في عدد من الدول المتقدمة في برامجها التعليمية خاصة العامة منها - ما دون الجامعي- كفنلندا مثلاً لا وجود للإشراف التربوي، والسبب كما قيل لنا أثناء زيارتنا العلمية لها (لأننا نثق بالمعلم فنحن أعددناه بعناية ولذا تم إلغاء المشرف التربوي منذ أكثر من عشرين عاما، هناك تقويم مستمر للعملية التعليمية برمتها ومراجعات وإصلاحات) أما في البلاد العربية فمن المستحيل مجرد التفكير بهذه الخطوة المتقدمة جداً لأننا باختصار لا زلنا لا نثق بالمعلم ونعتبر المشرف التربوي هو العمود الفقري للتربية والتعليم فهو في الأدبيات التربوية خبير فني، وظيفته الأساسية (توجيه العملية التربوية الوجهة الصحيحة، مما يتطلب أن يكون المشرف قائداً تربوياً يتمتع بكفاءة عالية وثقافة واسعة وقدر كبير من الخبرة التربوية والصفات الشخصية التي تؤهله لمهمة القيادة، ومن مهام المشرف التربوي العامة (تخطيطية وإدارية) التي يحفظها من يمارسون هذه المهمة.
* مساعدة المعلمين على فهم الأهداف التربوية، وكيفية تحقيقها.
* متابعة ودراسة كل ما يطرأ من ظواهر غير عادية في المدارس.
* الإسهام في معالجة المشكلات التربوية في المدارس بالتعاون مع المعلمين والإدارة.
* إجراء البحوث والدراسات التربوية الموجهة نحو تحسين العمل التربوي.
أما مهام المشرف التربوي الخاصة (فنية)، فهناك مهام تتعلق بالطالب أهمها:
* العناية بالنمو المتكامل للطالب محور العملية التربوية وهدفها الأول.
* إقامة علاقة طيبة مع الطلاب، وتفهم مشكلاتهم والعمل على حلها بأسلوب تربوي راق.
* تنمية الثقافة العامة للطلاب.
* تبني قيماً تحقق واقعية التعلم لدى الطالب.
إضافة إلى ما سبق يقوم المشرف التربوي بتقويم المعلم من جوانب عدة أهمها:
* قياس استجابة الطلاب للمادة الدراسية، ومدى قدرتهم على ربط المادة بالحياة وواقع المجتمع.
* كفاية المعلم العلمية وثقافته العامة وحرصه على التجديد والابتكار.
هذا ما يقال ويكتبه أهل الاختصاص ولكن هل هذا هو الواقع في وزارتنا الموقرة؟ الإجابة بكل صدق لمن عايش الميدان لا، ولذا من وجهة نظري الشخصية حجر الزاوية في إعادة البناء التربوي من جديد تنطلق من علاج العمود الفقري هذا إذ يؤخذ عليه في العموم:
* غياب الإستراتيجية الوطنية الناجزة والملائمة للتطبيق في جميع مناطق المملكة، أعلم أن هناك جهودا سابقة ومحاولة جادة للخروج برؤية وطنية شاملة وصالحة لكل المناطق وفي كل الظروف ولكن هذه المحاولة ظلت عاجزة عن تحقق المطلوب.
* تسلل عدد من المعلمين إلى الإشراف التربوي مع أنهم يفتقدون صفة الخبير التربوي والتعليمي.
* عدم وجود المميزات والحوافز المالية والمعنوية لهذا الخبير بل ربما تنقل بين المدارس بسيارته الخاصة ومع أن هذه قد تكون لا شيء في قاموس الكثير منا إلا أنها من ناحية معنوية تعني الكثير خاصة لمن هم في الميدان التربوي.
* تكليف المشرف التربوي حين نزوله للميدان بأعمال ليست في صلب مهامه الأساس فهو في بعض المراكز بل وحتى في الإدارات العامة ونظراً للحاجة الناتجة عن قلة المراسلين والموظفين صار هو من يقوم بهذه المهمة بل هو من يحرر الخطابات وربما يصدرها ويحملها معه إلى المدرسة، ولذا فقد دوره الحقيقي الذي يتوخى منه أو على الأقل ضعف وصار هناك تذمر وضيق من الإشراف.
* عدم التواصل المباشر بين المشرف التربوي في الإدارات العامة مع نظرائه في الإدارات العامة الأخرى بل نظرائه في الوزارة ولذا لا وجود للدراسات الميدانية التي تطرح المشاكل التعليمية برؤية علمية وعلى مستوى الوطن بأسره يقوم بها خبراء التربية والتعليم من خلال الميدان التربوي.
أطرح هذا الطرح لأنني على ثقة بأنه متى تم تطوير هذا الجهاز وأعيدت الثقة به ودرب على القيام بمهامه على الوجه الصحيح حتى صار خبيراً تربوياً بما تحمله الكلمة من دلالة ومعنى ومنح مقومات البحث العلمي والتشخيص الحقيقي للواقع التربوي والتعليمي في مدارسنا فهو وحده المؤهل قبل غيره للحديث عن الميدان التربوي والتعليمي بشكل عام، متى تحقق ذلك فستعود الروح من جديد لهذا الجسم الغالي التربية والتعليم وإلى لقاء والسلام.