Al Jazirah NewsPaper Thursday  19/11/2009 G Issue 13566
الخميس 02 ذو الحجة 1430   العدد  13566
تقنيات الاستهداف من بعد.. إلى أين؟
د. عبدالعزيز بن عبداللطيف آل الشيخ

 

بعد الحادي عشر من سبتمبر بدأت في عهد الرئيس الأمريكي بوش برامج، أحيطت بالسرية البالغة، استهدفت أكثر من نصف المطلوبين من ش القاعدة في الباكستان. وتكشف الأمر في الصيف الماضي فقط بأن السي أي أ، كانت تدير برنامجا سريا استهدف القضاء على الإرهابيين بواسطة طائرات آلية،

وكان البرنامج مغيبا حتى بالنسبة للكونجرس الأمريكي.

والشيء غير العادي بالنسبة لهذا البرنامج أن المؤسسة الاستخبارية، وليس الجيش، تدير عمليات قتل سرية وبالتالي لا تتوفر معلومات عنها، من حيث عدد القتلى من المستهدفين ومن غيرهم، وبعبارة أخرى تعتبر حربا سرية. أما أمريكا فكانت تعترض على ما تقوم به إسرائيل من ممارسات مماثلة، ولكن بعد الحادي عشر من سبتمبر أصبح بمقدور (السي أي أ) أن تتجه إلى أي مكان في العالم، في المكسيك أو في شارع من شوارع لندن، شريطة أن يعتبر المستهدفين ممن يشكل خطورة بالنسبة لأمريكا. أما الفرق بين ما ينفذه الجيش وما تنفذه المؤسسة الاستخبارية فينحصر في مسألة الشفافية: هنالك معلومات ووضوح عن الممارسة من قبل الجيش من حيث الاستهداف ونتائجه، ولا يقابل ذلك معلومات بالنسبة للعمليات التي تنفذها المؤسسات الاستخبارية، كما أن ليس بالضرورة أن يكون المستهدفون أو الأهداف في أماكن أو بلدان واقعة في حرب مع أمريكا، ومثل ذلك قتل مسعود في أوائل شهر أغسطس الماضي، ذلك (الدرون) (drone)، السلاح الآلي الذي استهدف سطح منزله في وزيرستان الباكستانية، وقتل معه 11 شخصا أربعة منهم من أفراد عائلته وسبعة من مساعديه. وترسل هذه القذائف من ضاحية في شمال ولاية فرجينيا. ويشاهد منفذو هذه القذائف من (السي أي أ) مسار منطلق هذه القاذفة ومنتهاها.

وتلكم التقنية المهولة يمكن إرسالها في الليل دونما أن ترى، ذلك الدرون يتم التحكم فيه من بعد ولقد قتل الآلاف من جراء هجمات بلغت 16، ومن غير المعروف أن اتفاقا أو تنسيقا معلوماتيا تم مع باكستان لمعرفة ما يتعلق بالمستهدفين أو أماكن الاستهداف ولا يوجد ثمة معايير لعمليات الاستهداف، إنه برنامج سري لا يمكن الإطلاع على قائمة المستهدفين، وتعمل هذه الأمور خلف ستارة سوداء. ومن المعلوم أنه عندما تتجه دولة لقتل الناس لابد من معرفة من تقتله ولماذا، ومن المعلوم أيضا أن الجيش الأمريكي لديه قائمة بما يزيد على الثلاثمائة من المطلوبين وكذلك (الإف بي أي) لديها قوائم، أما بالنسبة ل(السي أي أ) فلا يمكن معرفة ما لديها من قوائم، على الرغم من نموها. وهذه التقنيات، التي لا يستخدم فيها بشر، يقوم بمعظمها مقاولون خاصون لا مسئولية قانونية لهم، ولا يعرف من المسئول عن هذه التقنيات ولا من يشغلها.

قبل الحادي عشر من سبتمبر كانت أمريكا تحتج على الدولة العبرية في استخدام تقنيات مشابهة ضد الفلسطينيين، وكانت لا تعتبر اغتيال وقتل الإرهابيين من اختصاص مؤسسات الانتلجنسيا. أما هذه البرامج فلا تفرق بين المستهدفين في سلم أو في حالة حرب وليس هناك أرض محددة لاستهدافها، بل تعتبر الكرة الأرضية جميعها أرض معركة لمن يخطط لها وينفذها. وبعبارة أخرى يمكن أن تكون المعركة في أي مكان من العالم. وبرامج الدرون هذه صممت لتكون بديلا عن وضع الجنود على الأرض، فهي برامج بديلة ولكنها خطيرة، فكيف يتم القيام بمثل هذه الأعمال دون الخوف من الثأر، إذ تعرض هذه الهجمات الأبرياء للقتل، وعندما يعتمد على هذه البرامج وأمثالها لابد من معرفة الهدف منها، كما لا بد من معلومات استخباراتية على الأرض قبل تنفيذها. من الملاحظ أن معظم المستهدفين يقطنون في مناطق لا يسيطر عليها من قبل باكستان، أما البديل الأفضل فهو اعتقال الإرهابيين المستهدفين والتحقيق معهم، وعلى سبيل المثال كان بالإمكان اعتقال سعد بن لادن والتحقيق معه قبل استهدافه بواسطة تقنية الدرون. وهذه التقنية الوحيدة التي تم ممارستها للقضاء على أكثر من نصف العشرين المطلوبين بواسطة البرنامج، إضافة إلى 50 من تجار المخدرات من طالبان باكستان، وليس بالضرورة من القاعدة.

وتزيد هذه الممارسات من عداء الناس وكراهيتهم لأمريكا، إذ هل هنالك من ضرورة لها؟، وهل تلكم تتفق مع القوانين الدولية؟، أليس الاعتقال أفضل؟، وماذا عن من يقتلون ظلما فقط لمجرد تواجدهم بمقربة من المستهدفين؟ ثم من يتخذ القرارات ضمن (السي أي أ)؟. أما مبرراتهم: نقتل القليل لننقذ حياة الأمريكيين، ثم إن من مزايا تلكم التقنيات أن الإرهابيين يجبرون للمكوث في بيوتهم ويتفادون استعمال الهواتف المحمولة، ومن هذه الناحية يتم إزعاج الإرهابيين في أوكارهم.

ولكن الناس غاضبون من برامج الدرون، وسوف يكون لها ردود أفعال كبيرة. أما الرئيس أوباما فلا يزال يفكر في إستراتيجية لأفغانستان وباكستان ويبدو أن هنالك من يدعو للانسحاب العسكري واستخدام برنامج الدرون، تلكم الأسلحة الفتاكة المتحكم فيها من بعد. وتفكر الإدارة الأمريكية بجدية في ذلك في الوقت الحاضر، لاسيما مساعد الرئيس جو بايدن وتؤيده الحكومة الباكستانية في ذلك، ولكن الناس سيكونون ضد حكومتهم بسبب ذلك وهذا ليس في صالح الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة. كما أن ليس من حق الولايات المتحدة أن تقتل من هو عدو لغيرها، إذ لابد أن يكون العداء موجها للولايات المتحدة بشكل مباشر، وهذا ما شرعه الكونجرس الأمريكي. كما يتعارض البرنامج بشكل صريح مع قرار رئاسي، وقعه الرئيس فورد في عام 1976م، الذي يحظر على المؤسسات الاستخباراتية الضلوع في الاغتيالات. وتعارض الأمم المتحدة تقنية الدرون وكذلك المفكرون في أنحاء العالم، أما أوباما فليس لديه خيارات جيدة من حيث الانسحاب من أفغانستان أو إرسال المزيد من الجنود والسلاح أو التوسع في استخدام الأسلحة الموجهة من بعد، هل تقنيات الدرون تساعد أو لا؟، يبدو أن ليس لديهم خيارات كثيرة، بل إن خياراتهم محدودة. أما بالنسبة للحكومة الباكستانية فتؤيد برنامج الدرون، الذي استهدف مسعود في أغسطس الماضي، الذي تعتبره يتصدر قائمة أعدائها حيث يعتبر المسئول عن العديد من الهجمات الأخيرة في بلدهم، من ذلك اغتيال رئيسة الوزراء السابقة بنذير بوتو في أواخر عام 2007م وتفجيرات فندق الماريوت في إسلام أباد، الذي راح ضحيته ما لا يقل عن 50 شخصا. ولقد ثارت ثائرة في أوساط متعددة، داخل الولايات المتحدة وخارجها، بسبب ما كشفت عنه صحيفة التايمز بأن (السي أي أ) تنفد برامج الدرون بالتعاون مع مقاولين خاصين، تحديدا مؤسسة بلاك وتر، المعروفة الآن باسم (الإكس إي للخدمات) (Xe Services). وأول ضربة من اثنتين في عهد أوباما من ضربات (السي أي أ) تمت في الثالث والعشرين من شهر يناير من هذا العام، اليوم الثالث من بداية عمله في البيت الأبيض. واحدة قتلت أربعة من العرب المتعاونين مع القاعدة، أما الثانية فأصابت بيتا (بالخطأ) لواحد من قادة القبائل المؤيدين للحكومة الباكستانية في بلدة أوانا، الواقعة في وزيرستان الجنوبية، نتج عن قتل عائلة ذلكم القائد، ولم يصدر تصريح أو اعتراف رسمي من الإدارة الأمريكية حول أي من الحادثتين.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد