تُعدّ ظاهرة افتراش الحجاج للشوارع والطرقات ونحوها غريبة عن البيئة الإسلامية، وعن مجتمع الحج عند المسلمين، وهي في واقع الأمر تنبئ عن جهل فاعليها بالأحكام الشرعية، وإخلالهم بالآداب الإسلامية، وخروجهم عن الذوق العام، وعدم إحاطتهم بأحكام فريضة الحج، وتعاليمها، وآدابها، بوجه خاص.
كما أن افتراش الطرقات في مواسم الحج خصوصاً أمر يتعارض كلياً مع أحكام الإسلام ومقاصده وآدابه وتوجيهاته عموماً، لقوله - عليه الصلاة والسلام -: (إياكم والجلوس في الطرقات).. والافتراش يشمل جلوس الحجاج في الطرقات، والشوارع، وممرات الناس، والأكل فيها، وافتراشها، والنوم فيها.
ولا يخفى ما تسببه الإقامة في الشوارع، والطرقات، وافتراشها، والنوم فيها، من ارتكاب للعديد من المخاطر، التي منها: إعاقة حركة المواصلات، والتأثير على المارة من الحجيج وغيرهم، وربما أدى ذلك إلى التزاحم، ووقوع الناس فوق بعضهم البعض، والتعرض للموت أو الإصابات، أو الكسور نتيجة ذلك..
يضاف إلى ذلك أن من أضرار ظاهرة افتراش الشوارع: رمي الفضلات، والمخلفات في الطرقات، والتسبب في نشر الأمراض والأوبئة، ومنها: التأثير السلبي على ما تقوم به الأجهزة الحكومية والخدمية ونحوها من خدمات عامة، مرورية، وإسعافية، وتدخل في حالات الطوارئ، التي قد يترتب على التأخر في الوصول إليها وفاة أشخاص، أو احتراق بيوت، أو دمار أسواق، أو تفشي أمراض .. ما يلحق الأذية بالناس، والمسلم لا يرضى إلحاق الأذى بغيره، والله يقول: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا}.
كما أنه من البديهي أن الحج فرض على المستطيع، وافتراش الحجاج للطرقات والشوارع يتعارض مع القدرة المالية للمستطيع، قال الله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}..وبناءً على هذا، فإنه لا يجوز لأحد بحال من الأحوال، سواء كان رجلاً أو امرأة، أن يأتي إلى الحج ويفترش الشوارع، أو ينام فيها؛ لأنه لا يملك مالاً يبذله لسكن يؤويه، ويصون له كرامته.
كما أنه من العجيب حقاً أن يقدم مسلم على فعل ذلك، وهو يزعم أنه يتعبد الله، في الوقت الذي يعصيه ويخالف أمره، وهو يحسب أنه يحسن صنعاً، بل ويسيء إلى نفسه أولاً، وإلى الآخرين ثانياً، وإلى المجتمع الإسلامي ومصالحه الذي ينتمي إليه ثالثاً، وهذا ما ينطبق عليه قول الله تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}.
كما أنه لا يستقيم لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يعرض نفسه لسخط الله، ويتسبب في إيذاء الناس، والإساءة إليهم، ولعنهم له، وفي الحديث: (اتقوا اللعانين، قالوا: ما اللعانان؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم).
وظاهر هذا الحديث النهي عن أي تصرف يتسبب في لعن الناس وسبهم، وحكومة خادم الحرمين الشريفين لا تألو جهداً في تقديم كل ما يوفر الراحة لضيوف الرحمن؛ لذلك هي تعمل وتؤكد على حملات الحجاج من ضرورة توفر كل وسائل الراحة لخدمة حجاج بيت الله الحرام، جعل الله ذلك في موازين حسناتهم.. والله من وراء القصد.
* القاضي بديوان المظالم بالمنطقة الشرقية