Al Jazirah NewsPaper Tuesday  17/11/2009 G Issue 13564
الثلاثاء 29 ذو القعدة 1430   العدد  13564

ندبة ورثاء
بقلم: عبدالله محمد بابا الشنقيطي

 

لعمرك ما الرزية فقد مال

ولا فرس يموتُ ولا بعيرُ

وإنما الرزيةُ فقدُ شخصٍ

يموتُ بموتهِ خلقُ كثيرُ

ذلك الشخص هو المرحوم الشيخ محمد عبدالرحمن الشيباني الذي كرس حياته للنبل وفعل الخير والاستقامة، والذي وافته المنية صبيحة يوم الخميس 17-11- 1430هـ والموت أمر لا مردَّ له وكل الناس ذائقة.

وفي كتاب الله سلوة من فقد كل حبيب وإن تطب النفس عنه، وأنس من كل فقيد وإن عظمت اللوعة.. قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} وقال تعالى: { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} وقال تعالى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} فلا عزاء إلا التسليم لقضاء الله وقدره.

وكان الفقيد رحمه الله أحد رجالات الدولة السعودية في عهدها الزاهر الحديث، الذي قامت على أكتافهم النهضة العمرانية التي نشرت العلم والمعرفة والعدل والأمان والتقدم والازدهار على يد مؤسسها المغفور له الملك عبدالعزيز بن سعود رحمه الله وأبنائه من بعده، وكان رحمه الله مع رجالات جيله من أهل المدينة مثل عمر السقاف، ومحمد عمر توفيق، ومحمد حسين زيدان، وواصل شهاب وأضرابهم من الرعيل الأول الذين قاموا وقدموا في تطوير الإدارة والوطن وتثقيف مجتمعهم.

وقد شغل رحمه الله عدة مناصب في الدولة منها رئاسة ديوان إمارة المنطقة الشرقية التي كانت هي أهم مناطق المملكة في ذلك الوقت لوجود شركات النفط التي تعمل فيها وأميرها سمو الأمير سعود بن جلوي رحمه الله.

ثم انتقل عمله آخر حياته العملية وكيلاً لوزارة الإعلام بعد تأسيس الوزارة.

وكان معروفاً بحسن قيادته وحنكته وكفاءته وحسن تدبيره.

وكان يعرف بشرحه على المعاملات عند موظفي وزارته بعبارة (لا بأس) إذا كان الأمر موافقاً صواباً للنظام، وكان الذي خلفه للعمل كان شرحه على المعاملات (لا داعي).

فقال بعض الموظفين: ذهب صاحب (لا بأس) وجاء صاحب (لا داعي)، وكان رحمه الله معروفاً بين الناس بتواضعه وحسن أخلاقه مع المحافظة على الصدق والأمانة، قنوعاً عفيفاً موطأ الاكناف باذلاً جاهه وماله عن يلجأ إليه.

كما اشتهر بنصاعة السيرة واستقامة السريرة، نقي العرض، لم تعرف عنه نقيصة، محباً للخير باذلاً للمعروف، هذا ما نشهد له به وهو كما قال فيه أحد الشعراء:

شم البرق من أخلاقه تلقه صدقا

ولا تشمن للغيث من غيره برقا

وإن شئت فاستشق البوارق تلقها

خواء وتلق الغيث من برقه ودقا

ففي الناس لا تجدي الفراسات إنما

تجاريب تعطى بين أشباهم فرقا

ضع السيف في الهامات تعرفُ مضاءه

وأجر الجواد النهد تستبن العتقا

أبا خضرا سلم للشرف الذي نلته

تنل العزة القعساء والعروة الوثقى

فلو بعثت (شيبان) ظنتك معنها

وأن المثنى في الوغى اقحم البلقا

أيزعم ذو زعم بأنك مثله

ولم يك يلقى في الخطوب كما تلقى

إباء وبذلا وانتخاء ونجدة

سعيدا بها من حيث كنت بها تشقى

وعزة نفس لو تزاحم جلمدا

من الصخر لا ندق الصفا تحتها دقا

شمائل مجد ساسها فارتفعت به

مراقي لم تترك لذي مطمح مرقى

كأن المعالي انجم في بروجها

وهمته تطوي بآثارها الأفقا

وما مثل صيد الباز صيد بن داية

ولا مرتقا في العلى مثلما يرقى

تجارة مجد لن تبور ربحتها

تبيع الذي يفنى وتبتاع ما يبقى

وإني لو لي الرفق بالناس قلت ما

لو أنهم صاخوا له موتوا صعقا

وما كان هذا الشعر دأبي وإنما

رأيت على مثلي إلى مثله حقا

ومن يبخس الناس الأكارم فضلهم

على الناس أمسى وهو أسوأهم خُلقا

وكان رحمه الله جوداً معروفاً بالسخاء في العسر واليسر، وفياً - يصل الأرحام ويخدم الأرامل والأيتام بنفسه وماله وجاهه- لا يعز شيئاً عن ذي رحم ولا قرابة ومن بشائر حسن ختامه أنه قبض وهو يتلو كتاب الله وفي يده المصحف الكريم.

نسأل الله له الرحمة والغفران وعلو الدرجات، وأن يجعل مآله روضة من رياض الجنة، وأن يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان وأن يبارك له في خلقه- (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ)

ونتمثل بقول الشاعر:

عليك سلام الله قيس بن عاصم

ورحمته ما شاء أنْ يترحّما

تحيه من أوليته منك نعمة

إذا زار عن شحط بلادك سلما

وما كان قيس هلكه هلك واحد

ولكنه بنيان قوم تهدما


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد