Al Jazirah NewsPaper Tuesday  17/11/2009 G Issue 13564
الثلاثاء 29 ذو القعدة 1430   العدد  13564
النزعة الانفصالية على النمط الإيطالي
أرنولد كاسولا

 

من الثابت تاريخياً أن العديد من الحركات الانفصالية في أوروبا لجأت إلى أشكال متنوعة من أعمال العنف الإرهابية منذ النصف الثاني من القرن العشرين. وبداية من الستينيات فصاعداً أصبح الموت وتفجير القنابل من الأحداث اليومية المعتادة في مناطق مثل أيرلندا الشمالية، وكورسيكا (فرنسا)، وجنوب تيرول (إيطاليا)، وإقليم الباسك (أسبانيا).

والآن يعود شبح الانفصالية العنيفة ليطل برأسه من جديد في أسبانيا. فقد أنهت منظمة الباسك الإرهابية (ETA) إنهاء هدنتها مع الحكومة الأسبانية، وفي مناسبة الاحتفال بالذكرى السنوية الخمسين لتأسيسها، زرعت القنابل في مدينة بورجوس وعلى جزيرة مايوركا. ومن حسن الحظ أن العقل أصبح الأسلوب السائد في أيامنا هذه في أماكن أخرى من أوروبا، وبات اللجؤ إلى العنف في انحسار.

ولكن هذا لا يعني أن النزعة الانفصالية اختفت من أوروبا. فإيطاليا على سبيل المثال أصبحت تعيش في ظل تهديد متواصل تفرضه النزعة الانفصالية الثقافية والاقتصادية، وإن كان ذلك بطريقة سلمية. والآن يعكف حزب رابطة الشمال، حليف سيلفيو بيرلسكوني في الحكومة، على استحضار المخططات لإحراج الحكومة الوطنية بإطلاق التهديدات لمفهوم الوحدة الوطنية.

إن حزب رابطة الشمال، تحت زعامة أمبرتو بوسي الذي يتمتع بشخصية كاريزمية، يحمل الأصوات الحاسمة في البرلمان والكافية لإبقاء حكومة بيرلسكوني على رأس السلطة بالكاد. ويستغل الحزب هذه القوة لابتزاز الحكومة وإرغامها على اتخاذ تدابير تنطوي على تمييز وتفرقة بين المواطنين في شمال إيطاليا وجنوبها.

إن أنصار رابطة الشمال، مثل عضو البرلمان الأوروبي ماريو بورجيزيو وعضو البرلمان روبرتو كوتا وعضو مجلس الشيوخ فيديريكو بريكولو، معروفون بتصريحاتهم المعادية للأجانب في البرلمان، وبخاصة ضد هؤلاء من غير المنتمين إلى بلدان الاتحاد الأوروبي. ولكن هذا الشكل من أشكال المغالاة في الوطنية لا يتوقف عن ذلك الحد: فهم لا يكفون عن اقتراح تدابير تميز بين مواطني شمال إيطاليا من فينيتو أو لومباردي وبين مواطني جنوب إيطاليا من نابولي أو كالابريا أو صقلية.

وأثناء هذا الشهر الذي شهد العديد من الحماقات الانفصالية، كان أول اقتراح متعلقاً بتعيين مديري المدارس في منطقة فينيتو: حيث وافق أعضاء المجالس المحلية في إقليم فيتشنزا على تنفيذ إجراء يسمح بحجز كافة وظائف إدارة المدارس في الإقليم لمعلمين من شمال إيطاليا.

وفي نهاية يوليو - تموز، اقترح عضو آخر في البرلمان من حزب رابطة الشمال عدم السماح للمدرسين من جنوب إيطاليا بالتدريس في مدارس الشمال ما لم يكونوا متمرسين في تاريخ وتقاليد ولهجات المناطق التي تقع فيها المدارس. ولقد وافقت وزيرة التعليم الإيطالية ماريا ستيلا جيلميني على مناقشة الاقتراح.

وفي بداية أغسطس - آب وقع الهجوم الثالث على الوحدة الإيطالية من جانب رئيس مجموعة رابطة الشمال في مجلس الشيوخ، فيدريكو بريكولو، الذي اقترح إضافة فقرة شرطية إلى المادة رقم 12 من الدستور الإيطالي تقضي بالاعتراف رسمياً بالإعلام والأناشيد الوطنية للمناطق المختلفة.

وكان آخر استفزاز من جانب رابطة الشمال متمثلاً في الاقتراح الذي تقدمت به والذي يطالب بحصول موظفي الدولة على رواتب مختلفة عن نفس الوظائف استناداً إلى محل إقامتهم (الشمال أو الجنوب). أما وزير الزراعة لوكا زايا فقد ذهب إلى أبعد من ذلك حين زعم أن ربط الرواتب بتكاليف المعيشة في المناطق المختلفة من البلاد من شأنه أن يضطر الجنوب إلى الاكتفاء الذاتي والكف عن الاعتماد على المساعدة من الشمال.

ويبدو أن هذا الاقتراح وجد درجة معينة من الدعم من جانب بيرلسكوني، رغم أنه من المحتمل أن يكون الشخص الوحيد في البلاد الذي يوافق على مثل هذا الاقتراح. ذلك أن النقابات العمالية، وجمعيات أصحاب العمل، وكافة الأحزاب السياسية، بل وحتى العديد من أعضاء البرلمان من أتباع بيرلسكوني اتحدوا في رفضهم لما اعتبروه شذوذاً وانحرافاً.

ولم تتوقف مخيلة زايا الخصبة عن ذلك الحد: فقد اقترح دبلجة أو ترجمة المسلسلات التلفزيونية الإيطالية الشهيرة إلى اللهجات المحلية! ويبدو أن بيرلسكوني المنهمك في الدفاع عن موقفه العصيب باعتباره البطل الرئيسي في سلسلة من الفضائح الجنسية التي لا تنتهي، لم يعد قادراً على كبح جماح مثل هذه الاستفزازات الصارخة من جانب رابطة الشمال.

والنتيجة أن حلفاء بيرلسكوني المفترضين مثل الوزير السابق جيانفرانكو ميتشيتش وحاكم صقلية الحالي رافاييل لومباردو، يفكرون جدياً في تأسيس (حزب الجنوب) لضمان احتفاظ مناطق جنوب إيطاليا بالقدر الكافي من القوة والنفوذ للتصدي للهجوم الشرس الذي يشنه حزب رابطة الشمال.

لا أحد يستطيع أن يجزم ما إذا كانت هذه المخططات قد تتحول إلى واقع ملموس. ولكن ما يبدو مؤكداً هو أن الحركات الانفصالية في إيطاليا، على النقيض من الحركات الانفصالية في أسبانيا، تكتسب الأرض من خلال ثورة بيضاء. ومن الواضح أن ماو كان مخطئاً: ذلك أن الابتزاز السياسي يبدو أكثر فعالية وتأثيراً من فوهات البنادق.

خاص «الجزيرة»
روما - أرنولد كاسولا الأمين العام الأسبق لحزب الخضر الأوروبي وعضو سابق بالبرلمان الإيطالي



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد