Al Jazirah NewsPaper Sunday  15/11/2009 G Issue 13562
الأحد 27 ذو القعدة 1430   العدد  13562
من أعلام المجمعة
حمد بن عبدالعزيز العريني

 

كانت الكتابة في الزمن الغابر من أهم المهن وأدقها في البلدان النجدية، فقد كان الذين يجيدون الكتابة قلة، لذلك كان للكاتب أهمية كبيرة، تلك الأهمية تسبقها صفات لا بد من توفرها في كل كاتب ذي قلم معتبر معتمد.. ويكني أهل نجد عن ذلك بقولهم: فلان يمشي قلمه.. أي أن كتابته معتمدة لا يتطرق إليها الشك أو التهمة.. ومن أهم تلك الصفات التي يجب أن تتوفر في الكاتب:

1- الأمانة في الكتابة والنقل، فكتابته تُعتبر صكاً شرعياً، يكون بها التملك والبيع والشراء وغيرها من الأمور، وعليها الاعتماد في الأحكام الشرعية.

2- إتقان الكتابة والدربة عليها حتى يعرف بإتقانها وقدرته عليها، فتصبح كتابته قد حازت على الحد الأدنى من القبول، من ناحية جودة الخط والأسلوب والتوثيق.. فمتى كانت كتابة الكاتب رديئة الخط ضعيفة الأسلوب ضعيفة التوثيق أصبحت غير مقبولة، وأصبح كاتبها غير مُعتبر من الكُتّاب.

3- معرفة الناس، فلا بد للكاتب من معرفة الناس معرفة تامة، فإنه في ذلك الزمان لا توجد إثباتات شخصية تعرّف بالشخص، لذلك كانت معرفة الكاتب للناس شرطاً أساسياً في كثير من الكتابات.

وهناك صفات أخرى لكنها لا تؤثر في صحة وقبول كتابة الكاتب مثل: حسن المعشر، وطيب النفس، وكرم الأخلاق..

ونحن بهذا التقديم ندلف إلى كاتب من أهم الكُتَّاب في بلدة المجمعة حمد بن عبد العزيز بن علي بن حمد بن راشد العريني.. حيث كان لأسرته حرص على طلب العلم وتحصيله، وقد وصلت إلينا إشارات متفرقة عمن برز منهم في طلب العلم، وأول من نعثر عليه من أجداده ممن طلب العلم: حمد بن راشد الذي أرسله الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود سنة 1191هـ معلماً لأهل اليمامة مع وفدهم الذي كان في الدرعية بزعامة البجادي ولكنه لم يطل به المقام حيث فر من عندهم خوفاً على نفسه بعد أن أظهروا العصيان(1)، فبعثه الإمام عبدالعزيز إلى سدير قاضياً(2)، فمكث به مدة من الزمن ولم نسمع له خبراً بعد ذلك.. وكان لجده حمد بن علي بن حمد نصيب في طلب العلم، فلما أدرك منه ما يؤهله للقضاء بعثه الإمام سعود الكبير قاضياً في الخرج(3)، فاستمر به قاضياً حتى زمن الإمام عبد الله بن سعود.. وكان عند حصار الدرعية من المدافعين عنها.. وبعد استسلام الإمام عبد الله أخذ الناس يرمي بعضهم بعضاً بالزور والبهتان(4)، وآخرون صاروا ينقلون ما يُقال في الخلوات إلى إبراهيم باشا وأعوانه، فأمر بقتل عدد من العلماء وطلبة العلم وغيرهم، وكان ممن أمر بقتله: الشيخ علي بن حمد، حيث وضعه في فم المدفع فطار جسمه أشلاء(5)، فكان من الشهداء - رحمه الله-.. وكان ذلك سنه1233هـ.. وكان أخوه عبد الله على رأس أهل سدير المدافعين عن الدرعية إبان حصارها ولعله مات في تلك الحرب الضروس، فكانت تلك الأسرة الكريمة ممن شملهم البلاء فنالوا نصيباً وافراً منه.

أما علي بن حمد بن راشد فقد عرفنا من أبنائه ناصر، الذي كان قاضياً على عمان أرسله الإمام فيصل بن تركي مع سرية مطلق المطيري سنه 1260هـ(6) ثم رجع إلى المجمعة وأصبح خطيباً لجامعها(6) ومات -رحمه الله- بها قبل سنه 1283هـ.. كما في ورقة فيها بيع ورثته لمك لهم(6).. وليس له عقب من الذكور، بل كان له ثلاث بنات هن: هيلة وموضي وطرفة.. وأمهن منيرة بنت عبد الله أبا العنيم، من أهل جلاجل(7).. وولده الآخر عبد العزيز بن علي بن حمد، وهو والد المترجم، نشأ وعاش في المجمعة، ويظهر لي أنه لم يكن مثل أهله، فلم أجد له كتابة أو ذكراً في الكتاب، وكان حياً في سنه 1283هـ حيث كان وكيلاً على بنات أخيه ناصر.. وكان لعلي بنت هي: هيا ورثت تعصيباً أخاها ناصر(8).. أما عبدالعزيز والد المترجم فنعرف من أبنائه: الشيخ حمد وابناً آخر اسمه محمد، توفي محمد شاباً في سفرة سافرها مع أخيه حمد، لعلها كانت لطلب الرزق، وليس له عقب.. بعد عودة الشيخ حمد من تلك السفرة المشئومة التي فقد فيها أخاه محمداً وجد أكثر أهله قد قضى عليهم الوباء، مما مهد لانقراض أسرتهم.

وليس لدينا تحديد للسنة التي ولد فيها، ولكن عند تتبع ما كتبه نجد أن بدايات كتاباته كانت في بداية العقد التاسع من القرن الثالث عشر (1280هـ)، ولا شك أنه لن تقبل كتابة شخص في أمور توثيقية ما لم يكن له من السن والتعقل ما يشفع له بذلك.. فإذا كان بدأ الكتابة وهو في أوائل العشرينيات من عمره فيكون مولده في حدود 1260هـ.. وقد تكشف الأيام أنه أقدم مولداً مما حددنا، وكان مولده في بلدة المجمعة التي استقر بها أبوه وعمه بعد أن قتل والدهم في الدرعية وخربت، فقدم أبوه وعمه وغيرهم من أفراد أسرتهم واستقروا ببلدة المجمعة، وتملكوا الأملاك، وغرسوا النخيل، وكانت فلاحتهم في مزرعة تُسمى نتفة في جو المجمعة.

وفي جو علمي يُقدِّر الكتابة وأهميتها نشأ المترجم، ودخل الكتّاب فحذق الكتابة والقراءة، وتعلم القرآن الكريم، وأخذ بأطراف من العلم أهّلته ليكون كاتباً يُشار له بالبنان.. ورحل رحلتين في شبابه لا نعلم كنههما وقد تكونان لطلب العلم أو البحث عن الرزق.. وكان في بلدته المجمعة في أوان الطلب عدد من العلماء والقضاة ممن يؤخذ عنهم العلم منهم: الشيخ: عبد العزيز بن عثمان بن عبد الجبار ت 1273هـ والشيخ عبد الرحمن بن حمد الثميري ت1277هـ، والشيخ عثمان بن علي بن عيسى ت 1285هـ والشيخ: إبراهيم بن محمد العتيقي ت 1315هـ، والشيخ : عبد العزيز بن صالح بن مرشد ت 1324هـ ولعل ما شاع في كتاباته من مصطلحات فقهية كانت نتائج دراسته على يد بعضهم.

وتعتبر الكتابة العمل الذي حفظ لنا اسمه، وهي لا توفر مصدراً للدخل المادي، بل فيها غرم من ناحية الورق الذي سيكتب عليه، فإن لم يكن مع صاحب الحاجة ورقة اضطر الكاتب أن يأخذ مما عنده، وكان الورق يعز ثمنه على الكثيرين.. كما يعطل الكاتب أعماله حين ينقطع عنها لكتابة ورقة أو انتظار شهود وغير ذلك، فلا بد للكاتب من عمل آخر يعتاش منه.. وكان لأهله بعض الأملاك الزراعية والأوقاف التي كان يحصل منها على بعض ما يعتاش به، إما بممارسة الزراعة أو إجارة تلك المزارع، فتدر عليه دخلاً يعينه على تدبر معيشته.. ولعله كان يجري عليه من بيت المال ما يساعده لقاء كتابته بين الناس وبين يدي قاضي البلد، فهو يقدم خدمه جليلة للناس، بل كان الكاتب يقوم مقام الأرشيف في هذا الزمن فكان يحفظ أوراق الناس وينسخها لهم وقد يودعها البعض عنده أيام سفره.. كما كان الشيخ حمد ينسخ الكتب لقاء أجر معلوم، وإن كان هذا العمل لم يمارسه بشكل ظاهر وملفت.. وكان الشيخ حمد إماماً لمسجد حويزة حتى وفاته، فكان يعود عليه شيء من ريع أوقافها.. ولما كانت الحياة بسيطة فقد كان يكفي القليل منها ليتدبر الإنسان معاشه.

استمر الشيخ حمد في الكتابة مدة طويلة تجاوزت ستين سنة، وهي مدة طويلة توازي عمر إنسان، كتب فيها كماً هائلاً من الوثائق، بل أكاد أجزم أنه لا يدانيه كاتب آخر من كُتاب المجمعة.. وسبب ذلك طول عمره وإقامته الطويلة في المجمعة وثقة الناس به، وحبه للخير وخدمة الناس، بشاشة وجهه، وسعة صدره، فلا ينفر منه الناس لكزازة في خلق أو تجهم يبديه لقاصديه.. ومن الطرائف أنه كتب وصية سليمان بن حمد العسكر في سنة 1284هـ ثم جددها خوفاً من التلف في سنة 1344هـ(9).

وعند الحديث عن سمات كتابته أقول: لكل كاتب سمات تميزه عن غيره من الكُتاب، فكثير من الوثائق التي سقط منها اسم الكاتب الناسخ يستدل أهل العلم بالوثائق بخط الكاتب وأسلوبه في الكتابة، وقد يكون ذلك الاستدلال ظنياً وقد يكون قطعياً حسب الخط والسمات التي تبرز من كاتب لكاتب لآخر.. ولكل كاتب أسلوب كتابي انفرد به أو بجزء منه.. وعند الاطلاع على كثير من الوثائق التي كتبها الشيخ حمد العريني في المراحل المختلفة من عمره المديد نستطيع أن نثبت شيئاً منها:

في كتاباته نفس فقهي، فيرد في كثير مما كتب عبارات فقهية مثل: معرفة المبيع معرفة تنفى الجهالة، وبعد لزوم البيع وانعقاده، لم يبق لها دعوى ولا طلبه، حقاً لازماً، بعد ثبوت الوكالة واستمرارها إلى حين العقد، لاشتماله على أركان البيع، وغيرها من الألفاظ.. ومرد ذلك دراسته لمبادئ الفقه فهو لم يتعمق فيصبح فقيهاً.

- يقل الخطأ الإملائي في كتاباته.. وهو إن كان مثله مثل غيره من الكتاب يسهل الهمزة(10) فيقلبها ياء في كتاباته كقوله: في برئت بريت، وفي خمسمائة خمسماية، وفي بئر بير.. إلا أن الخطأ الإملائي قليل الحدوث.. فهو مثلاً لا يحذف حروفاً من الكلمة، ولا يشبع الحركة ويكتبها حرفاً، ولا يجعل التاء المربوطة مفتوحة، ويثبت أل الشمسية.. وهي أخطاء شائعة في كتابات بعض الكُتّاب، وذلك يدل على إتقانه الكتابة والقراءة، واطلاعه وقراءته المتعددة.

- يهتم كثيراً بإيراد التاريخ يوماً وشهراً وسنة، فنادراً ما أغفل ذلك.. وهذا إحساس منه بأهمية التاريخ.. لأنه توثيق يزيد الوثيقة قيمة وثقة بما فيها.

- كثير من مدوناته فيها شهود، وغالباً ما يكونون اثنين.. والإشهاد أمر ضروري فهو إثبات على صدق الكاتب، ويحمي المدون أن لا يتطرق إلى ما كتبه شك أو ظنه.

- الخط جميل وهو خليط من خط النسخ والرقعة لذلك قل أن تجد في كتاباته كلمة لا تستطيع قراءتها، وهو أمر محمود لمن كتبت له الورقة ولمن تبقى له وللدارسين.

وليس للشيخ حمد عقب من الذكور، وكان له ثلاث بنات تزوجن وأنجبن فله أسباط من قبلهن، وبناته هن: سارة، تزوجت سليمان العسكر وأنجبت إبراهيم، وهيا، تزوجت حمد بن إبراهيم العبد الوهاب، وأنجبت له إبراهيم أول مدير للتعليم بمنطقة سدير، وموضي، تزوجت محمد بن عبد الله العسكر وأنجبت حمد بن محمد، وحصة زوجة عبد المحسن بن محمد العبد الوهاب ولم تنجب.. وأمهن حصة بنت حمد العقيل.. وكان له ابن اسمه عبد العزيز رُزق به في أواخر عمره من زوجة ثانية من أسرة الخيال، وتوفي الشيخ حمد وهو صغير، ومات بعد ذلك غريقاً، وقد بلغ عمره سبع سنين.. وكان ذلك في حدود عام 1348هـ.

ومن الغريب أننا نجد له كتابات في أواخر عام 1344هـ، بل في ذي الحجة من ذلك العام، وكان خطه في تلك المدونة واضحاً ومقروءاً، مما يدل على أنه كان سليم الحواس، غير مضطرب اليد، وقد أثر عنه أنه كان حاد البصر حتى وفاته.. ثم تختفي كتاباته بعد ذلك التاريخ حسب اطلاعي.. فهل ترك الكتابة بعد مرض ألمَّ به وأدناه من الموت، حتى عجز عن الكتابة؟ وكانت وفاته بين سنتي 1345هـ-1346هـ وعمره قد ناهز الخامسة والثمانين.

وأما آثاره فهي وثائق دونها، ولكن ما كان لديه من أوراق وكتب ومخطوطات خاصة به فقدت بعد وفاته، ويذكر الأستاذ الباحث: عبد الله بن حمد العسكر أن أهله انشغلوا بتجهيز جنازته ودفنها فنقب لص نقباً في جدار بيته دخل منه، وسطا على صندوق خشبي كان به كثير من أوراقه الخاصة وبعض الكتب والمخطوطات، وكان هذا اللص يظن أن به مالاً سيغنيه فإذا هي قراطيس لا تهمه، بل لعل الغيظ بلغ به مبلغاً جعله يتلفها، فضاع كثير مما يفتح آفاقاً واسعة في ترجمته وتراجم أهل بيته.

***

الإحالات:

1- المصدر السابق ج1 129، أحداث 1190هـ.

2- ذكره ابن بشر من قضاة الإمام عبد العزيز، ج1 364، أحداث 1218هـ.

3- المصدر السابق ج1 421، أحداث 1233هـ.

4- المصدر السابق ج1 421.

5- المصدر السابق ج1 421، تاريخ الفاخري 183.

6- المصدر السابق ج2 230، أحداث 1260هـ.

7- أوراق ورسائل من حياة الشيخ حمد العسكر، عبد الله بن حمد العسكر، ص 98 وص 103.

8- من وثيقة بخط الشيخ حمد مؤرخة في الثامن من محرم سنة 1283هـ.

9- أوراق ورسائل من حياة الشيخ حمد العسكر ص 31.

10- وهي لغة صحيحة وردت عن كثير من العرب انظر: إبدال الحروف في اللهجات العربية، للدكتور سلمان السحيمي ص 468.

من مصادر البحث

أولاً: مجموعة من الوثائق بخط الشيخ حمد العريني أولها مؤرخ في سنة 1282هـ وآخرها مؤرخ في أواخر سنة 1344هـ.

ثانياً: روايات شفهية عن الشيخ حمد وأسرته نقلها لي ابن سبطة الأستاذ: بدر بن إبراهيم العبد الوهاب.

إبراهيم الحقيل





 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد