(شلهوب)
شلهوب: لقب عائلي، عُرف به الشيخ محمد بن صالح (شلهوب) وأسرته، وهو من أبرز الشخصيات التاريخية ومن أقدم من عمل مع الملك عبدالعزيز، أيام السلم والحرب.. ولا يكاد يعرف بغير هذا اللقب. و(شلهوب) مأخوذ من (الشلهبة)، وتعني حرارة الشمس. قال صاحب متن اللغة: (الشلهبة) كلمة دخيلة معربة.
و(آل شلهوب) من أسر الرياض العريقة المعروفة، نشأ عدد من أفرادها في بلدة منفوحة (واحة جنوبي الرياض) يفصلها عنها قديماً سلسلة من التلال، أما اليوم فقد أصبحت بلدة منفوحة جزءاً من أشهر أحياء جنوبي مدينة الرياض.
كانت عائلة (آل شلهوب) تعرف ب(الزبارا) أو(آل الزبيري) وهي فرع من (آل شلهوب)، من الأسر التي نزحت إلى الدرعية إبان قيام الدولة السعودية الأولى. وقد أشار ابن غنام في تاريخه إلى رسالة للشيخ محمد بن عبدالوهاب موجهة إلى تلميذه أحمد بن محمد بن سويلم، وإلى الأمير ثنيان بن سعود، أخي الإمام محمد بن سعود، يشير فيها إلى أنه يطلب رسالة ابن شلهوب كي يعرضها على عالم التحق بتأييد الدعوة للتو ليقرأها.
ولا تشير المصادر إلى علاقة (آل شلهوب) بالبيت السعودي آنذاك، إلا أننا نجد البعض من هذه الأسرة، ومن بينهم صالح بن شلهوب، والد (شلهوب) معدود في كبار رجال الإمام فيصل بن تركي وقواده في السرايا إبان عهد الدولة السعودية الثانية؛ فقد ذكر المؤرخان ابن عيسى، في كتابه (عقد الدرر) وابن عبيد في كتابه (تذكرة أولي النهى والعرفان) أنه في عام 1278هـ(1862) أصدر الإمام فيصل أمراً إلى صالح بن شلهوب، أحد قواده، بالذهاب في سرية إلى عنيزة، لكي ينضم إلى قوة كان قد سيرها من قبل.. كما ذُكر أن الإمام فيصل بن تركي كان قد عيّن صالح بن شلهوب أميراً على بريدة، بدلاً من أميرها السابق (عبدالرحمن بن إبراهيم) وقبل تعيين أحمد السديري.
ولم تخل المصادر من ذكر لهذه الشخصية، حتى في عهد الإمام عبدالله بن فيصل؛ فقد كان صالح ضمن من حضر وقعة أم العصافير، التي كانت بين الإمام عبدالله بن فيصل وابن رشيد عام 1301هـ (1884م). وقد استشهد فيها مع عدد من الرجال من بينهم: تركي بن عبدالله ابن الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود وحمد بن عياف بن مقرن وفهد بن غشيان وفهد ابن سويلم وفهد بن صالح وفهد بن سلطان، وغيرهم.. وكلهم من رجالات الإمام فيصل، وابنه عبدالله من أهل الرياض، وصالح بن شلهوب هذا هو والد (شلهوب) كما هو معروف.
ومن يتأمل تاريخ الأسر في أدوار الدولة السعودية يجد ما يشبه التوارث لأمجاد القيادات فيما بينها، يتوارثها الأبناء عن الآباء.. فأسرة (آل عفيصان) وأسرة (آل معيقل) وأسرة (آل المعشوق) وأسرة (آل الظفيري) وأسرة (آل شلهوب) خير مثال على ذلك.
كان مولد محمد بن صالح (شلهوب) قبل عام 1290هـ (1873م) بسنتين أو ثلاث على ما يرجح.. فهو إذن أسن من الملك عبدالعزيز. ولد في الرياض، وكان عندما يتحدث عن نفسه يقول إنه أدرك حكم الإمام عبدالله بن فيصل، وشهده ذات يوم وهو يستعرض الأطفال الأيتام من أبناء الشهداء، ويتفقد أحوالهم، مؤكداً أنه كان من بينهم.
وبعد أن بلغ (شلهوب) مبلغ الرجال، وأصبح في عمر يقارب السابعة عشرة أو الثامنة عشرة، ترك الرياض ومعه جماعة من أقرانه؛ للالتحاق بإمارة حائل في عهد حاكمها (محمد بن عبدالله بن رشيد) في الوقت العصيب الذي أدرك فيه الإمام عبدالرحمن، آخر حكام الدولة السعودية الثانية، ضعف موقفه العسكري بعد معركة (المليداء) عام 1308هـ (1891م).. فخرج الإمام عبدالرحمن بأسرته وبما يملك، بحثاً عن مكان يكون أكثر أمناً بعد حكم قصير تسلمه إثر انشقاق لا يد له فيه. وقد بذل في تلك الفترة القصيرة كل ما أمكنه، ودافع وقاتل قدر طاقته، ثم نفض يده مقتنعاً بأن الظروف أكبر من الرجال.
في تلك الأثناء ترك (شلهوب) كما أشرنا بلدته الرياض متوجهاً إلى حائل، مع ثلة من أترابه؛ فعمل أول ما عمل في متجر خاص، ثم التحق بإمارة حائل؛ ليعمل في شتى الأعمال التي انتهت به رئيساً لجباية الأموال في بلدان (الخرج وما حولها).
ومن المعلوم أن علاقة أمراء آل رشيد بحكام الدولة السعودية في البدء كانت علاقة طيبة؛ بل إن آل رشيد كانوا أمراء في بلادهم لآل سعود! وظل الأمر هكذا إلى أن دخل الأمير محمد بن عبدالله بن رشيد الرياض، واستولى عليها باسم المساعدة في حل الخلافات التي جرت بين آل سعود أنفسهم.
ومن هنا بدأ الصراع بين البيتين، بيت آل سعود الذي كان له السيادة والأولية، وبيت آل رشيد الذي كانت أوائله تدين بالولاء للبيت السعودي.. ثم طاب لأولئك الحُكْم بعد فراغ مركز الإمارة.. مما جعل الخلاف يستمر حتى أنهاه الملك عبدالعزيز باسترداد الرياض وتولي الحُكْم وإنهاء إمارة البيت الرشيدي؛ لذا فإن غياب البيت السعودي عن الحكم وعن الساحة جعل كثيراً من الأفراد يلتحقون بركاب الحكم الجديد في العاصمة الجديدة.
وبعد استيلاء الملك عبدالعزيز على الرياض، واستقرار حكمها له، عاد من عاد من أسرة (آل الشيخ) وأسر وأفراد آخرون من بينهم: محمد بن صالح (شلهوب)، موضوع بحثنا هذا، وعبدالرحمن بن مطرف، وغيرهما.. بل إن جماعة من البيت الرشيدي نفسه قد التحقت بقافلة البيت السعودي بعد عودته إلى الحكم.. تم ذلك في إطار الأخلاق الفروسية والتقاليد العربية المرعية، التي عظم فيها الجفاء، لكن لم يتسرب فيها الحقد إلى النفوس.
عاد محمد بن صالح (شلهوب) إلى الرياض، فكان إلى جانب عبدالعزيز مع كوكبة أخرى من فرسان العارض ورجالها، قدمت من كل مكان من: عمان والبحرين والبصرة. فكان عددهم أكثر من ألف وستمائة رجل، بقيادة مساعد بن سويلم، أحد أفراد العوائل المشهورة في الرياض، ذكر ذلك محمد بن عبدالله آل الشيخ في مذكراته.
وأذكر أن والدي (الذي كانت له صلة قوية وقرابة بالشيخ محمد بن صالح شلهوب) سأله عن عمره عندما ذهب إلى حائل، وكان ذلك اللقاء في دار شلهوب الجديدة، التي شيدها في الوسيطاء.. فأجاب شلهوب: كان ذلك في عهد الأمير محمد بن عبدالله بن رشيد، وكان عمري بين السابعة عشرة، والثامنة عشرة. فعليه يكون عمره، يرحمه الله، عندما قدم إلى الرياض في آخر عام 1320هـ (1902م) ثلاثين عاماً. وكان حينها شاباً قوي البنية، فارساً مفتول العضد، فانصهر في بوتقة عبدالعزيز، وعاش في مناخه، مدركاً الدور الذي هيأه له ذكاؤه الحاد، وتعلقه بنهج قائده، فعاش في انسجام معه، وصحبه أمداً طويلاً أيام الحرب والسلم.. وعُمّرَ أكثر من قرن، فقد ولد قبل مولد الملك عبدالعزيز كما أسلفنا، وعاش بعد وفاته ردحاً من الزمن.
ولا صحة لما أشار إليه محمد المانع في كتابه (توحيد المملكة العربية السعودية) ص 360 من أن محمد بن صالح (شلهوب) كان من بين من صحبوا الملك عبدالعزيز حين دخوله (الرياض).. وذلك لما أشرنا إليه سابقاً، وإلى ما صرّح به (شلهوب) نفسه، في مقابلة أجريت معه في التلفزيون السعودي قبل وفاته عام 1389هـ.
وفي أوليات حكم الملك عبدالعزيز لمح في (شلهوب) الخبرات التي اكتسبها واستفادها من نزوحه، وذكائه الفطري، وشخصيته وإخلاصه؛ ما جعله أهلاً لأن يُسند إليه كثير من المسؤوليات.. فعبدالعزيز يعرف فضائل أتباعه، كما يعرف أخطاءهم؛ لأن حدسه لا يخطئ في اختيار الرجال؛ ولذلك شد وثاق هذا الرجل إلى نفسه.. ففي حياة عبدالعزيز ورجاله ومضات كثيرة لم تأخذ حقها بعد من الدراسة.
ظل (شلهوب) وفياً لبلاده.. عاش ومات دون أن يتحدث بزهو أو منّة عن ذكريات حياته الوارفة التي ظلت مطبوعة في ذهنه.. والتي لم أكن في حاجة إلى دليل أو مرشد ليأخذ بيدي لأكتب عنها.
فعندما نكتب عن تاريخ رجل أو تاريخ أمة، فلا ينبغي أن نكتب عن التفاصيل، أو الأخطاء الصغيرة، بقدر ما ينبغي أن نكتب عن النتائج والمنجزات، وعن النجاح والفشل، بصرف النظر عن وسائل الأداء.. فكتابة التاريخ ليست محاكمة، بقدر ما هي تقييم للعمل.
وعلى ضوء ما أثبتته دراسة تاريخ الشخصيات التاريخية لاحظ المؤرخون أن كثيراً من العظماء والقادة أهلتهم لمواقفهم مواهب قيادية موروثة، وثقافات تختلف عن ثقافة المدرسة، مما يكتسبه الفرد بالحس والبداهة وسعة الإدراك، حين يتعايش مع المسؤوليات، ومع الآخرين.. ثقافة لا تغني عنها ثقافة الحرف والكلمة، ولا معارف المعاجم في إدارة شؤون الحُكْم وممارسة السلطة.
ف(شلهوب) الرجل البسيط في تعامله، العظيم في منجزاته يُجمع من عرفه أنه قد حظي بما يمكن أن يتفتق عنه الذهن من عبقرية. وقد تمكَّن ذلك الرجل من المضي في أعماله الخالدة، تحت قيادة عظيم، حمل أتباعه على مجاراته في التساهل والتسامح، إلى جانب الحزم والقوة.
الساعد القوي
عندما قرر المؤسس أن يحول مشروعه الوحدوي من الدفاع إلى الهجوم، إثر استقرار الأوضاع في منطقة العارض وجنوبها وغربها، أدرك أن ذلك يحتم عليه استرداد المناطق الشمالية، التي تحت يد خصمه ابن رشيد؛ فبقاؤها يمثل خطراً عليه، فسدير والوشم، هما صلة الوصل بين مركز حكمه وبين أرض لا بد له أن يستعيدها.. فهي مصدر الثروات الزراعية، والتجارة الصحراوية، وأرضها ترتبط بمراكز المدن وأطراف الجزيرة.
لذلك قرر الملك عبدالعزيز الانتقال خطوة خطوة إلى الشمال، فأحس الخصم بتصاعد قوة عبدالعزيز، فأقام ابن رشيد لأول مرة مراكز دفاع في إقليم السر جنوبي القصيم، ومراكز أخرى داخله، وبدّل أفكاره وقناعاته عن الملك عبدالعزيز.. والتجأ إلى السلطان العثماني ليمده بالجيش والعتاد، فما كان من عبدالعزيز إلا أن سلك في خططه الحربية تكتيكاً استفاده بالخبرة التاريخية والتراثية. كان يقوم بالهجوم بدل الدفاع؛ ما أجبر عدوه على التحول للدفاع. واختار أن تكون جبهته الأولى في القتال من جنده المخلصين الأمناء من أهل العارض، بادية وحاضرة، الذين يرون أن مصيرهم مرتبط بمصيره، وكانوا، كما قيل، أشد صبراً، وأقوى تحملاً من غيرهم. وقد تولى قيادتهم بنفسه في مواجهة الخصم. كما جعل الجبهات الأخرى في مواجهة الخصم من أهل الأرض نفسها وممن التحق من القبائل، وأسند القيادة إلى قواد من أسرته وأبناء عمومته. وجرت أشرس المعارك والمواجهات منذ عام 1321هـ حتى 1325هـ (1904م - 1907م).
وفي هذا السياق نقف بكل إجلال واحترام لرجال الملك عبدالعزيز الأوفياء، الذين آزروه وناصروه في مشروعه العظيم، ومن بينهم الشخص الذي نحن بصدد الحديث عنه، وهو الشيخ محمد بن صالح (شلهوب)، أحد السواعد القوية لتلك المسيرة، وأمينه على شؤونه المدنية والعسكرية، في تلك الفترة؛ حيث كان في تلك الساحات على رأس الإمدادات والتموينات والاتصالات مع صفوة من مساعديه الأشداء، متنقلاً بين الرياض والقصيم، وتزوَّج من بعض عوائلها المشهورة؛ إذ اقترن بزوجات كريمات من أسر بريدة العريقة من (آل شريدة) و(آل مشيقح) وقارب (آل السولو) وغيرهم. وذلك بعد أن استقر الأمر في بريدة وتوابعها، تحت راية الملك عبدالعزيز،
عام 1326هـ (1908م)؛ حيث كان (شلهوب) في ذلك الوقت مصاحباً للملك عبدالعزيز، وهو ينهي إمارة آل أبي الخيل في بريدة، وقد صحبه في الوقت الذي فتحت فيه البلدة أبوابها، من قبل أنصار عبدالعزيز، فحاصر أمير بريدة، ومن معه، حتى استسلم، وتم ترحيله خارج البلاد. وعين الملك عبدالعزيز بدلاً منه، أحمد بن محمد السديري.
ومن يقرأ المخاطبات والمراسلات التي جرت بين الملك عبدالعزيز و(شلهوب) ونشرت في كتاب (وثائق الملك عبدالعزيز) الصادر عام 1410هـ (1990م) للدكتور عبدالرحمن السبيت وزملائه.. يدرك من تلك الخطابات أن (شلهوب) كان يتردد بين الرياض والقصيم والكويت، ويتنقل منذ أن استقر الوضع في بريدة عام 1326هـ (1908م)، مكلفا بالتجهيزات العسكرية، وشراء المواد التموينية، والاتصال بشخصيات كبيرة، وتأمين الحاجيات اللازمة لمعسكرات عبدالعزيز.. كل ذلك تضمنته تلك الوثائق المنشورة.
كما ذكر الشيخ إبراهيم النشمي، في مذكراته المنشورة في كتاب (رجال وذكريات مع عبدالعزيز)، أنه كان أحد تجار السلاح في المدينة المنورة والخليج والكويت، قبل انضمام الحجاز إلى أجزاء المملكة، وكان يتعامل مع (شلهوب) بأمر من الملك عبدالعزيز للحصول على الأسلحة والذخائر، حيث كان (شلهوب) مكلفاً بتلك المهمات في ذلك الوقت.
الخادم الأمين
كانت عملية استعادة الأحساء ضربة معلم، وهي وإن كانت عملية إنقاذ، إلا أنها ضربة للسياسة البريطانية، ولأجهزتها ومخابراتها في شبه الجزيرة العربية. فالمعروف أن منطقة الأحساء كانت جزءاً من ممالك آل سعود عندما توفي الإمام فيصل.. لكن النزاع الذي ثار بين ولديه (عبدالله وسعود) أفقدهما إياها.
وبعد أن استقر حكم الملك عبدالعزيز في نجد، وجه رسالة للقنصل البريطاني في البصرة، يقول فيها: إن والده الإمام عبدالرحمن كان قد ائتمن الدولة العثمانية على إقليم الأحساء خلال السنوات الثلاث والأربعين الماضية؛ بهدف تحسين الأوضاع في الإقليم، لكن الأمور سارت في الإقليم من سيئ إلى أسوأ؛ ما اضطره لاسترداد الأمانة، وهو موال للسلطان العثماني، إلا إذا حاولت حكومة السلطان مقاومة الاسترداد.
و كان عبدالعزيز قد اختار الوقت المناسب لاستعادة الأحساء.. حينذاك أرسل قافلة تجارية دخلت الهفوف، وتظاهر أصحابها بأنهم مهتمون بشراء المؤن والأغذية. وكان في تلك القافلة (شلهوب) الخادم الأمين للملك عبدالعزيز، الذي كلفه بالوقوف على الوضع العام في المنطقة والتحري ما أمكنه عن الوضع العسكري والأمني في الأحساء عامة، وفي مدينة الهفوف خاصة. كما كلفه بالوقوف على التحصينات ومراكز الحامية العسكرية.. وغير ذلك.
وبعد رجوع (شلهوب) إلى الملك عبدالعزيز في معسكره في الصحراء، وضع بين يديه معلومات كافية عن الأحساء وأوضاعها؛ لذلك تحرك
عبدالعزيز من معسكره في مياه الخفس، بعد استكمال الترتيبات. وعندما قرب من الأحساء استدعى كبار رجاله، وأخبرهم بأنه مهاجم الأحساء، وسيقوم بمن معه من الحضر بالهجوم على قلعة الكوت وقصورها.
وعند وصوله إلى (الرقيقة) (من ضواحي الأحساء) أبقى فيها أربعمائة من رجاله وخيله ومؤنه، بقيادة أخيه الأمير محمد بن عبدالرحمن، لحماية الأفراد المتقدمين نحو القلعة برئاسته. ووصل إلى الكوت ليلاً في الشهر الخامس من عام 1331هـ(1913م) ومعه إخوته: محمد، وسعد، وعبدالله وابن عمه عبدالله بن جلوي وعبدالعزيز بن مساعد وعبدالعزيز ابن عبدالله بن تركي، وفيصل الحمود الرشيد ومحمد ابن الشيخ (الصحابي) ومحمد بن عبدالله آل الشيخ وصالح بن سبعان وعبدالله بن نفيسة (عمعوم) وعبدالله بن حلوان وحمود البقعاوي. وكان ذلك بالاتفاق مع رجال داخل الأحساء من آل سويلم، وإبراهيم القصيبي، وإبراهيم بن غنيم وغيرهم.
فأرسل الملك عبدالعزيز إلى أحمد نديم، متصرف الأحساء الموجود في القلعة، طالباً إليه تسليم المنطقة بشكل سلمي يضمن له الخروج سالماً دون أسلحته وعتاده، فوافق المتصرف، فبعث له الملك عبدالعزيز على الفور (شلهوب) ومعه بعض الرجال، وشخصاً يتقن اللغة التركية، فذهب الجميع إلى قصر إبراهيم الذي تحصن فيه المتصرف أحمد نديم. وتسلم (شلهوب) ورجاله الأسلحة والعتاد!!
رجل الشيوخ الأول
بعد أن استقرت الأوضاع في سلطنة عبدالعزيز، مع بداية النشأة وتوحيد نجد، وانضمام الأحساء، أصبحت وسائل النقل البطيئة تنطلق من وسط الجزيرة إلى الأحساء والعقير، لتلتقي بالسفن البحرية، وتنقل أحمالها من السكر والأرز والنفط إلى الداخل، كما تنقل التمر الوفير من الأحساء، وتعود بالصوف والجلود والسمن إلى ما وراء الخليج.
وفي تلك الفترة زار البلاد عدد من الساسة والرحالة من أنحاء العالم، ومن بينهم (باركلي راونكير) و(جيرالد ليتشمان) و(وليم شكسبير) و(بول هاريسون) و(هاملتون) و(فيلبي) و(أمين الريحاني) والطبيب (ديم).
كانت زيارة أولئك تأتي لأغراض مختلفة، لكنها تتم بمعرفة من
عبدالعزيز، وفي ذلك الوقت كان شلهوب المكلف بإيوائهم، وإعداد الضيافة لهم، وتأمين راحتهم وتحركاتهم، واستقبال طلباتهم، والإجابة عن استفساراتهم حول سفرهم وإقامتهم.. وقبيل رحيلهم كان شلهوب يعد الهدايا والملابس، ويتكفل بترحيلهم وتجهيزاتهم.
قال عنه الريحاني: إنه وزير التموين والمالية، وهو المسؤول عن البيوت والخيل والإبل والمؤن والعبيد، فهو رجل الشيوخ الأول.. إن فيه عذابا وإخلاصا، ومخوّل بمهمات متعددة، فهو يتولى التوزيع العام والمال، ليس في طريقته محاباة لأحد أو تفضيل. يتحدث ولا يمكن أن تحصل منه على معلومات تخص أسرار عمله ومخازنه.. قال ذلك؛ لأنه لم يعرف شيئاً عن رجال الملك عبدالعزيز، ولا عن قدرتهم على التكتم عن كل شيء، ولاسيما ما يخص أمنهم.. وشلهوب يعرف عن طريق قائده مدى حرص أولئك القادمين على التعرُّف عن كل شيء: عن الأسلحة والمعدات العسكرية، فلما سأله الريحاني يوماً عن أحد المخازن المليئة بالأسلحة، لم يُمَكّنه من التعرُّف عليها، بل اكتفى بقوله: إنها أسلحة غنمناها، ولا أعلم عنها شيئاً.
(يتبع)