تتميز العلاقات السعودية - النمساوية بأنها منذ نشأتها الأولى منذ نحو نصف قرن لم تتعرض أبداً لشائبة أضعفتها أو إلى توترات شوهت تلك الصورة المشرقة لعلاقة صداقة مستقرة ومستمرة. وتتضح لنا أهمية هذه الميزة إذا استحضرنا إلى الذاكرة الكم الكبير من الهزات والتوترات والمنغصات التي كثيراً ما تعتري العلاقات القائمة بين مختلف الدول، حتى تلك التي تشترك مع بعضها باللغة والتاريخ والثقافة، وتتقاسم فيما بينها كثيراً من المصالح المشتركة.
وحتى نتبين بوضوح أكبر تلك الصورة المشرقة التي تعكس علاقة الصداقة القائمة بين المملكة العربية السعودية وجمهورية النمسا، لا بد لنا من الرجوع بالذاكرة إلى البدايات الأولى لهذه الصلات، التي بدأت كغيرها باهتمامات خاصة لشخصيات متميزة، سبقت تأطير هذه العلاقات بين الدولتين وفقاً للقانون الدولي بتبادل العلاقات الدبلوماسية.
إذا استعرضنا تاريخ اهتمام النمساويين بشبه الجزيرة العربية ومن ثم بالمملكة العربية السعودية في العصر الحديث أي منذ مطلع القرن العشرين فيقفز إلى الذاكرة اسم شخصيتين علميتين فكريتين نمساويتين ارتبط اسمهما وشهرتهما إلى حد كبير بالمملكة العربية السعودية.
أولهما كان عالم اللاهوت واللغوي النمساوي - التشيكي ألويز موسيل (1868-1944)، الذي ساقه اهتمامه اللغوي والتاريخي - الأثري إلى شبه الجزيرة العربية بادئاً بشمالها ثم متوغلاً فيها، حتى أصبح أحد أهم خبراء أوروبا فيما يتعلق بجغرافية شبه الجزيرة وتاريخها، حيث نشر مؤلفه الضخم (Arabia Petraea) من أربعة أجزاء عام 1908م. مضمناً فيه وصفاً علمياً للطبيعة الصخرية لشبه الجزيرة، مع خرائط للمواقع المهمة ومازال حتى اليوم يعتبر مرجعاً في بابه، كما قام عام 1910م بالاشتراك مع عالم الجيولوجيا الدكتور ل. كوبر بإعداد دراسة جيولوجية لقاعدة سكة الخط الحديدي الحجازي .
وخلال رحلاته الواسعة في شبه الجزيرة كون صداقات مع مشايخ القبائل العربية فيها، أهمها تلك التي ربطته مع الشيخ نوري الشعلان شيخ قبيلة الروله، والشيخ عودة أبو تايه شيخ قبيلة صخر، ومما يدل على متانة العلاقات التي كونها مع هؤلاء المشايخ أنهم اعتبروه واحداً منهم وأطلقوا عليه لقب الشيخ موسى بن النمسي. وكان لهذه الصلات أثرها أيضاً عندما حاول مع البدايات الأولى للحرب العالمية الأولى - بالتنسيق مع الدولتين الحليفتين (إمبراطورية النمسا ومملكة المجر) و(إمبراطورية ألمانيا) المتحالفتين بدورهما مع الدولة العثمانية- حاول أن يلعب دوراً سياسياً معاكساً لدور الضابط البريطاني المشهور (لورنس العرب) الذي ألب القبائل العربية ضد الدولة العثمانية.
وأما الثاني فكان الصحفي والمفكر النمساوي - الأوكراني، ليوبولد فايس (1900-1992)، الذي اشتهر فيما بعد باسم (محمد أسد). ولاشك أن صلات هذا المفكر بالمملكة العربية السعودية هي الأوطد والأشهر، حيث إنه قدم إليها بعيد توحيد منطقة نجد مع مملكة الحجاز، بعد أن أشهر إسلامه وقدم لأداء فريضة الحج عام 1927م، حيث التقى بالمغفور له الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، الذي قربه منه فأصبح أحد أهم مستشاريه، ويبدو أن اندماجه بالحياة العربية بلغ مدى جعله يقترن عام 1930م بزوجة سعودية هي السيدة (منيرة بنت حسين الشمري)، التي أنجبت له ابنه طلال عام 1932م، وليس من الواضح تماماً لماذا غادر الرجل المملكة بعد إعلان توحيدها رسمياً في شهر سبتمبر 1932م، ليسافر إلى الهند، حيث أسهم بقسط كبير في الحركة التي أدت في النهاية إلى تأسيس دولة باكستان، التي أصبح أول مندوب لها في هيئة الأمم المتحدة.
غير أن أشهر مؤلفاته وأبعدها أثراً ظل مرتبطاً بالأرض المباركة وبإقامته فيها وانتمائه إليها فكراً وروحاً قبل الجسم والبدن، ألا وهو كتاب (الطريق إلى مكة).
وأما من الجانب السعودي فإن أول الصلات رفيعة المستوى كانت على يد المغفور له الملك سعود بن عبدالعزيز، الذي أقيمت في عهده العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين (التي مضى على إقامتها الآن نيف وخمسون سنة)، ونظراً للسمعة العالية التي تميزت بها المدرسة الطبية النمساوية، فقد كان الملك سعود (رحمه الله) يتردد على فيينا لتلقي العلاج فيها تحت إشراف الطبيب النمساوي الأشهر البروفيسور الدكتور كارل فيللينجر، الذي اشتهر عنه أنه طبيب الملوك والرؤساء وملك الأطباء، حيث كان يشرف على علاج شاه إيران والملك الحسن الثاني وغيرهما من ملوك ورؤساء الدول. ومن المعروف أنه تم استدعاؤه إلى أثينا، لإثبات وفاة المغفور له الملك سعود عندما أدركه الأجل المحتوم فيها.
وبحكم هذه الثقة بتفوق المدرسة الطبية الفييناوية قامت حكومة المملكة منذ نهاية خمسينيات القرن العشرين بإيفاد الدفعات الأولى من المبتعثين السعوديين لدراسة الطب البشري في جامعتي فيينا وجراتز، وبخاصة عندما توترت العلاقات بين المملكة ومصر خلال فترة حرب اليمن مما اضطر المملكة إلى سحب المبتعثين السعوديين من الجامعات المصرية فاستقبلت كليتا الطب البشري في كل من فيينا وجراتز رهطاً من هؤلاء الذين قدموا للدراسة في النمسا وتخرج عدد مرموق منهم فيما بعد من هاتين الجامعتين، كما تابع بعضهم دراسته التخصصية في مستشفيات النمسا أيضاً، مما أهلهم لتولي أرفع المناصب في كل من المجال الصحي ومجال التعليم الطبي الجامعي في المملكة (بينهم مؤسس كلية الطب في جامعة الملك عبدالعزيز في جدة، وعدد من عمداء كليات الطب في جامعات المملكة، ومدير عام الخدمات الطبية للقوات المسلحة، وغيرهم كثير).
ونظراً لزيادة عدد المبتعثين للدراسة في النمسا ولتغطية الحاجة الملحة لتوفير الإشراف العلمي والرعاية الشاملة لهؤلاء المبتعثين قامت وزارة التعليم العالي بتأسيس الملحقية الثقافية السعودية في النمسا عام 1384هـ، التي أنيط بها الإشراف على الدارسين السعوديين في جامعات دول شرق ووسط أوروبا المجاورة للنمسا بعد انهيار المعسكر الشيوعي، وقدوم طلاب سعوديين للدراسة في جامعات أوروبا الشرقية على حسابهم الخاص في الوهلة الأولى ثم كمبتعثين فيما بعد، فأصبحت الملحقية الثقافية في النمسا تشرف على الدارسين السعوديين في كل من المجر، والتشيك، وسلوفاكيا، وسلوفينيا، ورومانيا. وتعددت التخصصات الدراسية وتنوعت لتشمل التخصصات الهندسية، والاقتصادية والإدارية، واللغوية، هذا إلى جانب التركيز بصورة رئيسية على التخصصات الطبية والصحية، كما ازدادت أعداد المبتعثين والمبتعثات إلى دول إشراف الملحقية لتبلغ قرابة 500 مبتعث ومبتعثة في الوقت الحاضر، تضاف إليهم أعداد أخرى من الدارسين السعوديين على حسابهم الخاص.
ولم يقتصر التعاون والتبادل العلمي بين البلدين على ابتعاث الطلاب السعوديين للدراسة في النمسا، بل تجاوز ذلك منذ زمن بعيد ليشمل تبادل الزيارات بين أساتذة الجامعات والخبراء في مختلف المجالات العلمية، وكان آخرها زيارة وفد من رؤساء الجامعات النمساوية ونوابهم إلى المملكة عام 2007م، حيث عاينوا النهضة العلمية والبحثية التي تشهدها المملكة العربية السعودية، وأجروا مباحثات ودية مع نظرائهم من مديري الجامعات السعودية، مما ترك لديهم انطباعات رائعة عبروا عنها في كلماتهم وأحاديثم العامة في المملكة وبعد عودتهم إلى بلادهم أيضاً. وقد تطورت بعض أشكال هذا التعاون إلى عقد اتفاقيات لتبادل الخبرات بين المؤسسات العلمية والتعليمية في البلدين، مثل تلك الاتفاقية التي عقدت بين مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وجامعة التقنية في فيينا -التي تعد من أعرق الجامعات التقنية في أوروبا- للتعاون في مجال دراسات الاستفادة من الطاقة الشمسية وغيرها من المجالات التقنية والهندسية.
ونظراً لأهمية هذا الجانب من التعاون المثمر بين المملكة العربية السعودية وجمهورية النمسا قامت وزارة التعليم العالي في المملكة بتنظيم فعالية (الأيام العلمية للجامعات السعودية في رحاب الجامعات النمساوية) خلال الفترة من 24- 28 أبريل 2006م الموافقة لـ26- 30 ربيع أول 1427هـ، التي اشتملت على عدد كبير من الأنشطة العلمية والثقافية والفنية التي أقيمت على شكل محاضرات، وندوات، ومعارض للكتب واللوحات والمقتنيات الفنية، إلى جانب حلقات النقاش، والعروض الضوئية الصوتية، والقراءات الشعرية باللغتين العربية والألمانية، وغطت تلك الفعاليات مختلف الجامعات في العديد من مدن النمسا من شرقها في فيينا إلى غربها في إنسبروك، فاجتذبت أعداداً كبيرة من المهتمين بالفكر والثقافية من مختلف شرائح المجتمع النمساوي، وتوج كل ذلك بتوقيع اتفاقية إعلان نوايا لتعزيز التعاون والتبادل العلمي والثقافي بين البلدين وقعها عن المملكة العربية السعودية معالي وزير التعليم العالي الأستاذ الدكتور خالد بن محمد العنقري، وعن الجانب معالي الوزيرة الاتحادية للتعليم والعلوم والثقافة السيدة إليزابيت جيرير.
من جهة أخرى فإن الجامعات السعودية، ولا سيما منها الجامعات الخاصة حديثة التأسيس أخذت في الآونة الأخيرة وبشكل متزايد تستقطب أساتذة من الجامعات النمساوية للتدريس فيها، بلغت أعدادهم العشرات. وهنالك مساع جارية الآن لتوثيق صلات التبادل العلمي والبحثي الثنائي بين الجامعات السعودية ونظيراتها من الجامعات النمساوية.
كما أن مجالات تنمية وتطوير العلاقات الثقافية واسعة ومتاحة، وقد بدأت المساعي الحثيثة للارتفاع بهذه العلاقات إلى مستوى غيرها من الصلات الوثيقة بين البلدين.. فمن الجانب السعودي شاركت المملكة كأول دولة عربية في معرض فيينا الدولي للكتاب للعام 2008م وحضر جناح المملكة رئيس الدولة الدكتور هاينتس فيشر، كما أنها ستشارك بجناح كبير جداً بمساحة 100 متر مربع في هذا المعرض في أكتوبر 2009م, كما أن هنالك اهتماماً كبيراً بمقتنيات المكتبة الوطنية النمساوية من النفائس العربية والإسلامية المخطوطة والمطبوعة. ومن الجانب النمساوي نرى اهتماماً بدراسة التراث الشعبي السعودي بمختلف أشكاله من المأثورات الشعبية إلى طراز العمارة التقليدي، إلى استكشاف الآثار القديمة والتنقيب عنها في أنحاء المملكة، هذا إلى جانب الاهتمامات الاستشراقية التقليدية بالتراث اللغوي العربي المسطور في مخطوطات لم تحقق بعد، أو المتداول مشافهة بين الناس. لكن العلاقات الثقافية قد تجاوزت منذ مدة من الزمن هذه المجالات التقليدية إلى مجالات كانت منذ عقدين أو أكثر من الزمن غير مألوفة وغير مطروقة بالمرة، ونعني بذلك مجالات الفنون التشكيلية والتعبيرية، فنتيجة للتطور الذي شهده الفن التشكيلي في المملكة، اتجه بعض الفنانين السعوديين لعرض أعمالهم في الخارج، وفي هذا السياق أقيم معرض كبير للفن التشكيلي السعودي المعاصر عام 2001 في قصر بالفي في فيينا لاقى إقبالاً كبيراً وإعجاباً وصل إلى حد الدهشة من قبل الزوار النمساويين الذين لم يكن ليخطر ببالهم وجود مثل هذه الأعمال الفنية في المملكة أصلاً، كما أن بعض فرق الفنون الشعبية السعودية قدمت إلى النمسا وقدمت عروضاً فنية أمتعت الجمهور النمساوي. ومن الجانب النمساوي هنالك مساع لتقديم عروض لفرق الموسيقى الكلاسيكية في المملكة، هذا إلى جانب قيام بعض الفنانين التشكيليين النمساويين بعرض أعمالهم في مدينتي جدة والرياض.
رغم تعدد وتشابك أوجه وأشكال ومضامين العلاقات الثنائية بين الدول، إلا أن العلاقات الاقتصادية وحركة التبادل التجاري تبقى هي الأهم والأكثر موضوعية لأنها تنعكس بشكل مباشر على حياة الناس ومعاشهم. وهكذا فإن العلاقات الاقتصادية بين المملكة العربية السعودية والنمسا شكلت دائماً الأرضية الصلبة التي ترتكز عليها بقية أوجه وأشكال صلات الصداقة والتعاون الأخرى، فالمملكة العربية السعودية هي الشريك التجاري الأهم بالنسبة للنمسا بين دول العالم العربي، وحركة التبادل التجاري بين البلدين تسجل زيادة سنوية تكاد أن تكون مطردة، مع استثناءات قليلة في بعض السنين. وفي هذا السياق نلاحظ أن ميزان التبادل التجاري بين البلدين يميل بصورة عامة لصالح النمسا بحيث يفوق حجم الصادرات النمساوية إلى المملكة حجم وارداتها منها بما فيها البترول والمشتقات النفطية، باستثناء سنوات 2003- 2005 التي فاق فيها حجم واردات النمسا حجم صادراتها إلى المملكة، ولكن منذ عام 2006 وحتى الآن فإن الكفة أخذت تميل لصالح النمسا وبفارق واضح، مما يعتبر مؤشراً على انتعاش الاقتصاد السعودي، الذي عاد إلى سياسة التوسع في الاستثمارات والإنفاق الحكومي على مشاريع البنية التحتية، وبينما تكاد الصادرات السعودية إلى النمسا تقتصر على النفط الخام والمشتقات النفطية والمنتجات البتروكيمياوية، فإن النمسا تصدر إلى المملكة مختلف المنتجات الصناعية والزراعية من الآلات والأجهزة الدقيقة والمواد الكيميائية الخام والمصنعة إلى المواد الغذائية والمرطبات والمياه الغازية.
ومن الجدير بالذكر أن بعض الشركات النمساوية الرائدة قد حصلت على عقود بمئات ملايين اليورو من المملكة لإقامة المصانع ومنشآت البنية التحتية، فعلى سبيل المثال وقعت شركة فوست ألبينه لصهر وتصنيع الحديد والفولاذ، عقدين مع شركة (حديد) السعودية عامي 2004 و2005 بقيمة إجمالية تربو على 400 مليون يورو لتوسيع الطاقة الإنتاجية لمصنع الحديد والمعدن الساخن بمجمع الحديد بالجبيل، إضافة إلى عقود أخرى كبيرة فازت بها شركة ألف النمساوية لمد أنابيب توصيل المياه المحلاة إلى أماكن الاستهلاك بطول عدة مئات الكيلومترات، وتتجه النية للاستفادة من خبرات النمسا الفنية ومنتجاتها التقنية عالية الجودة في مجال مشروعات السكك الحديدية في المملكة، ونظراً لشهرة النمسا بكفاءتها العالية في مجال طباعة الأوراق النقدية، فقد وقعت مؤسسة النقد العربية السعودية عام 2005م (مذكرة إعلان نوايا) مع مطبعة الدولة النمساوية لطباعة أوراق النقد السعودية لديها.
ولا تكتمل صورة العلاقات الاقتصادية بين البلدين إلا إذا عرجنا على قطاع السياحة، الذي أخذت أهميته بالتعاظم منذ نحو عقد من الزمن مع ازدياد ولع المواطنين السعوديين بالسفر لقضاء العطل في الخارج، في الوقت الذي طرأت فيه معوقات على حركة السفر إلى أماكن قضاء العطل التقليدية في أمريكا وبعض الدول الأوروبية وفي لبنان، مما حفزهم على اختيار النمسا منتجعاً صيفياً لهم لتمتعها باستقرار وأمن قل نظيرهما إلى جانب جمال الطبيعة والثراء الثقافي وتوفر فرص التسوق، وتقول آخر الإحصائيات إن عدد السياح العرب القادمين إلى النمسا قد بلغ 300 ألف سائح في العام، تصل نسبة السياح السعوديين منهم إلى 60%، وتشير مصادر قطاع السياحة النمساوي إلى اهتمامها البالغ بشريحة السياح العرب ومن بينهم السياح السعوديين، الذين وإن كان عددهم ما زال متواضعاً بالنسبة لعدد السياح الكبير الذين يقضون عطلاتهم في ربوع النمسا، إلا أنهم الأكثر إنفاقاً مما شجع أصحاب الفنادق والمطاعم وبخاصة في مناطق غرب النمسا إلى إدخال اللغة العربية على مطبوعاتهم الإرشادية وقوائم أطعمتهم وأشربتهم، ومع بداية انفتاح المملكة على السياحة الأجنبية وانطلاق البوادر الأولى لتسويق الأماكن السياحية فيها، أخذ النمساويون بالإقبال على هذه الرحلات السياحية إلى المملكة ومن المنتظر أن تزيد أعداد الراغبين بالتمتع بالرحلات السياحية الثقافية إلى المملكة من النمساويين بشكل ملحوظ في السنوات القادمة.
وقد يغرب عن البال أحياناً أن مئات من النمساويين يقيمون ويعملون في المملكة، ولا نعني هنا أساتذة الجامعات وكبار التقنيين والخبراء الفنيين فقط - كما قد يظن البعض - بل هنالك أعداد لا بأس بها من العمال الفنيين والحرفيين النمساويين العاملين في المملكة، ولا سيما في قطاع السياحة والفندقة، فقلما يخلو فندق سعودي من فنادق الدرجات الرفيعة من طاهٍ، أو خباز أو حلواني نمساوي، هذا عدا العاملين في مجال الإدارة الفندقية وغيرها.
وقد دفعت هذه العلاقات الاقتصادية والتجارية المتشابكة المسؤولين في البلدين إلى توقيع عدد من الاتفاقيات المالية والتجارية مثل اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمار المتبادل عام 2001، واتفاقية التعاون الاقتصادي الثنائي عام 2004، واتفاقية تفادي الازدواج الضريبي ومنع التهرب الضريبي عام 2004 أيضاً، ونظراً لقلة بل ندرة السعوديين العاملين والمقيمين في النمسا إقامة طويلة، باستثناء الطلاب والدبلوماسيين، فإن الاتفاقية الأخيرة تراعي بالدرجة الأولى مصالح العمالة النمساوية المتزايدة في المملكة.
يتفق خبراء العلاقات الدولية على مقولة إن كثرة تبادل الزيارات الرسمية رفيعة المستوى أو قلتها بين دولتين تعتبر مؤشراً يركن إليه على حميمية أو فتور العلاقات الثنائية بينهما، وإذا اعتبرنا عدد ومستوى الزيارات الرسمية المتبادلة بين المسؤولين السعوديين والنمساويين مؤشراً على طبيعة هذه العلاقات، وهي كذلك، لرأينا أن أقل ما يمكن أن توصف به هذه العلاقات بأنها (مسيرة صداقة مستمرة)، فمنذ خمسينيات القرن العشرين لا يكاد يخلو عام واحد من زيارات متبادلة رفيعة المستوى بين البلدين، لا يتسع هذا المقال لحصرها وتعدادها، لذا فسنكتفي هنا بالإشارة العابرة إلى أبرز هذه الزيارات الرسمية وأحدثها فقط، فعلى مستوى رئاسة الدولة قام كل من الرؤساء الاتحاديين النمساويين فالدهايم، وكليستيل، وفيشر بزيارات رسمية للمملكة كانت آخرها زيارة فخامة الرئيس الاتحادي الدكتور هاينتس فيشر للمملكة في شهر مارس 2006، رافقه فيها وفد كبير ضم إلى جانب وزير الدفاع ووزيرة الصحة وشؤون المرأة عدداً كبيراً (40 شخصاً) من ممثلي الفعاليات الاقتصادية النمساوية.
وعلى الجانب السعودي كانت آخر زيارة على مستوى رئاسة الدولة زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى النمسا في شهر مارس أيضاً ولكن عام 2004م،حيث كان آنذاك ولياً للعهد ونائباً للملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله، ورافقه فيها وفد رفيع المستوى ضم كلاً من صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل آل سعود وزير الخارجية، وصاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن فهد آل سعود رئيس ديوان رئاسة الوزراء، ومعالي وزير البترول الدكتور علي بن إبراهيم النعيمي، ومعالي وزير المالية الدكتور إبراهيم العساف، ومعالي وزير المياه والكهرباء آنذاك الدكتور غازي القصيبي، إضافة إلى عدد كبير من المسؤولين الحكوميين وممثلي القطاع الاقتصادي الخاص.
كما كانت من أبرز هذه الزيارات زيارة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء للنمسا في ثمانينيات القرن العشرين، وكان يومها نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للدفاع والطيران ومفتشاً عاماً للقوات المسلحة، وعلى الجانب النمساوي تبرز الزيارة التي قام بها إلى الرياض دولة رئيس المجلس الوطني النمساوي (البرلمان) الأستاذ الدكتور أندرياس كول، حيث أجرى خلالها محادثات مع صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض، ومعالي الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد رئيس مجلس الشورى.
يضاف إلى ذلك العدد من الزيارات المتبادلة على المستوى الوزاري بين الجانبين وبصورة مستمرة, حقاً إنها مسيرة صداقة مستمرة ومستقرة.
* الملحق الثقافي بالنمسا