هذه رسالة جاءتني عبر البريد الإلكتروني من أخي الطبيب محمد يقول فيها (أتذكر في المرة الأخيرة حينما كنا في نقاش أخوي في الاستراحة حول عدد الأبناء،
والمفاضلة بين الكم والكيف، فقلبت فكري أتأمل المسألة، ووقعتُ في بعض قراءاتي على مفهوم عجيب له صلة بذات الموضوع. وجدتُ حديثاً صحيحاً في صحيح الجامع للألباني، يقول النبي الكريم: (الولد مبخلة ٌ، مجبنة، مجهلة، محزنة) أي أنّ وجود الولد وبالتالي كثرتهم تعيق حركة الوالد فتدفعه للشح عن الصدقة لخوفه على أبنائه، ويدفعه للتقهقر عن الجهاد لتعلّقه بهم، وكذلك تعوقه عن طلب العلم، فيجتمع مع كثرة الأبناء البخل والجبن والجهل. ثم تأمّلت في مفارقة بين المجتمع الغربي والمجتمع الإفريقي، فوجدتُ تلازماً بين كثرة الأبناء والجهل والفقر والمرض وتدنِّي الحضارة الإنسانية، بينما هو العكس تماماً في المجتمع الغربي!، ولو تأمّلت أيضاً لوجدت انكباب العالم الغربي على العمل التطوعي والصرف غير العادي على عمليات التبشير والتنصير، لتصل أرقام مساهمات الناس هناك أرقاماً لا تقارن بتبرعات العالم الإسلامي مجتمعاً؛ مع أننا نملك في أدبيات ثقافتنا الدينية الحث على الصدقة والتطوّع ولكن الأرقام خير دليل، وعدد الجمعيات التطوعية في الغرب خير شاهد. ومن الظلم حصر ذلك كنتيجة لقلّة ولدهم وكثرة ولدنا، ولكنه يظل سبباً قوياً صارخاً!).
وأقول معلقاً: إنّ مجتمعاتنا العربية تحب كثرة الإنجاب والمفاخرة بأعداد الأولاد والبنات؛ وذلك انطلاقاً من النصوص التي تحث على هذا الأمر، فجميعنا يعرف حديث الرسول عليه الصلاة والسلام (تكاثروا فإني مفاخر بكم الأمم)؛ ولأنّ كثرة الولد ترمز إلى القوة والعزوة. أما الآن فقد تغيّرت الأحوال واختلفت الظروف وتعقّدت أمور الحياة وكثرت المصاعب في تربية الأولاد وتعليمهم وعلاجهم وازدادت متطلّباتهم واحتياجاتهم؛ ومن هنا فإنّ هناك أسئلةً لا بد من طرحها في هذا الموضوع، وهي: ما حال الأب الذي يعول أسرةً تتكوّن من عشرة أبناء وراتبه أقل من المتوسط؟ وهل رصد علماء الاجتماع هذه الظاهرة لاقتراح الحلول المناسبة لها؟ وهل من المناسب إقامة حملات توعوية لتلك الفئة من المجتمع لتوضيح قضية كثرة الإنجاب مع عدم القدرة على النفقة والتربية؟.
إننا نتفق جميعاً أنّ هناك أسراً قادرة على الإنفاق ورعاية الأولاد والبنات مهما كان عددهم وعددهن، ولكن تبقى فئة من المجتمع تحتاج إلى تأمّل ونظر، ألا وهي الفئة الفقيرة التي تعاني من عدم القدرة على تلبية متطلّبات الأسرة بشكل يحقق السعادة والنماء؛ ومن هنا فإنهم لا بد أن يدركوا أنّ التكاثر يفترض أن يكون تكاثراً يقوم على صلاح الأبناء والبنات، ويقود إلى قوتهم تعليمياً وتربوياً واجتماعياً. إنّ تنظيم الأمر في مسألة الإنجاب في الوقت الحالي يُعَد - من وجهة نظري - أمراً ضرورياً لكي يستطيع ربّ الأسرة توفير الحياة السعيدة والقوية له ولزوجه وأبنائه ؛ مما يجعلهم يستغنون عن مد أيديهم للآخرين لطلب المساعدة، ولعلّ من المناسب تكثيف الحملات التوعوية لإبراز الجوانب الإيجابية والسلبية المنعكسة على الأولاد والبنات في مرحلة الطفولة خاصةً. وأعتقد بأنّ من أهم الحلول هو نشر الثقافة حول هذا الأمر، والتركيز على تعليم الأبناء والاهتمام بهم، ليصبحوا في مستقبلهم أفراداً صالحين مشاركين في بناء مجتمعاتهم وأوطانهم، بدل أن يكونوا عالةً على غيرهم غير قادرين على دخول معترك الحياة القاسية.
وأخيراً، فإني أعرف سلفاً بأنّ الكتابة في مثل هذا الموضوع وحوله سيجر الكاتب إلى الدخول في تأويلات المعارضين وقدح المخالفين، فهل يسلم ظهري من قسوة السوط الاجتماعي؟!