د. حسن الشقطي
أشار البعض إلى أن أمريكا مدينة للاقتصاد العالمي بنحو 9.5 تريليون دولار نتيجة أزمة رهون عقارية تسببت فيها، وتمثل هذه القيمة حجم تكاليف الإصلاح التي أنفقتها الدول المتقدمة والنامية لإصلاح ما أفسدته أزمة الرهون العقارية الآتية من الولايات المتحدة الأمريكية.. ولكن هذه التكاليف بالكاد هي تكاليف الخروج من الأزمة العالمية.. إلا أن التساؤل الذي يثير نفسه: كيف تم الخروج من هذه الأزمة؟ وكم يفترض أن يتكلف الاقتصاد الأمريكي منها؟ بل ما هو أهم: كيف تم تمويل برامج الحوافز الاقتصادية التي اعتمدتها الإدارة الأمريكية على مرحلتين (700 مليار دولار في مرحلة أولى ثم 787 مليار دولار في مرحلة ثانية)؟ وبمعرفتنا أن الاقتصاد الأمريكي قد مر بفترة اهتزاز نتيجة الحروب المتتالية في أفغانستان والعراق، فمن أي مصدر تمكن من تدبير هذه البرامج الضخمة للتحفيز؟.
يوضح الجدول (1) بعض أهم مؤشرات التطور للاقتصاد الأمريكي، والتي توضح أن حجم العجز في الميزانية الحكومية وصل في عام 2008 إلى 590.6 مليار دولار.. أما الدين الداخلي، فقد قفز بشكل كبير من مستوى 8.4 تريليون دولار في عام 2007 إلى ما يقارب 9.5 تريليون دولار حتى نهاية الربع الثالث من 2009 أي أنه حدث ارتفاع بحوالي 1.1 تريليون دولار خلال فترة عام ونصف.. وإذا كانت الموازنة الحكومية تمر بهذا العجز الكبير وإذا كان حجم الدين الداخلي في ازدياد، فكيف تم تمويل خطة الحوافز الاقتصادية الجديدة في عام 2008-2009 بقيمة وصلت إلى 787 مليار دولار؟.
إن كافة الدلائل تشير إلى أن مصدر التمويل الرئيسي حدث من خلال طبع نقود جديدة مغطاة بالدين، أو كما أشار أحد المسئولين الفرنسيين بأن السياسة الأمريكية قامت على أسلوب (غمر العالم بالسيولة) للقضاء على الركود.. ولكن ما هو الثمن؟ وهل هو أسلوب آمن؟.
إن هذا الأسلوب يعني أن الولايات المتحدة قد سعت إلى القضاء على فقاعة الرهون العقارية من خلال السماح بتضخيم سوق جديد هو سوق الدين أو السندات.. حيث تم طبع نقود جديدة للإنفاق على برامج إنقاذ الأصول المتعثرة بلا غطاء حقيقي.. وجدير بالإشارة إلى حجم سوق الدين العالمي وصل الآن إلى حوالي 600 تريليون دولار.. ولكن هذا السوق إذا ناله التضخم وظهرت به فقاعة.. فهل بالإمكان التغلب عليها حينها؟ وفقاً لما قاله بيتر سيف، وهو أحد الاقتصاديين البارزين في الولايات المتحدة، فإن (الحقيقة المقيتة بالطبع هي أنه عندما انفجرت الفقاعة العقارية (في الولايات المتحدة)، تمكنت الحكومة من إنقاذ شركات القطاع الخاص.. ولكن عندما تنفجر فقاعة سوق السندات، فإن حكومة الولايات المتحدة نفسها هي التي ستكون في حاجة إلى خطط إنقاذ كبيرة).
أي أن الولايات المتحدة سعت إلى إشراك العالم ككل في تحمل فاتورة الركود الناجم أساساً عن أزمة الرهون العقارية الأمريكية.. إلا أنه رغم أن قيمة خطط الإنقاذ العالمية للخروج من الأزمة لا تزيد عن 9.5 تريليون دولار، فإن الفاتورة التي يمكن أن يدفعها العالم ككل جراء التضخم القادم يمكن أن تزيد عن ذلك بكثير..
للأسف البعض يعتقد أن الركود أكثر ألما وخطورة من التضخم، كما يعتقد الكثيرون أيضا أن العالم يستطيع أن يتعايش في رحاب التضخم بسهولة.. فأنت في ظل التضخم تأكل وتشرب، فقط أنك تتحمل نفقات إضافية نتيجة انخفاض قيمة النقود في يديك.. إلا أن الحقيقة ليست كذلك، لأن هذا الانخفاض في قيمة النقود لا حدود له، وبالتالي فقد تنخفض القيمة الحقيقية للريال لكي تعادل 10 هللات أو 5 هللات، وبالتالي ما كنت تشتريه في الماضي بمائة ريال، ستشتريه اليوم بقيمة 1000 إلى 2000 ريال.. ومن ثم فثمن السيارة الكورولا الصغيرة قد يصل إلى حوالي 500 ألف ريال بدلا من 50 ألف ريال، إنها كارثة كبرى إن استمرت لفترة طويلة.
(*) محلل اقتصادي
hassan14369@hotmail.co