من يبحث ويقرأ سيجد أن الأصل في الإسلام هو المساواة بين الرجل والمرأة في كثير من الأشياء، وأي عوامل تقتضي التفريق بينهما رجلاً أو امرأة - وهي حالات استثنائية - فإنها تتطلب دليلاً شرعياً، ولحكمة اقتضى الشارع وجودها، ولا يمكن التعلُّق بها وجعلها مُسلَّمة لمجرد أنها توافق هوى في نفس تريد للجناح الآخر في المجتمع أن يظل مكسوراً لا يقوى على الطيران؛ غيرةً أو حسداً أو قد يكون - وهذا الشائع - تقاليد بالية ما أنزل الله بها من سلطان، ترسخت مع طغيان تيار ما يسمونه خطأً بالصحوة مقابل استسلام المجتمع لهم دون أي بوادر تشير إلى رغبة في التغيير أو الوقوف بوجه هؤلاء الذين يريدون لنصف المجتمع أن يظل معطلاً.
والإسلام منح المرأة أهلية الانتماء والمشاركة بالبيعة والشورى؛ فقد بايعت أم عمارة (نسيبة بنت كعب المازنية) وأسماء بنت عمرو الأسلمية (أم منيع) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على وجوب النصرة والذود عن رسول الله حتى يبلغ أمره، وأنزل الله في بيعة النساء آيات قرآنية تُتلى إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها.
ولنا في أسماء بنت أبي بكر واحداً من الأمثلة التي تؤكد دور المرأة الضروري في المجتمع، وخديجة رضي الله عنها أول من دخل الإسلام ووقفت عوناً لرسولنا الكريم، وعائشة رضي الله عنها كأول فقيهة في الإسلام، وأيضا أول امرأة تخوض الحياة السياسية؛ ما يعطينا التأكيد على أن العمل السياسي لم يُحظر على المرأة إلا بسبب أعراف وتقاليد ليست في أصل الإسلام، وكذلك لا ننسى سمية أم الصحابي الجليل عمار بن ياسر كأول شهيدة في الإسلام، ولنا أيضاً في العالمة الجليلة فاطمة بنت الحسين بن علي وقد اعتمد روايتها ابن هشام في تدوين السيرة النبوية وابن إسحاق أيضاً، والسيدة نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن علي وحضورها مجلس الإمام مالك في المدينة وإقامتها مجلساً خاصاً بها بمصر يحضره أشهر العلماء ومنهم الإمام الشافعي، وزينب بنت عباس البغدادية التي كانت تحضر مجالس شيخ الإسلام ابن تيمية، ولا أدري رغم كل هذه الحقائق ما زلنا نبتكر مصطلحات غريبة مثل (الاختلاط)، وها هي السيرة النبوية وسيرة الصحابة والتابعين واضحة وضوح الشمس بأن تلك المجتمعات كانت مختلطة تتشارك فيها النساء مع الرجال جنباً إلى جنب.
ومن هنا لا بد ونحن في هذا العصر الرقمي أن نشير إلى أننا لازلنا نمضي عكس التيار، غاضين الطرف عن دور المرأة المهم في المجتمع وضرورة مشاركتها الرجل بناء المجتمع، وعلى وجه الخصوص لا بد لها أن تشارك في تأطير ما يخصها من خلال إيجاد بيئة تشريعية وقضائية عادلة تؤطر لعملها في شتى الميادين الحكومية والاقتصادية، وحرية إبداء رأيها مشاركة أو نقداً أو تأليفاً، وتحركها بحرية دون أسرها بقيود الرجل وكأنه يخشى عليها الضياع لو خرجت دون حراسة الرجل، الذي يدعي الوصاية عليها. ولو تدبرنا الأمر لوجدنا كثيراً منهم يحتاج إلى وصاية النساء عليه، ولعل مشاهد الرجال في الداخل والخارج يوضح بجلاء قمة العناء والظلم في التعامل مع هذه القضية بعين واحدة. فيا من تخشون خروج المرأة لماذا لا تشاهدون الرجل عند خروجه؟ ماذا يعمل وكيف يقضي يومه في السفر؟ وكم نسبة الرجال الذين يسافرون للنزهة البريئة مقابل آخرين نعلم جميعاً كيف تكون نزهتهم ومن مختلف الأعمار؟
ولا أدري لماذا لا نريد تفعيلاً لكثير من القرارات التي اتخذتها الدولة في سبيل تفعيل دور المرأة، فخطة التنمية الثامنة تضمنت جملة من الأهداف حول المرأة وأهمها: تطوير إسهام المرأة في النشاط الاقتصادي، وتأمين التسهيلات اللازمة لزيادة مشاركة المرأة في القوى العاملة، وتطوير الخدمات المساندة وتوسيع الإسهامات القطاعية للمرأة، وكذلك تعزيز مكانة المرأة ودورها في الأسرة والمجتمع، وتطوير وتحفيز التحاق النساء في الاختصاصات العلمية والتطبيقية والمهنية في التعليم الثانوي والعالي، إضافة إلى بلورة آليات تنفيذية لتوسيع هذه المشاركة وتعميقها في إطار توجهات الدولة لزيادة فرص عمل المرأة السعودية وتنويعها.
ومن هنا لا بد للمجتمع أن يجاري (الصحوة) العلمية لا (الغفوة) المجتمعية التي أُطلق عليها ظلماً صحوة، وذلك بمناهضة التمييز ضد المرأة والسعي لتغيير العادات والأنماط الاجتماعية والثقافية بهدف القضاء أو تحييد هذا التمييز والعادات العرفية التي تقلل من شأن المرأة، وهذا يتطلب العمل على مسارين، أحدهما سريع وفاعل جداً وهو القرار السياسي الذي يجب أن يكون دائماً النصير الأمثل لحق المرأة والفاعل في تثبيت حقوقها الشرعية والاجتماعية والشخصية، والمسار الثاني التوعية، وهو مشروع كبير ويحتاج إلى استراتيجية على مستوى الدولة يقوم بوضعها المتكئون على ركيزة علمية وثقافية عميقة والمطلعون على ثقافة الأمم والشعوب قديمها وحديثها؛ لنتمكن من توعية المجتمع بما يضمن التنوير والعدل المجتمعي دون الإخلال بالضوابط الإلهية للمرأة والرجل على حد سواء.
www.salmogren.net