يدرك كل من له أدنى اهتمام بما يدور الآن على الحدود الجنوبية للمملكة أن القضاء على (المتسللين) - إذا تلطفنا في المصطلح - لا يكلف القوات السعودية إلا عدداً قليلاً من كفاءاتها العسكرية لتقضي عليهم، وأنه - بمعيار العدد والعدة - فإنه لا مقارنة بين (لواء واحد) من الجيش السعودي وبين كل من ينتمي إلى الفئة المعتدية، سواء في ميدان قتالهم المزعوم، أو في مراكز القوى التي تدعمهم داخل اليمن....
ندرك ذلك كله، لكن ما يجري الآن بين القوات السعودية ومواجهتها للمتسللين له أبعاد كثيرة:
أولها: ماله شأن بالدول الإقليمية التي تدعمها، وثانيها: التوقيت الذي جرت فيه محاولات التسلل إلى الحدود السعودية ومشاغبة قوات حرس الحدود، وهو توقيت يسبق موسم الحج، بما يعني أنه يمكن أن يهيئ لشغب من نوع آخر يأتي بعده، وثالثها: أن جماعة هذه الفئة المأجورة - في صيغتها الحالية النهائية - إيرانية الهوى والملة، وإن كانت تنطق بلسان عربي مبين، وهي أقرب إلى الملة الإيرانية من الزيدية، التي تخلّى هؤلاء عن نسختها المعتدلة بعد هجرة زعيم المتسللين إلى إيران والعودة مبشّراً بهم وبثورتِهم. في تسللهم وشغبهم، وتخفيهم بزي النساء، واستخدامهم الأطفال في تنفيذ مآربهم، وقتلهم الأبرياء والعزّل من الضعفة والصبيان مسحة من فرقة الباطنية، ومن أراد المزيد في معرفة وجه الشبه بين هؤلاء والباطنية فليقرأ (الكامل في التاريخ) لابن الأثير عند حديثه عن حوادث سنة 534 هـ، والتحرك لهذه الفئة العميلة الآن هو محاولة لتكملة الهلال الشيعي ليكون حزاماً يبدأ من إيران وينتهي إليها.
هذه الأبعاد الثلاثة - وغيرها كثير - توجب موقفاً واضحاً صريحاً، لا لبس فيه ولا غُموض، ولا مناورة ولا مداهنة، ولا ميكافيلية، ولا تلاعب بالألفاظ، موقف من يرفض رفضاً قاطعاً كل ما يجري على الحدود السعودية مع اليمن، ويرفض كذلك كل مسوغات ابتداء التحرك للمتسللين ومعاذير التوقف عن صدّه قبل القضاء عليه.
هذا الموقف يجب أن يكون متفقا عليه من فئتين:
1- من كل السعوديين على اختلاف انتماءاتهم، فهم أول من يرفض المساس بسيادة وطنهم، وعدم إظهار ذلك بصدق ووضوح هو موجب للشك في ولائهم للوطن الذين يعيشون على ترابه، والصمت، فضلاً عن التبسم الباهت المريب، هو أمر يبعث على التوجس في الانتماء وموجب للمحاسبة.
2- كما أن السعوديين وهم يرقبون المواقف العربية المعلنة أو المضمرة تجاه تحرك هؤلاء، يأملون ألا تكون هناك دولة أو جماعة أو حزب يتصيد في الماء العكر، ويقتنص الفرص للنيل من السعودية أو حكومتها أو شعبها، ويوظف الأحداث لتشويه صورة المملكة أو تصفية حساب معها.
إن ما حدث أثناء غزو العراق للكويت، ودخول المملكة طرفا رئيسا ومؤثرا لطرد الغازي وتحرير المحتل، وانقسام بعض العرب عن الإجماع العربي والدولي، ومحاولتهم النيل من سيادة المملكة، والتحزب تجاهها لأهداف سياسية معلومة، أو أطماع غير معلنة، إن ذلك كله هو مما حفظه التاريخ، ولن ينساه السعوديون.
اليوم يوم المواقف، وإن كان الحدث - عسكرياً - لا يقارن بغيره من الأحداث التي شهدتها المنطقة، إلا أن أبعاده المعنوية والقوى المشبوهة المتورطة فيه تفرضان المبادرة إلى التعبير عن المواقف بكل وضوح وشفافية.
السعوديون يراقبون كثيراً، ويصمتون كثيراً، لكنهم إن نطقوا آلموا، وإن تحركوا أوجعوا، والإنسان ابن بيئته، وكما أن أرض السعوديين هي مأرز الإيمان والحكمة، فهي كذلك أرض البطولة والفداء.