من أخزم، وما قصته؟
أخزم رجل من طيء كان عاقا لأبيه.. فلما هلك أخزم، كان بنوه أشد عقوقا لجدهم من أخزم، حتى أنهم مرة ضربوا جدهم وأدموه، فقال الجد: إن بنيّ ضرجوني بالدم شنشة نعرفها من أخزم..
لا أدري لماذا تذكرت هذا المثل العربي الذي ذكره الميداني في مجمع الأمثال حينما سمعت بيان جماعة الإخوان المسلمين الأخير ولم تفاجئني صدقا هذه الشنشنة المتوقعة لأنني أدرك أن هذه الجماعة تحمل شعورا عدائيا تجاهنا في جهة، وفي الجهة الأخرى تتناول قضايا الأمة من خلال عاطفة عفوية دون تفريق بين الأنظمة والحكومات بطريقة لايسوغها أي مسوغ وبخاصة أن هذا الوطن وقيادته أحسنت لرموز هذه الحركة حينما ضاقت بهم السبل في السنين الخوالي ونصبت لهم أعواد المشانق قبل عقود في بلادهم وتدخلت المملكة العربية السعودية آنذاك لاستضافة كثير من أتباع هذه الحركة ومنحت بعضهم جنسية هذا الوطن ومكنتهم من التدريس والتعليم وصياغة المناهج، فأي عقوق تحمله يا أخزم بعد كل هذا الإحسان وأي قطيعة رحم يحملها أبناؤك تجاه هذا الوطن؟.
لقد أثبتت الأيام والحوادث أن حزب الإخوان المسلمين من أشد الحركات تناقضا وجهلا بأصول الدين الإسلامي إذ يعتمد في أسلوبه السياسي العفوي على عاطفة غير منهجية مما يدل على قصور قيادييها في فهم الكتاب والسنة، فتجد أتباع هذه الحركة متناقضين في مواقفهم السياسية في كل بلد وفي كل قضية.. حتى أننا أصبحنا على علم بما تصدره هذه الحركة في كل أزمة تمر بأمتنا المجيدة فتطل برأسها المملوء بالسموم وأنيابها الحادة لتفكر بالجلاد وتتجاهل الضحية بعد أن تضع يدها الملطخة مع أي يد غريبة في سبيل طريقها للكرسي والقرار.. إن الأمة لن تنسى أنهم أيدوا ثورة الخميني في إيران وهي تحمل عداء لأهل السنة وظنوا أنها ثورة إسلامية، وليست طائفية، فصدمتهم الحقائق عندما شاركوا في مؤتمرات طهران العالمية، فاكتشفوا أن عدد سكان إيران 70 مليونا، 35% منهم من أهل السنة، ويقطن في طهران العاصمة مليون سني لم تسمح لهم حكومة الثورة الإيرانية ببناء مساجد ومراكز ومدارس إسلامية لنشر الوعي الديني بينما يسمح ببناء الكنائس وبيوت اليهود وبيوت النار للمجوس ولهم حرية بناء ما يشاؤون من معابد ومدارس ومراكز وثنية،... ومع ذلك يأتي موقف مرشد الإخوان في مصر مهدي عاكف مهاجما الحكومة المصرية لأنها تنتقد إيران وتبالغ في اتهام حزب الله اللبناني حتى اعترف أمين عام حزب الله عندما أقر بعلاقة حزبه بالمعتقل الرئيسي وعشرة آخرين في الأحداث الأخيرة في مصر، وسبق له أن دعا إلى انقلاب على النظام المصري في صورة تعكس حقيقة تغريد حزب الإخوان المسلمين دائما خارج السرب الوطني... ويبرز تخبط هذه الجماعة في تأييد صدام حسين في غزو الكويت واستباحته أعراض الأمة في موقف غير أخلاقي وكانت لغتهم تنفث تسويغا وتساهلا لأنهم باختصار ركزوا على النتائج وتركوا الأسباب... ثم يأتي بيانهم الذي خصوا به اليمن الشقيق مملوءا بالخذلان والتسويغ للمجرمين متجاهلين ما يتعرض له اليمن الشقيق والشعب اليمني والوحدة اليمنية من هجوم مسلح من المتمردين الحوثيين والانفصاليين وما يترتب على ذلك من مفاسد، ولكن الأكثر إيلاما أن نجد هذه الجماعة ممثلة في حزب الإصلاح اليمني تتناول ببرود هذه القضية الوطنية السيادية استغلالا للموقف المتأزم دائما مع الحكومة، بل إن موقفهم من دفاع المملكة العربية السعودية عن نفسها تجاه المخطط العدواني القذر على المملكة لا يقل سوءا وخذلانا إذ دعت الجماعة في مصر من خلال موقعها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، بقولها: (إننا ندعو العاهل السعودي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود إلى الأمر بوقف القتال فورًا؛ لمنع إراقة الدماء الحرام، وقتل المدنيين الأبرياء، ثم السعي جادًّا إلى عقد لقاء بين الفرقاء اليمنيين لإصلاح ذات البين؛ حفاظًا على وحدة اليمن الشقيق، وسلامة أبنائه، والحفاظ على ثرواته ومقدراته، ومنع القوى المتربصة بالأمة العربية والإسلامية من الوقيعة بين المسلمين)...
سبحان الله أي دعوة إلى وقف القتال فورًا في ساحة المعركة اليمنية؛ لمنع إراقة دماء المسلمين، وقتل المدنيين الأبرياء وهي تتجاهل أن البادئ أظلم والسعودية في موقف دفاع وليس اعتداء بل إنها تغض الطرف عن هجوم هذه الشرذمة واعتدائهم على مراكز حدودية جنوب المملكة وقتلهم عددا من الجنود وإصابة آخرين وترويعهم للأهالي بما في ذلك النساء والأطفال في صورة تجاهلت كل ما قدمته هذه المملكة لهم وللشعب اليمني الشقيق من خدمات إنسانية في صعدة وغيرها، وبكل أسف لم يستنكر البيان تمرّد هؤلاء في اليمن ولا عدوانهم على السعودية ولا تدخل إيران في المنطقة ولم يطالبهم بإلقاء السلاح، بل إنهم صوروا المتسللين في بيانهم على أنهم قوة موازية لحكومتي اليمن والسعودية إذ يتحدث البيان عن تنظيم هؤلاء المسلح بوصفه دولة ينبغي على (الفريق الآخر) في اليمن التحاور معها حقنا للدماء، وليس بوصفه تنظيما مسلحا خارجا على السلطة، وما هم إلا عصابات تفتقد للتنظيم والقيادة والشرعية.. والأدهى دفاع القيادي الدكتور عصام العريان مسؤول القسم السياسي بجماعة الإخوان المسلمين عن البيان فقال: (نرى أن التدخل العسكري ليس الوسيلة الوحيدة في منع التهديد، هناك نار تشتعل على الحدود السعودية بين مجموعة متمردة كما يسميها السعوديون وبين نظام يمني، وكان المنتظر من المملكة ألا تدع أطرافاً أخرى إقليمية أو دولية لاستغلال هذا الوضع لتوريط واستدراج السعودية لتدخل في ساحة القتال، فالسعودية بتاريخها الكبير كان يمكن أن تتدخل لإصلاح ذات البين بطرق سلمية). وأي اعتذار يحمل في طياته كلمة مثل: (وبين مجموعة متمردة كما يسميها السعوديون وبين نظام يمني) ليؤكد العريان وغيره أن هذا البيان والتوضيح إخراج للموضوع عن سبيله وإطالة لذيله وإقحام لمنهج الموازنات دون مسوغ.
لقد أثبتت الأزمات التي تمر بها الأمة أن حزب الإخوان المسلمين في مصر تحديدا يؤدي دورا في خدمة المصالح الإيرانية والقوى الأخرى كلما تعرض مشروعهم في تصدير الثورة وفرض الهيمنة لمواجهة من أهل المنطقة، وليتهم يوجوهون بيانهم القادم للملالي في إيران لحقن دماء أهل السنة والدفاع عن حقوقهم المشروعة في العبادة والحياة الكريمة وأن يتجنبوا سياساتهم الاستفزازية في المنطقة، وبخاصة تعكيرهم صفو الحج كل سنة في خطاباتهم وتهديداتهم لسلامة الحجاج والعبث بأمن الحجيج، وأن هذا لا شك يخرج النظام الإسلامي من الدولة الإسلامية إلى دولة الحشاشين القرامطة ليتبين للأمة من خلال هذه الأجندة أن دفاعهم الأخير في بيانهم دليل على الإفلاس الشرعي والوطني والأخلاقي وبخاصة أن هذا التنظيم المشبوه المسلح يخوض حربا مفتوحة مع دولته - اليمن - بجيشها ومدرعاتها وطيرانها ثم يتحرش بدولة أخرى ويتحرش بها ويهاجم أراضيها ويقتل حرس الحدود فيها وفي يده السلاح الخفيف والثقيل ومضادات الدروع وصواريخ مضادة للطيران، والمضحك أن تسويغ التدخل الإيراني في لبنان كان بحجة تحرير فلسطين من الصهاينة، فأي حجة لتدخلهم في اليمن الشقيق لدعم المنفصلين والإنسان اليمني بحاجة ماسة للاستقرار والرعاية تتجاوز كل أيديولجيات الثورة في إيران ومواقفها المتخاذلة تجاه ما صنعه هذا الطابورالصفوي الطامع في التوسع باسم الإسلام الشيعي...
إن البيانات كانت غافلة أو متجاهلة ظلما وعدوانا ما لطخته أيدي هؤلاء في العراق، وما قامت به من تصفيات جسدية واستحقاقات القتل على الاسم والهوية، وكانت عمياء عن امتطاء هؤلاء المرتزقة من أعضاء حزب الدعوة الإيراني وفيالق بدر وأصحاب العمائم السود ظهر دبابات أجنبية لتقسيم العراق ونحر السنة في هذا البلد العربي، في صورة جمعت المتناقضات من ثلاثة محاور: (الثورة في إيران، الإخوان المسلمين، تنظيم القاعدة) تلتقي خدمة للمشروع السياسي الذي يتمثل بالنسبة لهم في الوصول إلى الهيمنة والسلطة تحت أي مسوغ، ومن ذلك خلق القلاقل في الدول وزعزعة الأوطان إرهاصا لفرض التوحش ثم إدارته من قبل هؤلاء...
أيها السادة: لوأن الإخوان المسلمين وقفوا مع قضايا الأمة موقفا وطنيا مشرفا وساندوا بلادهم لكان لهم ثقل إقليمي كبير وصارت كلمتهم مهمة، وزاد من رصيدهم الوطني والسياسي والأخلاقي في أعين الجميع ولكن المستنقع السياسي وقصورهم في فهمه والطموح في السلطة أفقدهم توازنهم وزاد من تخبطهم في بياناتهم الصادرة في كل أزمة وفتنة.. اللهم انصر جنودنا البواسل المرابطين على ثغورنا، وأيدهم بتوفيقك وعزتك وقوتك.. والله من وراء القصد.
abnthani@hotmail.com