Al Jazirah NewsPaper Saturday  14/11/2009 G Issue 13561
السبت 26 ذو القعدة 1430   العدد  13561
في صبح الأعشى
د. إبراهيم بن عبد الرحمن التركي

 

لعلها من أسوأ المواد، ولا أحسبنا من أسوأ الطلاب، لكنها كانت مملّة ونمطية وبلا لون ولا ذائقة؛ فمعلمو (التعبير) كما موضوعاتها دوائر دون مدار، والمهم تسويد أسطر عن الأماني والمواسم والرحلات، وحفظ تعابير معلّبة نبتدئ منها ونختتم بها، تماماً، كما رسائل الأقارب المملوءة بجمل متشابهة لا يتغيّر فيها سوى التواريخ والأسماء.

** كذا كنا، وكذا لم نتجاوز؛ حين امتدت الحكاية لأحفاد (القلقشندي) الذين اعتادوا التكرار؛ فملوا وأملوا، وفيما يتعلّم طلبتنا النظرية الهندسية التي تنص على أنّ (الخط المستقيم بين نقطتين هو الأقصر)، تؤكد وقائع الطرح (الإنشائي) أنّ الطرق الدائرية هي الأفضل، ولا جدل؛ بعدما بات لهذه الطرق حظوة في المرور الميسر؛ لا فرق في ذلك بين مرور مركبة أو فكرة أو مقال أو كتاب؛ فثقافتنا تؤصّل لبلاغة (الالتفاف)، تفادياً لعوائق السير على الأرض أو الورق؛ ولم تعد (البلاغة الإيجاز) إلاّ إذا مس ذلك هموم الحقيقة المفقودة؛ فالصمت، هنا، هو اللغة السائدة.

** مفارقات استطعنا تحويلها إلى علامات فارقة صدرناها فتصدّرت بعض السياسات الدولية؛ لعل أقربها معلقة القدرة النووية (الفارسية) التي استطالت ومالت، وكنا نستطيع تجاهل الأمر لو سلكنا الطريق المستقيم، وبنينا (القوة النووية العربية)؛ فلا نخاف ولا نشقى، والأمر ذاته مع (يهود)؛ إذ نجيد لعن الظلام ونعجز عن إيقاد شمعة - كما يقولون - .

** جناية (التعبير) امتدت إلى مواد أخرى تفنّن معلموها في عدّ الصفحات دون اهتمام بالمحتويات، ويلجأ طلبة الجامعات إلى الإفاضة في أوراق إجابة مادة (الثقافة الإسلامية)، وهي من مواد إبراء الذمة في الجامعات، مثلما فعل التعليم العام باستحداث (التربية الوطنية)، وما أسوأ (الحواشي) حين تزاحم المتون، وما أبأس أن يعشى الأصل فتقوده الملحقات.

** رحم الله شهاب الدين أبا العباس؛ فقد جاوز كتابه (صبح الأعشى) آلاف الصفحات في بضعة عشر مجلداً، أخذ من وقته عدّة سنوات، ولأننا تلاميذ نجب؛ فقد دفعتنا (صناعة الإنشا) إلى السّير الوئيد في الممشى، غير عابئين بما يخطط له (كسرى) ويقوده قيصر، وأحاط بنا الحصار الفارسي والرومي، وما نزال نرتحل في أمنيات التعبير العتيدة، وأغنيات الصمود العنيدة، وباتت كتاباتنا استنساخاً لبعضنا؛ فما إن تهب ريح حتى نتحوّل إلى أعاصير كلام.

** نريد اختبارات لا اختيارات، ومختصرات لا مطولات، وحقائق لا أمنيات، ونبحث في وجوه أطفالنا عن غد لا يسيره كلام في كلام، ونتفحص في دواخل الآباء والأمهات عن ثقة لا يعتريها خوف، واطمئنان يعززه العمل والإيمان.

** المنهج مخرج.



Ibrturkia@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد