كل شيء ممكن في هذه الدنيا، وكل شيء ربما يحدث في زماننا أو زمان من سيأتي بعدنا كما حدث في قرون مضت، لكنها سنة الحياة التي سنها الله لخلقه فسارت عليها الأمم، وتتابعت الأحداث، وظل الإنسان هو الإنسان يحمل كثيراً من القيم والأخلاق التي ورثها جيل بعد جيل.
|
لقد عاش إنسان الغابة يأكل من العشب، ثم ما لبث أن تعلم أكل اللحوم بعد أن اصطلت بعض الحيوانات بالنار الناتجة من تلامس البرق مع بعض بقايا الأعشاب والأشجار اليابسة، فاستساغ طعم الشواء فأكل مأكلاً شهياً، ثم تعلم إيقاد النار من خلال احتكاك حجرين أملسين ليجهز اللحم متى ما أراد.
|
ثم ما لبث أن تعلم الزراعة على ضفاف الأنهار ليعرف الاستقرار، وتكوين المجتمعات وتعلم الاستفادة من الحيوانات في النقل والري والدراسة، ثم أضاف آلات الحراثة.
|
استمر على هذه الحال قروناً طويلة لم يستطع خلالها التقدم بما يكفي بالرغم مما حوته الطبيعة التي خلقها وأنشأها وصورها وأحكم قوانينها البارئ عز وجل من نفائس ثمينة يمكن الاستفادة منها في الحياة المعيشية.
|
وفي القرون الثلاثة الأخيرة تفتقت عقول البشر لا سيما في أوروبا وأمريكا عن محدثات كانت غرائب وأحاجي فيما مضى، ولم تكن تلك العقول المتفتقة سوى عقول إنسانية استفادت من قواعد ونظريات ساهم فيها الشرق والمسلمون وغير المسلمين في العالم أجمع، غير أن أوروبا وأمريكا استطاعت تسخير تلك النظريات والأفكار العالمية لبناء قواعد عملية صار نتاجها حديد يسير ويطير، ويقفز، وينقل، ويدمر ويبرئ بإذن الله، وغير ذلك كثير.
|
استمر هذا الإنسان الأوروبي والأمريكي يستفيد من القوانين الطبيعية والمعادلات الكيميائية في الصناعة والتقدم العلمي الذي أسس بعض قواعده المسلمون في الوقت الذي بقي فيه الآخرون ينظرون ويجادلون في أمور غربها كشرقها وشرقها كغربها، وأسفلها مثل أعلاها وأعلاها مثل أسفلها، لكنه المتعة بالتلاعب باللفظ والاستئناس بالإبداع في القول، والنتيجة لا تغير من الواقع شيئاً، جدل نظري لا طائل من ورائه، يسير كالسراب لا يبل ريقاً، ولا يسقي ظمآن، وينقل لنا التاريخ أحد أبناء خلفاء بني أمية الأندلسيين الذي اشتغل بالكيمياء لكنه لم يطق الاستمرار في هذا العلم الرائع فقال:
|
شغلت بالكيمياء دهري فلم أفِدْ غير كل خُسْرِ
|
إتعاب فكرٍ، خداع عقلٍ فساد مالٍ، ضياع عمرِ
|
هذا هو رأيه في الكيمياء كما هو رأي أقرانه، لذا بقي في لهوه، كما هو حال أخيه المطرف الذي كان محباً للقياس سماعاً للموسيقى ضارباً للعود ضرباً حسناً، ومنها ضربه على العود وهو يقول:
|
أشهى من الكأس حامل الكأس |
رعاه ما طاف حول جلاس |
يثقل من أجله الجليس ولو |
كان من النسك آمن الناس |
هكذا كانت النظرة البحتة والتجارب الحقلية والمعملية، ولهذا تقدم غيرنا وبقينا.
|
وفي تقدم مذهل أصبح الإنسان قادراً في السنوات الأخيرة على معرفة كل ما يريد والاستفادة منه إذا ما أراد، وأصبح بإمكانه اللحاق بغيره، والوثوب إلى العلياء، ومحاكاة المنتجين والمبدعين، لكن عليه ألا يكون مثل ذلك الذي عاف الكيمياء وربما الفيزياء والأحياء، لينتقل إلى الشعر الجميل والقول الفصيح ويكتفي بهذا دون ذلك.
|
هناك من كان متأخراً فتقدم في سنوات محدودة جداً ولم يحتج معها إلى قرون بل عقود مثل الصين وماليزيا وكوريا الجنوبية. إنها إرادة بشر، وانضباط وإخلاص في العمل، وثقافة إنتاج وحياة، وهي متاحة لجميع البشر القادرين الراغبين للوصول إلى حياة كريمة، وعيش رغيد، وأمن اقتصادي وعسكري.
|
هذا التقدم المذهل في التقنية كان نصيب العالم الثالث منه يدور حول الصفر، فبربكم ما هي مساهمات هذه الشعوب في هذا التقدم، فهل رأيتم تلفازاً يحمل علامة تجارية من عالمنا الثالث أو جوالاً أو سيارة أو طيارة، وغيرها كثير.
|
أتمنى أن يمتد بي العمر لأرى حتى ولو مطعماً عالمياً له علامة تجارية من عالمنا لنأكل فيه كما نأكل في (ماكدونالدز)، و(كنتاكي)، أو نحتسي في قهوة عالمية مثل (بولو)، أو نلعق (ايسكريماً) مثل (باسكن روبنز) نأكله ونحتسيه ونلعقه في دول العالم المختلفة وليس في بلادنا فقط.
|
نحن ننتظر إلى منتجاً من التمور عالمياً، أو (كليجا) عالمية، أو حتى كبسة عالمية، وحتى ذلك الحين علينا أن نسمر في أكل (الهامبرجر) في الداخل والخارج.
|
|