Al Jazirah NewsPaper Sunday  15/11/2009 G Issue 13562
الأحد 27 ذو القعدة 1430   العدد  13562
كيف تضمن الجهات الخيرية استمرار دعم رجال الأعمال؟
ممدوح بن محمد الحوشان

 

إن استمرار ثقة المتبرعين في نزاهة القطاع الخيري الداخلي وبالتالي ضمان تدفق تبرعاتهم للأنشطة الخيرية المشروعة في الداخل هدف استراتيجي يحتاج إلى مجهود جبار من قبل مجلس إدارات الجمعيات الخيرية، وفي تقديري أن من أهم القناعات الفكرية التي ينبغي الاستناد إليها في مخاطبة

رجالات الأعمال هو إطلاعهم على كافة المؤشرات التي تثبت أن العمل الخيري السعودي في الداخل يمر اليوم في أفضل حالاته من الناحية التنظيمية والتمويلية، فقد تضاعفت أعداد الجمعيات الخيرية المصرحة خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، وتعددت مجالات واختصاصات الجمعيات الخيرية التعاونية إذ خرجت من إطار الصدقات المادية المباشرة إلى نطاقات أوسع في التطبيب والتدريب والتوظيف، وتسلمت دفة القيادة في القطاعات الخيرية شخصيات اجتماعية مرموقة، ولم تعد إدارة العمل الإنساني حكرا على الفئات (المتدينة من الناحية الشكلية) بل صرنا نرى الكفاءات القادرة والمؤهلة هي التي تولى على العمل ما دامت تجمع بين المهارة والأمانة (أيا كان هديها الظاهر) وفي هذا إشارة ضمنية إلى تحسن معايير اختيار القياديين من قبل المخططين والممولين للجمعيات الخيرية السعودية، كما أن الأطر المنظمة للشؤون المالية لهذه الجهات قد خضعت للتطوير والتدقيق بما يحقق الثقة والدقة في ضبط الإيرادات والمصروفات ويقضي على الثغرات التي قد تسمح لبعض ضعاف النفوس في العبث بأموال المتبرعين لا سمح الله.

وثقة مؤسسات الدولة الأمنية والاجتماعية والثقافية بالجمعيات الخيرية هي من أبرز نقاط القوة التي تملكها الجمعيات الخيرية وينبغي أن تستثمرها بذكاء في خطابها الإعلامي فقافلة العمل الخيري السعودي في الداخل سائرة ولم تتوقف بفضل الله رغم الرياح العاتية التي هبت قبل ثماني سنوات إلا أن الجهات الخيرية العاملة داخلياً واصلت مسيرتها بسبب أشكال الدعم والثقة التي نالتها من القيادة السياسية في البلاد التي ترى بحكم موقعها في رأس السلطة عظم الحاجة لجهود المؤسسات الخيرية في المجالات الاجتماعية والصحية والدعوية.

كما أن المسؤولين في وزارة الشؤون الاجتماعية بات لديهم اليوم أكثر من أي وقت مضى آليات المتابعة الدقيقة التي تضمن بإذن الله عدم انحراف الجمعية من مسار ترخيصها ونوعية نشاطها المصرح لها بالعمل فيه، ويدرك المتابعون للقطاع الخيري كيف تفطنت الوزارة لبعض الاجتهادات في بعض الجمعيات الخيرية فبادرت الجهات المختصة بوزارة الشؤون الاجتماعية على الفور إلى تصحيح المسار ومحاسبة المقصرين.. وأرى أن حماية السمعة الحسنة لمعظم الجمعيات الخيرية تستوجب من الجهات الرقابية دراسة النظر في إشهار أسماء الجهات والجمعيات والمؤسسات الخيرية التي تورطت -عمدا أو تهاونا- في بعض الأعمال المشبوهة وأن تعلن للشعب السعودي عن ملابسات الأخطاء التي وقعت وحجم تأثيرها على عمل هذه المؤسسات أو تلك، مع إعطاء المتلقين تصورا متوازنا عن نسبة الخطأ القليلة المبني على اجتهاد أو إهمال مقرونة بنسبة الصواب لدى هذه الجهات الخيرية.

وحتى تحافظ الجهات الخيرية على العلاقة الحسنة مع رجال الأعمال فإنها مطالبة في تقديري ببذل مزيد من الجهد والتنظيم والتقويم خاصة فيما يتعلق ببرامجها ومشاريعها الاجتماعية بعيداً عن التكرار والتزاحم على مجالات ضيقة مع مراعاة الابتكار والتجديد في ذلك كله، كما أنها مدعوة للسعي والبحث عن الحالات الأكثر احتياجا وبؤسا في المدن البعيدة النائية والتخطيط لحملات وبرامج وقتية لتحقيق هدف ما في زمن محدد كأن تتبنى أحد المؤسسات مثلا حملة مكثفة لتشييد مساجد دائمة في الأحياء الفقيرة خلال عامين.

أعتقد أيضا أن توسيع دائرة الجمعيات المتخصصة في مجال معين (تربية الأيتام -رعاية مرضى السرطان- رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة- صيانة أجهزة كهربائية للأسر المحتاجة - رعاية أسر المساجين - الأرامل) مع التنسيق المتكامل بينها والربط الحاسوبي فيما بينها سيلبي الرغبات الداخلية الكامنة في نفوس رجال الأعمال تجاه دعم مشاريع معينة. ويكفي هنا أن نتذكر أن رجل الأعمال المعروف المهندس ناصر الرشيد قد تكفل بتشييد ثاني أكبر مستشفى متخصص في علاج الأطفال المصابين بالسرطان في العالم بتكلفة 400 مليون ريال لأنه اضطر لمعالجة فلذة كبده من هذا المرض في أمريكا لعدم وجود مشاف مماثلة في العالم فقرر من باب الشكر العملي لله سبحانه وتعالى على تشافي ابنه أن يؤسس هذا المشروع في الرياض لعلاج أطفال المسلمين.

والجهات الخيرية بحاجة إلى حصر الشخصيات والإدارات المخولة -داخل المؤسسة الخيرية الواحدة - بالتواصل مع رجال الأعمال حتى تقضي على الازدواجية والارتجالية التي تحدث في بعض الأحيان عندما يتلقى المتبرع عدة طلبات لدعم مشاريع مختلفة من جهة واحدة مما يشعره بضعف الإدارة داخل هذه المؤسسة وعدم وضوح الأولويات لدى قياداتها الأمر الذي قد يدفعه للإحجام عن تقديم الدعم كما أن هذا الحصر يساعد على إقامة الدورات المتخصصة للشرائح المتعاملة مع رجال الأعمال ويضمن تطوير وسائل عرض المشروعات على المتبرعين.

وأظن أن الجهات مطالبة بتحديث وتنويع آليات مد جسور التواصل مع رجال الأعمال في كافة المراحل التي يمر بها النشاط الخيري الذي قام بدعم من هذا المتبرع أو ذاك وأن لا تتعامل مع رجل الأعمال على أنه ممول مادي فحسب بل لا بد من إشراكه في إبداء الرأي والمشورة حيال مراحل المشروع ووضع الخطط والآليات المنظمة لأعماله وأن يسهم -إن رغب- في اختيار العناصر القيادية المنفذة للمشروع.

وحتى تتعمق رسالة الجهات الخيرية في الداخل وتزول ظنون بعض المحسنين إزاء (الوضع القانوني للمتطوعين العاملين في الجهات الخيرية) فإن إدارة الجمعيات الخيرية بوزارة الشؤون الاجتماعية مطالبة بالتواصل مع جهات الاختصاص لوضع اللوائح المنظمة للعمل التطوعي داخل هذه الجمعيات، فضبابية البنية القانونية التي تضبط حقوق المتطوع وتنظم صلته بالجمعية الخيرية ينبغي العمل على إزالتها، وعلاقة المتطوع بالجمعية الخيرية خاضعة من حيث الأجر والصلاحيات والحقوق والواجبات لاجتهاد مجالس الإدارات على حسب خبرتها واحتياجها ومجال عملها.. وإذا كانت بعض الجمعيات لطبيعة اختصاصها لا تحتاج لدعم المتطوعين (الجمعيات الطبية مثلا..) فإن معظم الجمعيات تحتاج خاصة في المواسم لمضاعفة أعداد التنفيذيين المباشرين للعمل، والواقع الميداني يؤكد وجود التعاون حالياً إلا أنه غير نظامي بدرجة كافية كما أنه يتم وفق مبدأ الاحتساب (وهذا مقبول فيما لو كان ثمة إطار رسمي بانضمام هذا المتطوع للعمل لساعات محددة حتى يستفيد من هذا الإطار في عمله الرسمي مستقبلاً).

إن الدعم المالي من رجالات الأعمال ووجهاء المجتمع العمود الفقري لأنشطة الجهات الخيرية، وكان وما زال النشاط الخيري مرتبطا وجودا وعدما.. تأثيراً وتأثراً بحجم التبرعات والأوقاف التي يتفضل بها المحسنون على القطاعات الخيرية المختلفة.

وعلى الرغم من ضخامة أرقام التبرعات النقدية والعينية الكبيرة التي نقرأها عن دعم رجال الأعمال للمشاريع الخيرية والصحية والاجتماعية والتي تعبر عن أصالة معدن هؤلاء الرجال الكرام إلا أن ما لم يعلن عنه من أعمالهم الخيرية يظل في حالات كثيرة أكبر من المعلن للملأ ولكنهم -أي رجال الأعمال- أثروا إخفاءه عن الأعين رغبة في أن يكون العمل أقرب للإخلاص وكل من له صلة بالعمل الخيري لديه العديد من الشواهد التي تدلل على صحة هذا القول..

وأحسب أن مدارسة الخطوات السابقة من قبل أهل الاختصاص سيسهم في تمتين علاقة رجال الأعمال- المعروفين والمغمورين- بالجهات الخيرية ويدعم تواصلهم الدائم مع برامجها وأنشطتها المختلفة ويجعلهم على صلة وثيقة بالعمل الخيري ومؤسساته المختلفة.



Mhshan2000@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد