1- قدوتنا وحبيبنا محمد- صلى الله عليه وسلم- أعطانا درسا نبويا في أدب الإصغاء والإنصات العميق واحترام الآخر, قال عتبة بن ربيعة يوما وهو جالس في نادي قريش والنبي صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحده: يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أمورا لعله يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء ويكف عنا وذلك حين أسلم حمزة ورأوا أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يزيدون ويكثرون فقالوا: بلى يا أبا الوليد فقم إليه فكلمه فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله فقال: يا ابن أخي إنك منا حيث قد علمت من السلطة في العشيرة والمكان في النسب وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم وسفهت به أحلامهم وعبت به آلهتهم ودينهم وكفرت به من مضى من آبائهم فاسمع مني أعرض عليك أمورا تنظر فيها لعلك تقبل منا بعضها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل يا أبا الوليد,أسمع.
قال: يا ابن أخي, إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالا جمعنا لك أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا وإن كنت تريد به شرفا سودناك علينا حتى لا نقطع أمرا دونك وإن كنت تريد ملكا ملكنا علينا وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب وبذلنا أموالنا حتى نبرئك منه فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله عليه الصلاة والسلام يستمع منه.
قال: (أقد فرغت يا أبا الوليد؟)
قال:نعم.
قال: (فاسمع مني).
قال:افعل.
قال: {حم {1} تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {2} كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ {3} بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ {4}} ثم مضى رسول الله فيها يقرؤها عليه فلما سمعها عتبة منه أنصت لها وألقى يده خلف ظهره متعمدا عليهما يستمع منه حتى انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة منها فسجد ثم قال: (قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك).
2- يقول الإمام الشافعي رحمه الله: (ما كلمت أحدا قط إلا ولم أبال بيّن الله الحق على لساني أو لسانه).
3- روي عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - أنه قال: لا خير في الحياة إلا لأحد رجلين: منصت واع ، أو متكلم عالم.
4- يقول الأحنف: إن الرجل يحدثني بحديث أعرفه من قبل أن تلده أمه فأصغي إليه حتى ينتهي منه وأظهر له أنه أسمعه لأول مرة.