Al Jazirah NewsPaper Monday  16/11/2009 G Issue 13563
الأثنين 28 ذو القعدة 1430   العدد  13563
بين قولين
فتح التحقيق
عبد الحفيظ الشمري

 

كَثُرت نغمات (فتح التحقيق) وتنوعت، وباتت تتوارد على هيئة تنصل من أي مسؤولية، وهروب من أي قضية، فكلما كشفت وسائل الإعلام أي خطأ طبي أو مخالفة تقنية أو مشكلة إدارية أو مالية سرعان ما يهب البعض بعدها نحو التهرب والتملص ليس بنغمة النفي المعتاد، أو النعيق بخطاب: لا صحة لما تردد (البتة) إنما باستجلاب بلسم الإدعاء بفتح التحقيق حينما لا يستطع الفرار من وجه الحقيقة، أو قلبها رئساً على عقب.

وأمر (فتح التحقيق) ورد كإرهاصات، أو نتائج أقاويل أهل الحروب الذين يكثرون الأخطاء في حق الأبرياء، والبيئة، ويوقعون الأذى في كل المخلوقات، فلا يملكون الشجاعة الكافية للاعتراف بما وقعوا فيه، إلا أنهم - حينما تحاصرهم الحقيقة - لا يتورعون عن الإدعاء ب(فتح تحقيق) ما في أي مصيبة، أو كارثة تحل، وكأن هذا التنصل والتهرب والكذب بات ثقافة ملموسة تمارس من اجل طمر الحقائق الفاجعة، وإخفاء معالم هذه الأخطاء الأليمة.

الأخطر من هذا وذاك ما نلحظه في المجال الطبي حينما يصبح (فتح التحقيق) هو المهرب لهؤلاء المقصرين في تقديم الخدمة المتكاملة والسليمة للمرضى لا سيما الذين هم تحت رحمة الأطباء، وفوق الأسرة يتلقون العلاج، فقد لا يجد المخطئ رادعاً، أما وإن حاصرته الشكاوي وجأر الناس بالحقيقة فقد لا تجد إدارته بداً من الفرار إلى هذا الإدعاء بفتح تحقيق إسكاتاً لصوت المطالبة والنداء بمحاسبة أي مقصر.

ويجاري فداحة هذه الأخطاء الطبية والإدارية في المنشآت الصحية أخطاء أخرى ربما تلك التي تتكشف فيها حقائق الأدوية المغشوشة التي لا نقول عنها إلا أنها مجرد سموم تظهر على هيئة علاج، فحينما يتم كشفها والسعي للإطاحة بمهندسيها ومدبري صفقاتها لا نجد سوى الوعود والإدعاء بأن الجهات المختصة ستفتح تحقيقاً في الأمر.

المال يتعرض عادة لقرصنة أو (اختلاس) مبرمج أو ممنهج إلا أنه في حالة كشف الضالعين في جريمتهم سرعان ما يجد الكثير منهم العون والسند، لا سيما حينما تهرع بعض الجهات للتأكيد على أنها ستفتح تحقيقاً بهذا الشأن، وكذلك الأخطاء التي ترتكب بحق مرتادي خدمات الأغذية والمواد الاستهلاكية التي يثبت ضررها، إذ لا يجد المتضرر سوى وعود قبض الريح بفتح التحقيق.

لكن الذي يصيب عين الحقيقة في هذا الأمر هو السؤال الحدسي، والظن القريب إلى اليقين: متى رأينا بأم أعيننا (غلق تحقيق) بإنجاز نافع ومفيد؛ يكشف الحقيقة، وينصف المتضرر، ويعيد الأمور إلى نصابها؟ ومتى نلمس بوعينا ألا تحايل على النظام من أجل غلق أي تحقيق؟ لا سيما حينما يتم تقييده للأسف ضد مجهول، أو الادعاء بعدم توفر الأدلة والقرائن.



Hrbda2000@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد