووزارة التعليم العالي، وتم استقطاب أسماء عالمية من الولايات المتحدة وماليزيا لتقديم خبرات ما يحدث في العالم المتقدم.. حدث بهذه الضخامة لم يحدث بين يوم وليلة، وأنا أثق بأنه كانت وراءه جهود مخلصة للجان رجالية تفانت لتحقق هذه الندوة التأثير الذي أحدثته وشعرنا جميعا بصداها في الصحف ووسائل الإعلام وتعليقات المهتمين من باحثين وأكاديميين، فكيف لحدث بهذه الضخامة أن يتم دون أن نعرف عنه نحن النساء في كلية التربية إلا قبل أسابيع قليلة وفقط لأغراض تنظيمية؟؟؟ كيف حدث أن يُدعى أربعة من أساتذة الجامعة للمشاركة في حين لا تقدم الدعوة لأية باحثة من القسم النسائي في الكلية ولا يتم وضع لجان تنظيمية مشتركة منذ بدأ التخطيط والإعداد للورشة؟ وهكذا خرجنا بأن المشاركات النسائية السعودية انحصرت في ورقة واحدة فقط ليست الجامعة من بينها، وهي كانت ورقة تقدمت بها د. هيا العواد من وزارة التربية والتعليم، بل إنه وحتى الدعوات النسائية التي فاقت المائتين تم توزيعها على القطاعات المعنية بواسطة الرجال من كلية التربية في الجامعة!!

إنا لا ألوم أحدا الآن؛ فقد مضى الحدث وانتهى، وأنا أقدر وأستشعر كل الجهود التي بذلت من قبل كافة المنتمين لكلية التربية لخدمة البحث العلمي والتعليم في المملكة، كما ألمس السعي الحثيث للدكتور العجاجي لإدخال أقسام الكلية نادي التميز العلمي، وأنا ذكرت هذا الحدث كنموذج فقط وباعتباري قريبة منه بحكم عملي في كلية التربية؛ إذ أثق بأن نماذج مشابهة تحدث لكل الكليات النسائية التابعة للجامعة، ولا أعلم عنها، لكن هذا النموذج يظهر لنا كيف تؤثر تقاليد العمل المؤسسية التي تعود عليها الموظفون في إدارة شؤون الجامعة بما لا يتفق مع رؤيتها الحديثة اليوم؛ ما ولّد لدينا في الجانب النسائي هذا الشعور البغيض بالتهميش والتابعية، وأثر على طبيعة عمل المؤسسة، ومنع توازن الفرص والقدرة على المشاركة في صنع القرار أو حتى التأثير فيه.

الأمر نفسه يصدق على تمثيل المرأة في مجالس الجامعة كالمجلس العلمي. فرغم أن نظام مجلس التعليم العالي للجامعات نص في مادته التاسعة والعشرين على أن يكون من أعضاء المجلس عضو واحد من أعضاء هيئة التدريس من كل كلية ومعهد بدرجة أستاذ مشارك على الأقل، ولم ينص على أن يكون ذكرا بالضرورة، لكن طبيعة ثقافة المؤسسة منعت المجلس منذ إنشاء الجامعة وحتى فقط قبل أيام قليلة (يومين فقط) من ترشيح امرأة لعضويته طوال تاريخه المديد!! عدا بعض اللجان المؤقتة التي يتم تشكيلها لغرض مقابلة مرشح في تخصص معين وتنفض في وقتها.

مثال آخر لعدم التوازن في القوى الذي يخلق ضعف القطاع النسائي في صنع القرار أو التأثير على صانعيه، يتمثل في ضعف تمثيل النساء ومحدودية حضورهن في مجلس الجامعة: طالبات وأستاذات وموظفات الجامعة جميعهن، وهن يمثلن أكثر من نصف عدد الملتحقين بالجامعة، يتم تمثيلهن من خلال اثنتين فقط هما عميدتا مركزَيْ عليشة والملز، في حين يحضر كافة عمداء الكليات للبنين الذين ضمنيا يمثلون القطاع النسائي المنضوي تحت كلياتهم، لكن من يقمن فعليا بإدارة ومتابعة العمل اليومي لهذا القطاع ويعرفن تفاصيله ويعملن مع المعنيات فيه وهن الخبرات التي يحتاجها كل من ينوي صنع القرار داخل مجلس الجامعة هن في الحق وكيلات هذه الكليات في القسم النسائي للمركزين، لكن التشكيل الإداري الذي اعتادته الجامعة لا يسمح لهن بتمثيل من يعملن في خدمتهن (ولو أنه سمح لهن بالحضور هذه السنة دون إعطاء حق التصويت)؛ ما يهمش الحضور النسائي ويؤكد مناخ (استسهال) صنع القرار من الغالبية الرجالية بدل تكوين اللجان ووضع الترتيبات التي يتطلبها اجتماع رجال ونساء في مؤسسات منفصلة وبسبب طول الدورة الإدارية بوجود مؤسسات موازية (نسائية ورجالية).. الخ من التعقيدات التي يخلقها هذا النموذج الإداري الذي أوجدناه لأنفسنا ليس فقط في جامعة الملك سعود وحدها بل في كافة المؤسسات وخاصة التعليمية التي يوجد فيها قطاع نسائي في المملكة.

بالطبع التهميش النسائي يظهر في كل شيء مشترك بين القطاعات النسائية والرجالية: في اجتماعات مجالس الأقسام الصورية عبر ميكروفونات لا تعمل أو ضعيفة الإرسال أو مشوشة، وضعف تمثيل النساء أو انعدامها في غالبية اللجان على مستوى الجامعة أو الكلية وديكورية النقل التلفزيوني للفعاليات الرجالية وما يحدث خلالها من تضييع للوقت والجهد والشكلية غير المعقولة وغيرها كثير وكثير.. ليت زملاءنا الرجال يكتوون بناره ولو ليوم واحد؛ فيقبلوا أن يكونوا في وضعنا ولو ليوم واحد!!. ومن ثم يتطلب الأمر - وبحسب الرؤية الجديدة للجامعة - إعادة هيكلة الجامعة حسب منطلقاتها الفلسفية الجديدة التي تعتمد التوازن والكفاءة بغض النظر عن الجنس أو الصعوبات اللوجستية، وتتضمن تمكين النساء في مواقعهن بإعطائهن صلاحيات إدارية ضمن التكوين الجديد يكافئ زملاءهن الرجال، ومناخ عمل يؤكد المشاركة النسائية بشكل مواز للرجال، ولجنة تُعنى بتتبع تكافؤ الفرص والمناصب وآليات صنع القرار والصلاحيات بين الرجال والنساء، ولن يحدث ذلك إلا بقيادة عليا تتبنى هذه التوجهات وتعمل على تكريسها كما نجحت في قيادة الجامعة لتصبح الجامعة العربية الوحيدة المحتسبة ضمن التصنيفات العالمية اليوم.






 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد