اختارت صحيفة (فوربز) الأمريكية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله ضمن أكثر عشر شخصيات نفوذاً في العالم. القائمة لم تقتصر على السياسيين، وإنما شملت كل من يملكون سلطة القرار والتأثير في العالم، من كافة التوجهات، سواء السياسية أو غير السياسية. أن يحتل الملك عبدالله هذه المكانة الرفيعة عالمياً يؤكد أن نجاح القادة والزعماء وتألقهم في عصرنا الحاضر لم يعد محدوداً بالجغرافيا والمكان، وإنما يمتد ليصل إلى العالم أجمع.
ومن يستعرض إنجازات الملك عبدالله خلال المدة التي أمضاها في الحكم، يجد أن هذا الاختيار كان عادلاً ودقيقاً ومبرراً. فهو بحق ملك الإصلاح والتطوير والتغيير، فما تمر به المملكة في عصره من تطور وتغير على كافة المستويات هي تغيرات وتطورات جوهرية، أقدم عليها بجرأة محسوبة بدقة، وشجاعة نادرة، فأعطت أُكلها سريعاً، وتردد صداها ليس في الداخل، أو في المنطقة فحسب، وإنما في كل أرجاء المعمورة، وجاء اختيار مجلة (فوربز) ليؤكد ما أقول.
ومن يقرأ التاريخ يجد أن الرجال العظماء الذين غيروا مسار التاريخ، وانتقلوا بمجتمعاتهم من وضع الثبات، أو (القهقرى)، إلى مواكبة الحضارة العالمية، وقفوا من مجتمعاتهم في (موقف) القيادة الحقيقية، (أمامهم)، وليس خلفهم، فقادوهم إلى التطور والحضارة، وأرسوا في الوقت ذاته لدولهم دعائم البقاء والاستمرار. كان بإمكانه أن يخضع، وأن يجامل، لتيارات ترى أن (الثبات) هو قدرنا، وهو الخيار الذي يجب أن يراعيه كل صناع القرار في البلاد، غير أنه أدرك بحسه القيادي أن مجاملة دعاة (التكلس) ستكون حتماً على حساب البقاء. والقائد العظيم هو الذي يوزان بين ما يجب أن يظل ثابتاً لا يمس، وما هو المتغير الذي يجب أن يمسه التغيير، هذه المعادلة بالمختصر المفيد هي دائماً وأبداً سر تفوق القادة وتميزهم على مر التاريخ، وهي المعادلة التي وضعها هذا القائد الفذ نصب عينيه، فأبقى على (مبادئ) الدولة التي بناها الموحد رحمه الله لا تُمس، وأعمل التغيير في كل ما من شأنه مواكبة العصر ومتطلبات التنمية بمفهومها الواسع بما لا يتعارض مع مبادئ التأسيس. وكما هم القادة العظماء دائماً، سيضع (الممانعون) للتغيير والتطوير والتنمية (العقبات) الكأداء في طريقهم، وسيبذلون كل ما أوتوا من قوة لوقف مسيرة التطور و(الانفتاح) التي يحتاجها مواكبة العصر. وهؤلاء الذين اعترضوا على كثير من مشاريع الملك عبدالله لإخراج البلاد من عزلتها الثقافية، والتنموية، وبالتالي الحضارية، اعترضوا أيضاً على الملك عبدالعزيز في كثير من مشاريعه التحديثية، فذهبت معارضات وممانعات أولئك إلى التاريخ، وبقيت دولة عبدالعزيز في أيد أمينة؛ وها هو العالم يشهد للملك عبدالله بأنه من أعظم عشرة زعماء عالميين أثروا في مسيرة العالم المعاصرة، وما أشبه بارحة عبدالعزيز بليلة عبدالله بن عبدالعزيز.
المملكة أيها السادة ليست مجرد دولة عربية، أو إسلامية، إنما أرضها تحتوي على أقدس بقعة عند قرابة الألف وأربعمائة مليون مسلم في أرجاء المعمورة، وهي تحتوي، وتتحكم، في قرابة ربع احتياطي العالم من النفط، لذلك فإن القائد الذي لا يأخذ هذه العوامل بعين الاعتبار، ويتصرف وكأننا في (جزيرة نائية) عن التأثر والتأثير، كما يظن البعض، سيسعى بالبلاد إلى مآلات في منتهى الخطورة. ومن يرصد ممارسات الملك عبدالله الداخلية، والخارجية، يجد بالفعل أن هذه الحقيقة ماثلة في ذهنه، وفي ما يتخذه من قرارات، بمنتهى الوضوح؛ فقراراته دائماً تأتي بشكل متناغم يوازن بين متطلبات التنمية والانفتاح في (الداخل) من جهة ومسؤوليات المملكة في (الخارج) من جهة أخرى؛ فالتاريخ علمنا أن من لا يحفل بالخارج، ولا يأخذه بعين الاعتبار، سينتهي (حتما) إلا ما انتهى إليه أسلافنا؛ والتاريخ أمامكم فاقرؤوه.
حفظ الله لنا هذا القائد الفذ، الذي أحب بلاده، وأخلص لها، فحظي بهذه المكانة الدولية الرفيعة.
إلى اللقاء.