أنهت قمة الفاو المنظمة المعنية بشؤون الزراعة والأغذية في روما، أعمال قمتها لمناقشة مأساة مليار جائع في العالم، وهذا الرقم يعني أنّ واحداً من ستة أشخاص في العالم بلا طعام، وبسبب الجوع يموت منهم ستة ملايين سنوياً وفي كل ثانية طفل يفقد حياته نتيجة امتلاء بطنه بالهواء فقط.
وبالرغم من انعقاد المؤتمر بإيطاليا إحدى الثماني الكبار في العالم، إلاّ أنه غاب عن المؤتمر قادة الدول العظمى اقتصادياً كمؤشر على عدم الاهتمام بالوصول إلى حلول حقيقية للقضاء على مشكلة الجوع في العالم والتي وصفت كوصمة عار على جبين العالم من قِبل بعض المشاركين بالقمة، فالعالم قرر في العالم 1990 أن يتم تقليص أعداد الجائعين إلى 420 مليوناً في العام 2015، إلاّ أنّ الرقم ارتفع إلى مليار وعشرين مليون جائع قبل خمسة أعوام من انتهاء مشروع القضاء على الجوع، مما يعني أن كل ما قيل لا يعدو أكثر من شعارات سرابية، هدفها تسويق إنسانية هوامير الاقتصاد العالمي.
فبدلاً من ارتفاع نسبة الدعم الغذائي إلى 17 في المائة من حجم المساعدات العالمية، تراجعت إلى 5 في المائة حالياً، ولم يطبق شيء يذكر مما خطط له بأن يشكّل الدعم توطين المساعدات بدعم عملية التنمية الزراعية والإنتاجية بالدول الفقيرة، خصوصاً بآسيا وإفريقيا اللتين تشكلان جل المشكلة بما يناهز 900 مليون جائع.
وإذا ما استطاع اثنان من المحتاجين للغذاء التحدث عن تطور العالم علمياً واقتصادياً، فإن كل ما تم إنجازه سيرونه بلا قيمة لأنه لم يصل بحل لأبسط ما يحتاجه الإنسان من تأمين لقمة الحياة، فما الفائدة عن مشاريع الفضاء والطب والتقدم التكنولوجي للبشرية الذي تتباهى به، وهناك الكثير وصل به الحال إلى مرحلة دق العظم. فكل أفكار العالم كاسدة لأنها لم تنظر إليهم وأهملتهم بل زادت من مشكلتهم بأن حولت الغذاء إلى حلم بفعل المضاربات العشوائية على قوتهم بأسواق السلع من قِبل البنوك والصناديق الاستثمارية المملوكة جلّها للدول الكبرى اقتصادياً، مما أدى إلى اانفجار الأسعار بشكل مخيف. وفي الوقت الذي يتحدث العالم عن محاربة الأزمة العالمية المالية والخوف من براثن الكساد الاقتصادي، ينسى الكثيرون أن تطوير إمكانيات مليار إنسان ليكونوا فاعلين بالمجتمع الاقتصادي، كان من شأنه أن يقلل من أهمية أي تراجع اقتصادي، لأنهم سيكونوا قوة دافعة للنمو الاقتصادي بدلاً من حالة التهميش والعالة عليه. فهؤلاء لم يجوعوا إلا لأنهم لم يتملكوا أسباب قتل الفقر أولاً بوجود فرص عمل تحقق لهم الاكتفاء الذاتي، وتجعل منهم عنصر إنتاج في دولهم فكل ما يحتاج العالم تأمينه ثلاثين مليار دولار سنوياً كتمويل للمشاريع الإنتاجية في الوقت الذي تنفق فيه أوروبا أكثر من 350 مليار دولار كدعم للزراعة عندها، وينفق العالم ترليونات الدولارات على الأسلحة.
وعندما وقع العالم بفخ الأزمة المالية، ضخت الدول الكبرى أكثر من ثلاثة تريلونات دولار لإنقاذ اقتصادياتها من هول الأزمة عليها، رغم أن سببها الإدمان على الإنتاج الورقي وتنشيط قدرات أسواق المال، لتصبح بحجم يفوق ثلاثة أضعاف الإنتاج العالمي الحقيقي البالغ 48 ترليون دولار، فما تم مسحه من أصول بنك ليمان براذرز التي وصلت إلى 600 مليار دولار، يكفي لتمويل الدول الفقيرة لزيادة قدراتها الإنتاجية لعشرين سنة .. مما يعني أن الحقيقية المرة التي نواجهها بما كان يدور بفكر الكبار من أفكار براقة، لمضاعفة أحجام اقتصادياتهم لم يكن إلا كساد فكري لأنه لم يرتق إلى مستوى الاستفادة الحقيقية من تعاون دولي يثمر ديمومة بالنمو الاقتصادي. إن العالم اليوم لا يواجه مأساة الجوع بل يدفع ضريبة الإهمال والأنانية المطلقة للحصول على الثروة دون مشاركة عالمية، وتفاعل يثمر عن زيادتها للجميع، بالإضافة إلى أنها انتكاسة حقيقية لكل المتغنين بالتقدم والنهضة الكبيرة للبشرية وحاملي لواء الأسبقية بحقوق الإنسان والمشاركة بالمشاعر الفياضة لأحوال العالم الفقير التي لم تثمر سوى مزيد من الفقراء، رغم وعودهم المستمرة لهم بالتقدم والدعم وعند مواجهة الحقيقة غاب الجميع.