الأشخاص والحركات والدول تسجل مواقفها السياسية جراء معطيات واضحة أمامها، وغالباً ما تكون هذه المواقف خاصة في أوقات الأزمات وحين الفتن نتيجة توافق أيديولوجي/ عقدي، أو توجه سياسي اقتصادي، أو بناء على تاريخ كفاح مشترك، أو لمصالح دائمة أو حتى مؤقتة معروفة (براجماتية)، وقد يكون الموقف لرؤية عسكرية أو سياسية واضحة في ذهنية متخذ القرار قائمة على تحليل للحدث ومعرفة للخلفيات وقراءة للمستقبليات، وقد يفضل الشخص أو الحركة أو الدولة التزام الحياد وعدم البوح بما تراه انتظاراً لهدوء العاصفة أو من أجل حسابات معينة تنبني على رؤية واضحة يُتفق عليها من قبل أعمدة النظام صغيراً كان أم كبيراً، وقد تسند مهمة إعلان تحديد الموقف لشخص ما ليس له شأن كبير في التنظيم، أو أنه أقل شأناً من غيره لسبب أو لآخر، وقد يكون للتنظيم موقفان متباينان أملتهما العلاقات المتناقضة بين القوى السياسية المتأرجحة في المنطقة، كل هذا وارد وقد يكون مقبولاً نسبياً في عالم السياسة خصوصاً في عالمنا العربي الذي لا يخضع لرؤية سياسية واحدة ولا تتحكم في مستقبله قوى متحدة ذات إستراتيجية عربية تتوافق في خطوطها العريضة -على الأقل-، ولكن غير المتوقع ولا مقبول أن يتخذ موقف واضح لا يتكئ على توافق أيديولوجي/ عقدي مشترك، ولا يستند على تاريخ بين، وليس هناك في الظاهر مصالح متبادلة ولا وجود لمبرر سياسي ولا عسكري على الأقل في الظاهر، ومن أعلى قمة في التنظيم. غير المتوقع ولا المقبول أن يصدر بيان من جماعة الإخوان المسلمين (السنية) حيال أبعاد الأزمة اليمنية فيه من المفارقات الشيء الكثير أهمها:
* اتهام المملكة العربية السعودية أنها أدخلت نفسها في حرب داخلية بين الحكومة اليمنية والحوثيين (اليمنيين) في صعدة، وهذا مخالف للحقيقة التي عرفها الكل بالصوت والصورة وأدانها الجميع بلا استثناء، والحكم على الشيء فرع من تصوره.
* أن المملكة العربية السعودية تجر المنطقة إلى أزمة إقليمية وتحول الصراع من صراع داخلي إلى دائرة أوسع، والمملكة عبر تاريخها الطويل هي من يجنب بعد توفيق الله وعونه المنطقة العربية بأسرها مثل هذه الأزمات، وتبذل كل ما في وسعها لوقاية الأشقاء العرب ويلات الحروب ونتائج الاختلاف والخلاف.
* التشكيك بالسبب الذي يقف خلف تحرك القوات السعودية وهو الواقع المعاش الذي تنقله وسائل الإعلام ويتحدث عنه المتسللون الحوثيون أنفسهم من أرض اليمن إلى داخل الحدود السعودية (تذهب الرؤية السعودية)، وهذا بصدق يدل على ما في النفوس من وساوس وتصورات مبنية على خلفيات سلبية مبنية على رؤية غير صحيحة ولا مكان له في عقل أو منطق.
* التشكيك في الدعم الإيراني للحوثيين الذين ينطلقون في رؤيتهم وتحركاتهم على توافق أيديولوجي، وذلك نتيجة احتضان الإيرانيين أصحاب الرؤية التوسعية الفارسية في أرض الجزيرة العربية لزعيم التنظيم حسين بدر الدين الحوثي المعروف ومن خلفه كثير من أتباعه، بل حتى ترديدهم للشعار المعروف (الموت لإسرائيل/ الموت لأمريكا) والذي خدع به البعض هو نفس ما تكرره الأوساط الشيعية الفارسية منذ آية الله الخميني وحتى اليوم، يظهر هذا التشكيك في بيان الإخوان المسلمين بقولهم (دون توضيح لمظاهر الدعم).
* أخذهم التصريحات الإيرانية على علاتها وأعتقد صدقها ولو على العموم، يظهر هذا في مثل قولهم (وفي ذات الوقت فإن تصريحات وزير خارجية إيران تزيد الأمر تعقيداً وصعوبةً)، بصدق هذا البيان لا يتوافق مع العقل والمنطق ويتعارض مع العاطفة والمنطلق، ولا ينسجم مع المصلحة والتاريخ بل لا يمكن أن يكون بياناً سياسياً يمثل تياراً عريضاً له معرفة طويلة وتاريخ عريض، ويعرف معنى الصراع ويدرك مفهوم السيادة وماذا يعني دخول الأراضي وتجاوز الحدود، إن قواتنا الباسلة تخوض حرباً حقيقية مع الحوثيين داخل الأراضي السعودية، والهدف من مثل هذا التحرك واضح واختيار هذا الوقت بالذات له أسبابه ومبرراته عند المخططين العسكريين والمنظرين لهذه الجماعة، نسأل الله عز وجل أن يرد كيدهم في نحورهم وأن يهلك عدونا، ومن أرادنا وأراد بلادنا بسوء أن يشغله الله في نفسه ويجعل كيده في نحره اللهم آمين..
وإلى لقاء والسلام.