ألّف الأستاذ فهد المارك كتابه: الأمير فهد بن سعد بن عبد الرحمن آل سعود ومعرفة ثلاثين عاماً. تحدث فيه عن الفقيد الأمير فهد بن سعد. وفي هذا الكتاب أوضح بأنه مواليد الرياض في 1332هـ، و شارك في موقعة السبلة تحت قيادة عمه الملك عبد العزيز، تولى قيادة الجناح الآخر من الجيش في القطاع الأوسط مع أخيه فيصل بن سعد في حرب اليمن عام 1352هـ.
|
وعهدت إليه إمارة منطقة عسير ثم إمارة حائل في عهد الملك فيصل، حيث كانت حائل في عهده مركزاً لجمع الزكاة تنطلق الحملة من حائل وإلى القصيم والجوف والقريات وتبوك والحدود الشمالية، وبعد وفاته صدر تنظيم جديد تتولى فيه وزارة المالية مسؤولية جباية الزكاة .. وافته المنية في 1392هـ.
|
يقول الشاعر سالم القويعي من حائل في رثائه: -
|
حائل بكت حزن على فقد غالي |
أميرها اللي ساعى له بالإصلاح |
الدمع منا كالهماليل سال |
مثل البرد من فوق الاوجان سفاح |
الشيب والشبان قروم العيال |
رجل الشجاعة عزمهم باد وانباح |
أما العذارى كن فيهن هبال |
كم خفرة غداله صياح نياح |
ما تسمع الا قول واعز تالى |
حضره وبدوه والذي كان فلاح |
والده الأمير سعد بن عبد الرحمن شقيق الملك عبد العزيز وعيْن الملك عبد العزيز التي يرى بها كثيراً من الأمور وسيف من سيوفه التي يقطع بها أوصال الشر والعدوان، وكان شُجاعاً من الفرسان الذين لم تعرف صهوات الجياد مثلهم وكان جريئاً في الحق لا يخشى في الله لومة لائم.
|
استشهد والده عام 1333هـ في معركة كنزان فاستبسل الأمير سعد في هذه المعركة وفي ظلمة الليل الدامي سقط الأمير سعد شهيداً وخر صريعاً من فوق حصانه الأبلق بإحدى الرصاصات المتطايرة وسقط إلى جانبه عدد من رفاقه الأوفياء منهم فيحان بن زريبان، وحمد بن عمير من آل نصار من أهل الرياض وعبد الرحمن بن سبعان من أهل الرياض وعبد الله الوعيل من أهل الرياض ومحمد الحمودي وعمر بن سريهيد وسرور الخبشى وسعد العبد العزيز من أتباع الأمير سعد.
|
وعندما استشهد الأمير سعد بكاه الملك عبد العزيز بحرقه.
|
عامل الملك عبد العزيز أبناء الأمير سعد (فيصل وفهد وسعود) مثل أبنائه ورعاهم واهتم بهم وبتربيتهم التربية الصالحة.
|
أما والدة الأمير فهد فهي سارة بنت عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ.
|
يقول المارك: عندما تولى الأمير فهد بن سعد - يرحمه الله - إمارة حائل جاء الفقيد إلى البلاد والظروف كلها مواتية لإبراز موهبته وكفاءته، فالمشاريع التي منها ما هو موضوع في ميزانية الدولة ولم ينقصه إلاّ التنفيذ، باشر الفقيد فوراً بتنفيذها والتي يجرى فيها البحث في وضعها في الميزانية وسعى بمختلف جهوده لدى المسؤولين حتى جعلها حقيقة واقعة، فالمواصلات التي تعتبر الشرايين لأية مدينة كانت هذه الناحية الحيوية وإن كان قد رصدت لها الدولة كل سنة قدراً وعينا إلا أن هذا الرصيد لم يأخذ مأخذ التنفيذ، حتى جاء الفقيد وسعى لتنفيذه وعهد بالقيام به إلى ثلاث شركات كلها تتنافس في تعبيد الطريق المؤدي من مدينة الرياض إلى مدينة حائل مروراً بالقصيم وإصلاح شوارع المدينة التي مرصود لها في الميزانية منذ سنين خلت.
|
ويقول المارك أيضا بأنّ الأمير فهد لم يترك بيتاً إلا دخله من بيوت أهل البلاد الذين تنافسوا على دعوته وإكرامه، ولم تمر فترة وأخرى أو يأتي من غيابه عن البلاد ولو كان غيابه قصير المدة، إلا ويذهب بنفسه للشيوخ المكفوفين من أهل البلاد، يتفقدهم واحداً واحدا،ً هذا بالنسبة للشيوخ الكبار السن الذين لهم من الوضع الاقتصادي ما يجعلهم في غنى عن الصدقة، أما الشيوخ المعوزون فإنه لم يكتف بالزيارة فيما إذا أدرك أنهم في حاجة، بل يمنحهم هبات مالية ويعدهم بأن هذه الهبة ستكون متصلة ومستمرة فيعيش الشيخ الهرم بسرور من تلك الهبة.
|
وكان بين فترة وأخرى يخرج في سيارته بنفسه كأنه خارج للنزهة بينما قصده من خروجه تفقّد فقراء أهل بلاده، فحالما تقع عيناه على فقير ينزل هو بنفسه ويضع بيده القدر الذي لم يحلم به ذلك الفقير.
|
ويضيف المارك قائلاً: تتدفق إنسانية الفقيد وتتفجّر عاطفته وتتجلّى رحمته عندما يرى المعوزين من بني وطنه، فتجده لا يكتفي بأن يجعل هبته لهم عن طريق الواسطة بل تجده يناولهم إياها بيده، كما شاهد ذلك الأخ عبد الرحمن بن حمد بن حسن آل الشيخ الذي روى لي الحادثة التالية:
|
يقول الأخ عبد الرحمن إنه عندما زار الفقيد في حائل وخرج معه في سيارته للنزهة كان الفقيد كلما مر بأناس يتوقع أنهم بحاجة إلى سخائه نزل بنفسه وسلم على مواطنيه ثم أغدق عليهم من المال ما في يده، ويمضي ابن الشيخ فيقول: إنني عندما قلت له لماذا لا تُريح نفسك من النزول والركوب في السيارة وتسلم الشيء الذي تريد أن تهبه لمواطنيك المحتاجين لمرافقك، فكان جواب النبيل لابن الشيخ قوله إن مرافقي من نفس أهل هذه البلاد وأخشى إذا تركته يهب كيف يشاء يميل بعاطفته مع قسم من ذويه الأقربين وإن لم يكونوا بحاجة ماسة كحاجة سواهم البعيدين عنه من نفس أهل البلاد.
|
يقول المارك: وإذا كنت لا أستطيع الإحاطة بكل ما قام به الفقيد من الأعمال ذات النفع الشامل لمواطنيه، فإنه لمن دواعي غبطتي أن أورد ما استطعت الحصول عليه أو ما أتيحت لي الفرصة بالإلمام به بادئاً بذكر جزء يسير من الأعمال الإنسانية التي أنجزها الفقيد وهي أعمال خالدة ستشهد له مدى الدهر أشير إليها على الوجه التالي:
|
جاء الفقيد من باريس إلى بيروت بعد مدة قضاها لعلاج مرض ألمّ به وذلك في سنة 1372هـ وقد كنت أيامها في دمشق فذهبت إليه فألقيته يتدفق حيوية وأريحية، متهيئاً بأن يجد أي سبيل من سبل الخير ليقوم به لم يكن في تلك الفترة جالية سعودية في بيروت من المرضى أو من المعوزين ولا من المصطافين ممن يجد فيهم النبيل مجالاً يهبهم من ما أريحيته الدافقة وفي إحدى زياراتي له ألقى إلى سؤالاً فهمت من مضمون سؤاله هذا أنه يرغب بأن يمنح هبه مالية لمواطني بلاده، عندما سألني الفقيد كنت أعاني قلقاً نفسياً بعدم قدرتي على نجدة وصيانة كرامة عدد من يتامى وأرامل وعجزة وشيوخ الجالية السعودية، أولئك الذين كان آباؤهم يهاجرون إلى سوريا وغيرها في طلب العيش عندما كانت بلادنا قاحلة مجدبة والحروب الأهلية فيها قائمة على قدم وساق قبل أن يوحد الجزيرة المغفور له الملك عبد العزيز.
|
كنت واثقاً كل الثقة التي لا حدود لها أن الفقيد إذا عرف هؤلاء الأعلاق الشديد الفقير المدقع اللذين يعانيهما أبناء بلاده فإنه لن يتأخر لحظة واحدة عن نجدتهم وعطفه عليهم ورحمته بهم رحمه الله رحمه واسعة.
|
حينما طلب مني الفقيد بأن أقدر له المال الكافي الذي تجود به أريحته هبة منه لإخوانه المواطنين السالف ذكرهم، قلت للفقيد إن هبته هذه ستبقى سنة حسنة يقتدي بها كل زائر سعودي من الأمراء أومن أفراد الشعب الأثرياء، وسوف يكون لك فضل السبق في غرسك البذرة الأولى للمشروع الذي هو عبارة عن فتح دار في دمشق تلم الفتيات السعوديات وتصون عفتهن وتستر أعراضهن، كما تلم شمل اليتامى والعجزة والأرامل الثكالى من بني الوطن، قلت للفقيد إذا زاد أحدهم عليك زيادة مضاعفة بالعشرات أو بالألوف فإن الأجر والثواب وخلود الذكر في الدنيا والآخرة، سيكون لمن سنّ السنة الحسنه وغرس نواة هذا المشروع الذي هو أنت، ما إن وصل الفقيد الرياض حتى وردت برقية منه تتضمن إخباري بأنه حول مبلغ سبعة آلاف ليرة لبنانية بعد أن وضع الفقيد الحجر الأساس لتلك الخلية الإنسانية انهالت التبرعات انهيالاً مرضياً وذلك بفضل الله ثم البذرة الأولى التي غرسها الفقيد.
|
أن الذين يعيشون في هذه المؤسسة موفر لهم الكساء والغذاء والسكن والتعليم والعناية الصحية.
|
غفر الله الفقيد وأسكنه فسيح جناته.
|
متعب صالح الفرزان - العمارية |
|