أهل جدة.. مساء اختار أن يعبق بنكهة حضوركم، مساء يسوق لنا قطعان أهلة فلا ندري أيها نقطف؟ وأيها نرشق على نافذة الروح؟ مساء مزدان بما أرسلته حجر واليمامة النجدية إلى جناب العتبات الحجازية.
قدر مدينة جدة أن تكون بوابة الأبدية، لكن شغب شواطئها ينازعها دوماً نحو المستقبل، جدة تمد جذورها عميقاً نحو مرقد أمنا الكبرى فترتوي عروقها بغواية الخصب، وكروم الخلق - الحياة, لا يطالها تصحر المفازات حولها، ولا يجففها وقار القوانين.
طاقات وجد تتجدد دوماً في جدة.
مازالت الذاكرة عابقة بأريج شجر الياسمين الهندي بين منعطفاتها، عندما كنا ننزل لها من برودة الطائف المغطسة بشجن أزرق كئيب، نتسلل مهرولين نحوها عبر طريق الخواجات، فنجدها هناك تنتظرنا متبرجة بقصائد شعرائها على الكورنيش، والنهى الذي لا يستفيق، ورواد الكورنيش يطوف عليهم البحر بأكواب مترعة بأحزان الصيادين الذين اختطفت شواطئهم شرفات الفنادق المرصعة بالنجوم.
كانت شاليهات جدة المبتهجة تمنحنا خارطة الحوريات اللواتي يلذن بالمرجان وقناديل البحر، قصور تشهق بالرمل والزبد فجراً وتخبو في المساء وقد أنهكها شغب الموج.
جدة وبواباتها التسع والتسعون من كل بوابة انسرب لون وعرق، وخلق هذا الموزاييك الرخيم المطعم بالسير والأسرار، تعجزنا تدرجات اللون عن تقصي مادة اللون الأولى، فنكتفي بأن ننكفئ على مقهى بحري، لنسرب بعض رسائل الصحراء إلى البحر، أهل جدة مرة أخرى مساء يزهو بكم.
مقطع من محاضرة ألقيت الأسبوع الماضي في النادي الأدبي بجدة