Al Jazirah NewsPaper Saturday  14/11/2009 G Issue 13561
السبت 26 ذو القعدة 1430   العدد  13561
إيران التي نتمنى..!!
د. محمد أبو بكر حميد

 

لم تستثمر إيران الحماس والتأييد الذي قوبلت به ثورتها الإسلامية سنة 1979م في العالم العربي والإسلامي، كان من الممكن لهذه الثورة أن تكون أهم حدث إيجابي في تاريخ الإسلام والمسلمين في القرن العشرين. لكن هذه الثورة لم تلبث أن كشفت عن وجهها

..المذهبي المتعصب، بل عن وجه آخر عنصري فارسي يستتر وراء هذا الوجه المذهبي. وفي الوقت الذي بدأت فيه إيران بمواجهة مع الغرب، وتحتاج فيه إلى نصرة المسلمين جميعاً ووقوفهم معها، كانت سياستها تجاه العرب والمسلمين سياسة مذهبية لا إسلامية، إذ بدأت بقصر دعمها على الأقليات التي تدين بمذهبها، وسيرت حملات في معظم بلاد العالم العربي والإسلامي لنشر مذهبها وكأنها تبشر بدين جديد، وكأن الذين يدينون بمذاهب الإسلام الأخرى ليسوا بمسلمين!

وبهذا الدعم الإيراني والتعبئة الفكرية للذين يدينون بمذهبها في العالم العربي والإسلامي صنعت مشاحنات سياسية ومماحكات مذهبية، وصنعت ولاءات لها من مواطني شعوب أخرى، وأصبحت تؤدي دوراً شبيهاً بالدور الذي كانت تؤديه موسكو في زمن الاتحاد السوفييتي بتأييد الخلايا الشيوعية في بلاد العالم، وتأليبها على معتقدات أوطانها، ودعمها مادياً للاستيلاء على السلطة وحكم أوطانها بالحديد والنار لتحقيق الشيوعية العالمية.

لا شك أن الفرق كبير، فإيران مسلمة، وتعتقد أنها بما تعمل تنصر الإسلام، ولكنها خسرت عندما اعتقدت أن الإسلام لا ينتصر إلا بنصرة المذهب الذي تدين به!

كان بإمكان إيران أن تكسب تأييد العرب والمسلمين في العالم بلا استثناء لو اعتبرت نفسها دولة إسلامية تحتضن كل المسلمين وتؤيد قضاياهم وتنصرهم على عدوهم دون النظر إلى مذاهبهم. لو لم تصر على تسمية الخليج العربي بالفارسي وأطلقت عليه الخليج الإسلامي مثلاً لارتفعت فوق النصرة العنصرية، لو لم تنازع أخواتها المسلمات العربيات في الخليج على قطع صغيرة من اليابسة وتكاد تشن لأجل ذلك حرباً، لو لم تعمل على تكدير صفو الحج وهو مؤتمر إسلامي لكل المسلمين بشعارات طائفية وسياسية أكثر من مرة، لو لم تقدم شروطاً مذهبية لدعم الحركات الإسلامية والوطنية في العالم العربي والإسلامي، لو لم تزرع لنفسها أحزاباً مذهبية في الأوطان العربية تدين لها بالولاء المذهبي والسياسي مقابل الدعم المادي الذي تستعلي به هذه الأحزاب والجماعات على بقية مواطنيها من أصحاب المذاهب الأخرى وعلى حكوماتها.

لو وفرت جهدها وأرسلت بعثاتها ودعاتها وأموالها لنشر الإسلام بين غير المسلمين بدلاً من إرسالهم إلى الأوطان الإسلامية الأخرى للتبشير بمذهبها، والتمكين له فكرياً وسياسياً في تلك البلاد مما يزعزع الأمن والاستقرار ويخلق معارك ومشاحنات طائفية مستمرة كما هو الحال في لبنان على وجه الخصوص.

لو وفرت الجهد والمال والسلاح لصناعة طائفية موالية لها مذهبية لم يكن لها وجود في اليمن من قبل، وأشعلت بسببها حرباً تراق فيها دماء مسلحة زكية، ويموت فيها عشرات الأبرياء، وتزيد من تأجيجها لتطال جارا مسلما حكيما ومسالما لا يحب الاستفزاز ويكتفي بالتي هي أحسن.

لو صدقت إيران مرة مع الشعارات التي ترفعها.. (الموت لإسرائيل.. الموت لأمريكا) بدلاً من أن تزرع الموت للطوائف التي تختلف معها مذهبياً وهم جميعاً مسلمون!!

أتباع مذهبها في معظم البلاد العربية مواطنون يتمتعون بكامل حقوق المواطنة ولم تحدث منهم أو معهم أي مشكلة مذهبية قبل ظهور الثورة الإيرانية واليوم أصبح دورها التحريش بين المسلمين بدلاً من الاتجاه لعدو المسلمين!!

لهذا يتساءل الناس في العالم الإسلامي: هل تريد إيران امتلاك السلام النووي للدفاع عن الإسلام والمسلمين ضد إسرائيل والغرب المؤيد لها أم لإخضاع جيرانها العرب المسلمين والتمكين لمذهبها بينهم؟!

بإمكان إيران أن تكون كبيرة وزعيمة إسلامية على قدر تاريخها وحجمها ومكانتها لو ترفعت عن متابعة الصغائر المذهبية، واحتضنت عالمها الإسلامي كله، وأظهرت التسامح وصدق الإخاء في الدين الذي يتسع للجميع لكسب محبة العرب واحترامهم وستستطيع بعون الله وتأييده أن تكون عاملاً أساسياً من عوامل الاستقرار في المنطقة ومن عوامل الوحدة والتآلف في العالم الإسلامي.. تلك الوحدة الإسلامية في الرأي والهدف التي تؤدي إلى استعادة القدس وقيام دولة فلسطين، ونصرة الإسلام بالمشاركة الفعالة الصادقة في القضاء على الإرهاب وإحلال السلام والأمن والإخاء بين الشعوب الإسلامية وشعوب العالم أجمع..

فهل ستصحو إيران يوماً على هذا الحلم وتسعى لتحقيقه؟!

هذا ما يتمناه كل مسلم يعي حقيقة رسالة الإسلام دين التسامح والإنسانية والسلام.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد