Al Jazirah NewsPaper Monday  16/11/2009 G Issue 13563
الأثنين 28 ذو القعدة 1430   العدد  13563
من القلب
الإعلام المصري ونادي الوطن .. وثقافة إقصاء الآخر!!
صالح رضا

 

مع اقتراب مباراة منتخبي مصر والجزائر التي أقيمت مساء السبت الماضي.. واصل الإعلام المصري تصعيده تمهيداً لمعركته - ولا أقول لمباراته - مع المنتخب الجزائري التي انتهت بفوز المنتخب المصري بهدفين لصفر.. وهو ما يحتم اللجوء لمباراة فاصلة بين المنتخبين.

** الإعلام المصري مارس ضغوطاً في كل الاتجاهات قبل المباراة الأخيرة.. حتى وصل بهم الحد إلى مساومة الفنانين والأدباء والصحفيين من غير المصريين على موقفهم من المعركة - أقصد المباراة - .. فإذا لم يعلنوا عن عميق أمنياتهم بفوز المنتخب المصري ب(المعركة) ضد الجزائر صراحة.. يتهم بخيانة وعليه بتبعات تلك (الخيانة)..

** لذلك ينبغي على كل فنان وصحفي وأديب عربي أن ينطق بولائه للمنتخب المصري وأن يعبِّر بصراحة عن أمنيته بخسارة المنتخب الجزائري.. وإلاّ سيكون جزاؤه الإبعاد الفوري إذا كان داخل مصر.. أو عدم دخوله لمصر إذا كان متواجداً بالخارج.. رغم ورود الآية القرآنية الكريمة (ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ)!!

** منذ خمسة عشر يوماً وتلفزيونات شبكة (نايل) المصرية وهي تؤجج أجواء الحرب التي سيخوضونها ضد الجزائريين.. وتشحن الجماهير المصرية ضدهم.. وتقرع طبول الحرب حتى تصوّرنا أنّ الأمر قد وصل إلى إعلان الحرب العسكرية بين البلدين.. وليس ذلك التأجيج والتجييش من أجل مباراة في كرة القدم.

** هذا الإقصاء الذي يستخدمه الإعلام المصري الرسمي - وليس الكروي أو الرياضي - ليس بجديد على الإعلام المصري.. فثقافة الإقصاء التي تمارس.. يريدون إيهام الآخرين بأنهم يعيشون على ضفاف فقيرة.. والنجاة تتمثّل في الإبحار نحوهم إلى شواطئ الدعم الكلي لمصر - وليس للمنتخب المصري - وإذا لم يفعلوا سيبقون من المغضوب عليهم.. ومن المحرومين من القدوم لشاطئ الجنة المصري.. وسيبقون منبوذين على الشاطئ الفقير الآخر.

** مدينة جدة.. وهي المدينة التي فضلتها شخصياً قبل أكثر من خمسة وثلاثين عاماً على قريتي الجنوبية - المفتاحة - وعلى مدينة المنشأ الطائف المأنوس.. وعلى مدينة الرياض حينما كان يحاول الصديق الأستاذ عبد الرحمن الحمدان مدير عام مكتب وزير المعارف في ذلك الوقت إغرائي بالبقاء بمدينة الرياض ولكن كان قراري لا رجعة فيه..

** مدينة جدة هي مدينة ذات جذور متأصلة العلاقة بمصر.. بل هناك الكثير من العلاقات العائلية بين المصريين وأهالي مدينة جدة عميقة الجذور.. لذا فقد انعكس كل ذلك على طبيعة الحياة بين جدة القديمة وأهلها الطيبين وبين مصر أرض الكنانة.. ومنها أصبح الإعلام (الجداوي) متأثراً بدرجة كبيرة بالإعلام المصري.. بل هو سمة الإعلام الاتحادي وهو الوجه الآخر للسلوك الإعلامي المصري.

** من مشاكل الاتحاديين عموماً.. هو أن تكون اتحادياً صرفاً رغم انتمائك لنادٍ آخر وإلاّ الويل لك.. فإذا كنت رئيس نادٍ وخسر فريقك أمام العميد.. فعليك لبس الشال الاتحادي والانضمام لرابطة المشجعين الاتحادية.. أو إذا انتهت المباراة بخسارة فريقك.. فعليك الذهاب صاغراً لجمهور العميد وتحييهم عدّة مرات مع انحناءات متتالية كما يفعل الممثلون عند دخولهم للمسرح ويظلّون ينحنون ويصلبون قامتهم حتى ينتهي الجمهور من التصفيق.

** أما عندما يخسر المنتخب الوطني السعودي فيمارس الصحفيون والنقاد نقداً لاذعاً أحياناً للمنتخب.. بل يتعبره البعض من الوطنية.. ولكن يستثنى من ذلك النقد فريق الاتحاد.. فعليك أن تبدي كل الحزن والأسى لخسارة نادي الوطن، أما منتخب الوطن فله الله وهو يتلقّى النقد حسب ممثلي النادي من اللاعبين في ذلك المنتخب.

** إنّ استغلال الإعلام الاتحادي لمسمّى الوطن.. أصبح استغلالاً غير مقبول على الإطلاق.. فمن عادة ولاة الأمر - أطال الله بقاءهم - عون وعزوة لكل السعوديين بل لكل العرب والمسلمين والمجتمع الإنساني بأسره.. عندما يزورهم زائر في مناسبة.. يجاملونه.. على أساس الغرض من الزيارة.. فكم شاهدنا وسمعنا.. عن الوفود التي تمثل شمل القبائل والمناطق عندما تزور ولاة الأمر - حفظهم الله - لاستنكار الإرهاب مثلاً.. فيسبغ عليهم ولي الأمر الألقاب مشيداً بوطنيتهم وتمسكهم بمكتسبات الوطن.. فهم رجال الوطن..

** وعندما أسبغ خادم الحرمين الشريفين تفضله باستقبال فريق الاتحاد في مناسبة ماضية.. قال لهم من ضمن كلمات المجاملة بأنهم نادٍ من أندية الوطن فحوّرها الاتحاديون إلى أنّ ناديهم هو نادي الوطن الأوحد، بينما باقي الأندية السعودية هي أندية أوطان أخرى أو على الأقل أندية جاليات.. وهذا إقصاء خطير لبقية الأندية السعودية التي تصبح في هذه الحالة أندية غير وطنية أو تتسلّق على جدار الوطنية، بينما هي مرفوضة من قِبل الإعلام الاتحادي.. فلا نادي غير نادي الوطن.

** وحتى يتم الانتهاء من هذا الاستغلال السيئ والرخيص للمسمّى الوطني.. كانت بادرة تكريم الأندية وفق منظومة نظامية تتمثل في تحقيق فريق أي نادٍ سعودي ثلاث بطولات خارجية في ثلاثة ألعاب مختلفة.. عندها يكرم من مليك البلاد.. مع درع مذهب يؤكد المسمّى الملكي الكريم.. وقد حظي بها النادي الأهلي كأول نادٍ يحصل على لقب رسمي من خادم الحرمين الشريفين - أطال الله عمره - وحصل على مكرمة ملكية بتسميته لقب (سفير الوطن).. ويظهر أنّ الرسالة لم تصل إلى الإعلام الاتحادي.. بل زادوا في استخدام نادي الوطن وإقصاء الآخرين وتجريدهم من الانتماء الوطني وأخذ مداه مؤخراً.. وذلك قبل الخروج من البطولة الآسيوية بخفي حنين.. ثم تمحور الإقصاء نحو الشامتين بنادي الوطن رغم أني لم أجد شامتاً غير رئيس النادي الأسبق منصور البلوي والصحفي محمد البكيري اللذين أرادا الشماتة بالاتحاد كيداً بالسيد الدكتور المرزوقي.. وتأليب الرأي الاتحادي عليه.. حتى يظهر أنّ الإنجازات ليس لها غير (أبو ثامر).. بينما السيد مرزوقي هو من استطاع بدماثة أخلاقه من كسب الوسط الصحفي الرياضي لمسيرة الاتحاد في البطولة الآسيوية.

** كان محمد البكيري في برنامج جولة بعد المباراة مرتاحاً وبشوشاً.. وهو يلقي بذيول الهزيمة على الإدارة (قليلة الخبرة).. ثم أدخلوا أغنية (الأماكن) وبثوا صور أبي ثامر وهو يحمل كأس آسيا السابق.. وكأنهم يريدون أن يوحوا للجمهور أنه لا بطولات غير مع أبي ثامر.. وكل ذلك بأجره.. فأبو ثامر يعشق الظهور والفلاشات.. فما بالكم في من يعشق روايات ألف ليلة وليلة عندما يأتي كبطل منقذ يمتطي صهوة جواده في فيلم كرتوني موجّه للأطفال.

** وللعلم فبعد خسارة الهلال وعدم تأهله الآسيوي بخروجه من أم صلال كانت الشماتة صارخة في أبغض صورها.. ولا زالت.. مع أن كرة القدم فيها الفوز والخسارة.. وكنت قد تحدثت مع مسؤولي موقع (الجزيرة) الإلكتروني فأكدوا لي أنه وعقب انتهاء ضربات الترجيح وفوز أم صلال جاء إلى الموقع أكثر من سبعمائة تعليق شامت وفرحاً بخسارة الزعيم عقب المباراة مباشرة.. ومع ذلك كنت أعلم أن هؤلاء الشامتين من أنصار الأندية الأخرى ومنها النصر والاتحاد كأكثرية... ولم نتهم أحداً بغير الوطنية لتعبيره عن فرحته بخسارة الزعيم من أم صلال.

** فهذه هي كرة القدم في كل الفيافي والأمصار.. ففي مصر هناك عداء محكم بين الأهلاويين والزملكاويين.. وفي المغرب هناك تنافس محموم بين أنصار الرجاء والوداد.. وفي إسبانيا أيضاً هناك تنافس قوي بين برشلونة وريال مدريد وهكذا في بقية دول العالم.. يكون هناك تنافس محموم بين أنصار الفريقين المتنافسين خصوصاً إذا كانوا من مدينة واحدة.

** وكان حرياً بالإعلام الاتحادي أن يسمي ناديه بعميد الوطن.. وهكذا البقية الباقية مثل سفير الوطن.. وزعيم الوطن.. وفارس الوطن.. وقلعة الوطن.. فتكون مقبولة.. بل وتعبِّر عن وطنية صرفة وحقيقية.. بعيداً عن الأنانية وتمجيد الذات.. فلا يفعل ذلك إلا من به دونية لعينة.. ونقص واضح فاضح.. يحاول تغطيته بألقاب ما أنزل الله بها من سلطان.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد