الفساد عكس الصلاح وانتشار الفساد في أي مجتمع يبدأ صغيرا وينمو رويدا رويدا حتى يسود ويتحول إلى صانع قيم ومبادئ جديدة تؤدي في النهاية إلى مرض هذا المجتمع وتبعثره وتشتته...
والواقع أنه لا يكاد يخلو مجتمع في هذه الأرض من بعض ملامح الفساد كطبيعة حتمية لوجود الصلاح لكن نسبته وتناسبه بالتأكيد تختلف بين مجتمع وآخر وتتضافر جهود المجتمعات في محاربته أينما وجد حتى في مجتمعات الجريمة والإرهاب، والحق أن وجوده في مجتمع ما لا يعيب أو يقلل من قيمة هذا المجتمع ولكن مواجهته وطرق مواجهته وأساليبها وجدواها هي التي يمكن من خلالها الحكم بقيمة هذا المجتمع حضاريا وأخلاقيا، وإذا كان فضل الله سبحانه وتعالى كبيرا على أمّة الإسلام بالرسالة المحمدية والوحي الكريم إلا أن الجغرافية الأرضية وبما تحتويه من تنافس وأطماع وصراعات قد عملت عملها بتماسك التاريخ وتسلسله حتى فعلت به فعل المبراة بالقلم من خلال الطرق في حلقاته حتى تراخى تواصله وتماسكه كأمر طبيعي لسنّة الله في كونه.
والأمر كذلك فإن من المفيد الإقرار والاعتراف بوجود فساد فلسنا مجتمعا ملائكيا ولا مجتمعا مثاليا، كما أن الفساد لدينا إن وجد فليس إلا طبيعة منطقية لعمليات تنموية واسعة وشاملة ومتتالية على مر العقود الماضية والتي نقلت بلادنا وبسرعة هائلة من حالة متخلفة حتى عن كثير من بعض الأقطار العربية إلى وطن متقدم في كثير من المجالات على المحيط العربي والإقليمي وما كانت عملية البناء ممكنة دون ضجيج وغبار لكنه ضجيج وغبار البناء والتنمية والعمل.
إن أخطر أنواع الفساد هو الفساد العقدي لاشك ومن خلاله تظهر أنواع عديدة من الفساد الإداري والمالي والقضائي والى آخره... ثم يأتي الفساد الأخلاقي وهو يبدو أمرا حتميا إزاء ثورات العلم والتقنية وتشابك المجتمعات الأممية على هذه الأرض ومن هذه البؤرة تنتشر أنواع كثيرة من الفساد وهذا ما يحتم مواجهة هذا النتاج بأنظمة وقيود تراقب وتحاسب، وكلما كانت هذه الأطر الرقابية والمحاسبية ناشطة وفعالة كانت السيطرة على الفساد أقوى وأمضى في تحجيمه وتقليصه.
ومن بين أنواع الفساد فساد الحس والذوق وهذا ربما هو الداء الذي لا يتوفر له دواء في أكبر المصحات ومخازن الأدوية فلا الأنظمة تفيد في هذا ولا قيود ولا ضوابط وإنما هو تفاعل بين أفراد المجتمع يرتقي بارتقاء وعيه وينزل وينخفض بتدنيه وتشكله وتتداخل في تكوينه عوامل كثيرة ومتنوعة لها أول وليس لها آخر فالعلم والتعليم والإعلام والوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي وحتى الفيسلوجي ليست إلا بعض العناوين وبالتالي فإن عملية مواجهة هذا النوع من الفساد صعبة وصعبة جدا لأنها مناطة بالأفراد ذاتهم ورقيبها وحسيبها الأفراد ذاتهم وبدؤها بمواجهة النفس أولا ...
Hassa-alyemni@hotmail.com