Al Jazirah NewsPaper Wednesday  18/11/2009 G Issue 13565
الاربعاء 01 ذو الحجة 1430   العدد  13565
لا يزال السؤال جريا
د. فوزية أبو خالد

 

يشاغبني أحيانا بعض القراء من النساء والرجال وخاصة الشباب من الجنسين ببعض التعليقات وبعض الأسئلة سواء في حقل تخصصي الأكاديمي أو في مجال ما اقترفه من محاولات التحليل الاجتماعي والسياسي لبعض القضايا أو ما أرمي أصابعي في تهلكته من فتنة الكتابة. بعض تلك التعليقات والأسئلة تعيدني لمراجعي وتقودني لمراجعة آرائي وبعضها يمنحني فسحة للتأمل .......

فأحمد الله على نعمة الائتلاف والاختلاف مما يزين حياتنا الإنسانية والاجتماعية بتعدد الأطياف. بعض ما يصلني منها يكون مترع بالحنان في أسلوبه وكأنه يدق نوافذي بمطر هتان وبعضها شرس وكأنه إعصار. ومما وصلني مؤخرًا بعض أسئلة تخص تحديدا حقوق ووجبات النساء في المجتمع. أما وقد قرأت فيها روحا صحفية محترفة فسأطرح الأسئلة بالصيغة التي وصلتني وأترك لي ولكم محاولة البحث في الجواب.

* هل هناك واجبات فرضت على المرأة تجاه الرجل والمجتمع فيما يخص الحياة العائلية، من قبل العادات والتقاليد، وليس من الشرع؟وما هي؟

- قبل أن أجيب على هذا السؤال أود أن أوضح معلومة تكاد تصبح معروفة على نطاق واسع في الدراسات الاجتماعية والشرعية اليوم وقد أصبحت لا تخفى على الكثيرين في الأوساط المثقفة بل والمتعلمة تعليما عاما ليس إلا وهي تلك المعلومة القائلة بوجود خلط تاريخي واجتماعي واسع في الوسط الاجتماعي/ العام بين ما هو شرعي وبين ما يسمى بمنظومة العادات والتقاليد والعرف الاجتماعي. بعض هذا الخلط كان قد جاء عن غير قصد وعن غير دراية بأحكام الشرع نتيجة الاحتكام الطويل وخاصة في أزمنة شيوع ثقافة (البركة) إذا صحت التسمية أو الثقافة الشفوية وذلك يعود تاريخيا إلى ما قبل منتصف القرن الهجري الماضي بالمجتمع السعودي حين كان التعليم العام والعلم الشرعي محدودا بأفق الكتاتيب ولم يكن العلم متاحا للعامة إلا للندرة بل إن تعليم البنات كان لم يوجد بعد بشكل نظامي معترف بالحق فيه لجميع نساء المملكة حيث شاعت سلطة العادات والتقاليد. أما بعض هذا الخلط فيأتي للأسف عن عمد لجهل لم يشفَ المجتمع منه تماما بعد من بقايا تلك الأزمنة أو يأتي عن سابق إصرار وترصد من قبل أولئك الذين قد تتضرر مصالحهم المستتبة أو سلطتهم المطلقة على النساء لو جرى الفرز على أساس شرعي وعقلي بين ما هو حق من أحكام الشرع وبين ما هو عادات وتقاليد وممارسات عرفية موروثة ليس إلا, فيما يخص حقوق النساء وواجباتهن تجاه الأسرة والمجتمع.

وحين نعود بعد هذا التوضيح للسؤال عما إذا كان هناك واجبات فرضت على المرأة تجاه الرجل والمجتمع فيما يخص الحياة العائلية، من قبل العادات والتقاليد، وليس من الشرع؟وما هي؟ فإنني أستنجد ببحث ميداني قد قمت به بتكليف من مركز الحوار الوطني وقدم في مؤتمر الحوار الوطني الثاني الذي انعقد وقتها بالمدينة المنورة وهو منشور على الموقع الإلكتروني للمركز، وقد كان البحث بعنوان حقوق وواجبات المرأة بين أحكام الشرع وبين العادات والتقاليد. وفي ذلك البحث تم رصد أربعة عشر حقا وواجبا مما يجري في تطبيقها بحق المرأة ذلك الخلط المذكور بين الأحكام الشرعية وبين العادات والتقاليد والعرف ليس في ممارسات العامة فقط بل أحيانا في المحاكم الشرعية. مما ينتج عنه حرمان المرأة من عدد من حقوقها الإنسانية الأساسية ويفرض عليها العديد من الواجبات دون وجود أساس لذلك الحرمان أو الفرض لا في كتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه ودون أيضا وجود أي قول بذلك في السنة النبوية التي لا ينطق صاحبها صلى الله عليه وسلم عن الهوى. ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر: حق المرأة في اختيار شريك حياتها دونما إكراه, حقها في النظر الشرعي دونما خلوة إلى الخاطب, حقها في التصرف بحر مالها, حقها في استيفاء أجر الرضاعة و النفقة في حالة الطلاق لا سمح الله, حقها في حضانة الأبناء ما بعد سن الطفولة حسب مصلحة الأبناء دونما تمييز بين الابنة أو الابن، حقها في العلم وحقها في العمل وحقها في المشاركة في إبداء الرأي في الشأن الأسري والشأن العام, وحقها في الأهلية. هذا بالإضافة إلى ما سواه من الحقوق والوجبات التي إما تحجب عن المرأة أو تفرض عليها بمرجعية سلطة العادات والتقاليد التي تقدم أحيانا على سلطة الشرع. وقد قام عدد من الباحثين والباحثات بالكتابة عن ذلك كما قاموا بالتحقق البحثي منه شرعيا واجتماعيا ومنه على سبيل المثال وليس الحصر بمجتمعنا السعودي, بحث د. هتون الفاسي في أهلية النساء في التاريخ الإسلامي وبحث د. عزيزة المانع في قيامها بمراجعة عميقة للكثير من الأحكام الفقهية القديمة التي ليس لها مرجعية إلا الاجتهاد البشري الذي قد يخطأ أو يصيب وهو ليس ملزما لأجيال هذا العصر إذا لم يكن له أصل في السنة أو الكتاب. وهذا جانب آخر بالإضافة للخلط بين أحكام الشرع وبين العادات والتقاليد من الجوانب التي يجري باسمها السكوت عن بعض حقوق وواجبات النساء الشرعية لصالح انتشار تلك التي لا تستند إلا على عادات وتقاليد أنتجت في ظروف أزمنة اجتماعية مغايرة لظروف المرحلة التاريخية التي نعيش اليوم.

* هل هناك ممارسات خاطئة ضد المرأة بحجة أنها من الشرع، وهي ليست كذلك؟

- من الطبيعي أن ينجم عن مثل هذا الخلط المذكور أعلاه العديد من الأخطاء ليس فقط في حق المرأة بل في حق المجتمع معرفيا واجتماعيا. ومجرد إلقاء نظرة بالعين المجردة على بعض ما تعيشه الأسر وما تعانيه شرائح من النساء في المجتمع وشذرات ما تنقله الصحف من ذلك يقدم مؤشرا دلاليا لهذه الأخطاء. فزواج الصغيرات وزواج الحجر والعضل الذي صدر والحمد لله حكما شرعيا بمنعه مع أنه لا يزال قائما نسبيا على مستوى الممارسات, وحرمان المرأة من قضاء حاجاتها بنفسها في الكثير من دوائر الخدمات العامة في الجهاز الحكومي أحيانا (مجرد اجتهاد من البواب بعدم السماح لها بالدخول) وأحيانا لعدم وجود قرارات رسمية تفسح لها مثل هذا المجال، وكذلك عدم إلزامية التعليم العام كحق للبنات ملزم لأولياء الأمور، عدم الإذن للمرأة بالعمل في مكان مأمون ومن غير خلوة وحتى من غير اختلاط في أجهزة الدولة إلا بإذن الولي. فماذا لو كان الولي لا سمح الله أخ طائش لا يريد لأخته العمل من باب التحكم ليس إلا وإن كان لها حاجة ماسة بعمل شريف, ماذا لو كانت المرأة في وضع (المعلقة) وهذه (قضية أخرى شائكة) لرجل لا يريد أن يعطيها إذن العمل الشريف لمجرد الإيذاء وسواه من حالات يجب أن لا يترك التحكم فيه الأهواء من قد لا يكونون على وعي بإنسانية النساء ولا بالأحكام الشرعية.

* وما هي حقوقها وواجباتها الشرعية؟

- والله هذا سؤال هام جدااااااااا لكن من غير الدقيق الإجابة عليه كسؤال عابر في جريدة وإن كان من الأسئلة السارية المفعول دائما مادام هناك جهل اجتماعي عام بحقيقة الحقوق واستحقاقاتها. والشائك أنه قد يصعب الإجابة على هذا السؤال الذي يبدو بديهيا حتى على عدد من المتخصصين سواء في الشأن النسوي أو الاجتماعي أو حتى الشرعي. هذا بالإضافة إلى واقع أن القطاع العريض من النساء بالمجتمع السعودي قد لا يكن متأكدات من الإجابة الدقيقة لهذا السؤال. وهذا يجعل للإجابة المبدئية وليس الشافية بطبيعة الحال شقان. الشق الأول: يتمثل في حاجة المجتمع السعودي اليوم الماسة والملحة للشروع العملي وليس الاكتفاء بالأماني أو التصريحات في وضع مدونة شرعية لحقوق وواجبات النساء وخاصة في مجال ما يسمى الأحوال الشخصية. لأهمية ذلك ليس فقط في مجال المحافظة على حقوق المرأة بل وأيضا لخطورة غياب مثل هذه المدونة على حقوق الأسرة والأطفال والأبناء في عمر المراهقة. وأعتقد أن حملة (الطلاق السعودي) بمبادرة هيفاء خالد ومبادرات أخرى لاحقة بمؤازرة عدد كبير من العلماء المستنيرين في الشريعة والاجتماع وكذلك مؤازرة عدد واسع من النساء السعوديات هي محاولة جادة في رأيي لدق جرس خطورة غياب مثل هذه المدونة الحقوقية الشرعية بالمجتمع السعودي.

إذن للإجابة على ما هي حقوق المرأة وواجباتها الشرعية يجب البدء في مشروع يشارك فيه المختصون في الشريعة والاجتماع وسواها من التخصصات ذات العلاقة ويكون من النساء والرجال المستنيرين للتوصل إلى تعريف وتفعيل هذه الحقوق والواجبات. هذا على الصعيد الأسري والتفاصيل الصغيرة الخاصة بالشأن الاجتماعي. أما على مستوى عموم الحقوق والواجبات الوطنية فهنا يجب تقنينها أيضا بما يشمل وجود منظومة الحقوق والواجبات الوطنية لتشمل المواطنين عموما نساء ورجال.

الشق الثاني للإجابة غير الشافية أن العديد من الدراسات تؤكد أن هناك جهل واسع بين النساء أنفسهن بمنظومة الحقوق والواجبات الشرعية من النساء اللواتي يحملن أعلى الدرجات العلمية إلى النساء اللواتي مع الأسف لم يذهبن إلى المدرسة قط. ومن هنا تبزغ مرة أخرى أهمية وجود مدونة الحقوق الشرعية المشار إليها أعلاه وذلك لاستبدال ثقافة التجهيل بثقافة المعرفة وخاصة في موضوع حيوي مثل الحقوق والواجبات. هذا دون أن أغفل دور التربية المدرسية والجامعية والإعلام الجاد في التثقيف بالحقوق والوجبات. لأن المجتمع الذي يعمل على خلق ثقافة الحقوق والواجبات هو الأقدر على كسب الرهان الوطني والمستقبلي بتعميق الولاء وحس الانتماء. هذا والله أعلم.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد