لمياء السويلم :
يتضح دائما أن الصحافة الرياضية هي صاحبة المساحة الأوسع والسقف الأعلى بالمقارنة مع بقية الصفحات الفكرية أو السياسية أو الاجتماعية، وبذلك ستكون هي الأمثل لقياس الدور الذي تلعبه الصحف المتخصصة في فعل القراءة بوجهها التصنيفي، حيث إن في اجتياح كرة القدم لغيرها من الرياضات ليس تدليلا على شعبية اللعبة فقط إنما على حجم تركيز الصحف الرياضية أيضا على شؤونها، وإن افتراضا بقدرة الصحافة الرياضية على توسيع جمهور كرة القدم والتحكم بحماسته ومن ثم توجيهه ليس جدلا لحقيقة تشكيل اللعبة الرياضة الأولى شعبيا، لكن التصنيف الخارجي بوصفه عنوان المجال في ذهنية القارئ هو ما يقطع النظر في أن هذه الصحافة المختصة قد استطاعت أن تدير حالة المتابعة لدى القارئ عن رياضته الأولى إلى أحداث الأولمبياد الأخير ومشاكل الاتحاد وكواليس التمثيل العالمي من خلال تصديرها لعناوين يومية عنها، متابعة لم تصنع جمهورا للعبة لأنه لم يكن هدفها بل إثارة مادة ساخنة ما يكفي للفت انتباه القراء وقد نجحت، دور الصحافة في التصنيف الخارجي هنا كان في قدرتها على خلق ارتباطية ذهنية راسخة لدى القارئ وهو فرد المجتمع، هي ارتباطية معنى الرياضة بكرة القدم عنواناً للمجال ولو بشكل صوري عند أول استدعاء لها، وإلا أين هو الهم الأولمبي من هموم القارئ الرياضي الآن، لقد انتهى إلى أن تستدعيه الصحافة مرة أخرى، كما تنتهي كثير من الرياضات، هذا الانعكاس الخارجي لعمل داخلي لم يزد عن تكثيف متابعة لشأن عن آخر مع عجز أي صحفي إنما بلغت مهنته من استحضار رياضة لم يعترف بها لأن الحال مع الرياضات تشكله الاتحادات الرياضية لا الحالة الإبداعية، فماذا إذاً عن دور الصحافة الثقافية في التصنيف الداخلي للمجال وهو أكبر وأوسع من حيث أن الفنون هي في خلاصتها إبداع صاحبها وليس بعد من اتحادات تحكمها بالأنظمة إنما اجتهادات منهجية لتكريسها، ومدارس للضبط الشكلي فقط، من هنا أيضا يكون للصحفي مهما ضاق تحريره القدرة على إضافة أي فن على الصفحة الثقافية ليمر به القارئ باعتباره ثقافة، كأن ينزل خبر عن برنامج للطبخ باعتبار المطبخ أحد الفنون العالمية، إن بهذا التبسيط من الطرح يمكن أن نفهم كيف يتشكل إدراك قارئ الصحف الذي هو فرد غير منشغل بالثقافة إلا من باب الجريدة، لأن في بساطة الطرح الصحفي سر تلقيه فالقارئ لن يهتم بفرز الفنون عن الأدب أو عن النقد ومناهجه، أي أنه معرفيا لن تكون هنالك أي عملية واعية تلي الإدراك، وعن ذلك أن يتداخل خبر ندوة في النادي الأدبي مع خبر يردفه عن مسلسل خليجي هو تداخل في إدراك متلقي يشكل معرفية الجمهور الشعبي، وهو الجمهور الذي يعادل طرف القياس في هذا المبحث وطرف كل هم ثقافي، هو المجتمع الذي يهتم له ومنه المثقف، وهذا جميعه في المساحة الداخلية من دور الصحافة في الثقافة، أما في تابع الأثر على التصنيف الخارجي فهو شأن أكثر خطورة حيث البداهة تحكم نتائجه، إننا حين نحدد صفحة رياضية فنحن نقول إن كل ما هو خارج هذه الصفحة ليس رياضة، فماذا في تحديدنا لصفحة ثقافية، هل نقصد القول بأن كل ما ليس بهذه الصفحة ليس ثقافة! نحن لا نقول لكن لا وعي المتلقي يفهمها كذلك ببداهة وهي عملية معرفية مفهومة، نجد من هذا إحدى التفسيرات لطبيعة حضور الثقافة في المجتمع، وفي هذا أيضا ما يؤكد أن أي خطاب ثقافي للمجتمع سوف لا يكون مباشرا مع متلقيه طالما عبر الصحافة، عدا عن أن صورة المثقف في المجتمع تقترب لأن تكون مجموع ما تكتبه الصحف عنه وعن نشاطاته في ظل إعلام يترأسه تلفزيون تطغاه برامج الفنون وأخبار السياسة، لذا ستبقى الكتابة أكثر الوسائل إخلاصا للمثقف حتى في المجال الصحفي رغم خطورة التلقي من خلال صفحاته، كما وإن كنا نفهم: لماذا الأدب كان هو الأهم في مشهدنا الثقافي من حيث قاماته وتاريخه العربي لا المحلي فقط، فالذي يفترض أن نحاول فهمه هو كيفية التقسيم الصحفي للصفحات الثقافية وإدراجها اليومي للجداول التلفزيونية والفنية فيها، في مقابل أن الأغلب من الصحف العالمية لا تفرغ أي من صفحاتها تخصيصا للثقافة، ليخرج قارئها ببداهة نتيجته من أن كل ما فيها قد يعد ثقافة، وهي أيضا بالمقابل تفرد صفحة تخصيصا عن الفنون بما فيه التلفزيون والسينما, وعلى الذكر فكل من واشنطن بوست ونيويورك تايمز الأمريكية والتايمز والمرر البريطانية لا تملك صفحة ثقافية إنما صفحة فنون (ART)، ولأن لكل مجتمع تاريخه حيث لم نخض والآخر ذات المراحل التاريخية من عصور تنوير أو حداثة، فإننا إذ نقرأ هنا الهم السينمائي في الصفحة الثقافية ليس بذلك ما يشبه أن نجد خبرا عن آخر الأفلام في الصناديق العالمية أو العربية، إذ ليس على الثقافة في نشاطها بالمجتمع والدولة أن تخلط بين مناصرتها للفنون باعتبارها وسيلة تعبير عن ثقافة الشعوب وبين إشغال ما يعتبر صفحات ثقافية بجداول وأسعار الفنانين، إن في بعض الصحف ما يحيل الوضع إلى أن الثقافة تحت سقف الفن لا العكس، وليس بهذا إعلاء للمثقف مقابل الفنان إنما في إعطاء الأبعاد الأوسع للثقافة مقابل الفنون، وهذا جميعه ليس إلا رؤوس سطحية لمحاولة نقد معرفية لقراءة الصحف بوجهها التصنيفي فقط.
Lamia.swm@gmail.com