كنت قد كتبت أسخر من بعض خزعبلات الصحويين الذين كانوا يُجاهدون في أفغانستان؛ وقلت: إن من يُصدق خرافات وأساطير عبدالله عزام في كتبه يجب أن يُصدق خزعبلات ابن عربي الصوفي؛ وإلا كان صاحب فكر (انتقائي)، يختار قناعاته عن هوى؛ فيقبل خزعبلات عزام لأنها وافقت هواه في (الجهاد)، ويرفض خزعبلات ابن عربي لأنها خالفت هواه؛ وهذا عَوار في السياق يختل به الاستدلال وُيضعف الحجة.
اتصل بي أحد الأصدقاء يريد أن يقنعني أنه على استعداد أن يريني كرامات بعض مشايخه الصوفيين التي رآها - كما يقول - رأي العين. سألته: وأين؟ قال: في إحدى الدول الإسلامية؛ هناك (سادن) قبر من أولياء الله الصالحين، يتبرك بالقبر الذي يعمل فيه كسادن، ويطلب المدد من الرجل الصالح تحت الثرى، فيعطيه من المعجزات والخوارق ما يستطع بها أن يخرج عن طبيعته البشرية؛ فيشفي المرضى الميؤوس من بُرئهم، ويفتح الرزق، ويلغي العمل (السحري) إذا اكتشف أن ثمة عمل سحري عُمل لك من حاقد خبيث!.. ثم قال: تعال وشاهد بعينك؛ وليس من رأى كمن سمع.
ضحكت، وقلت: ولماذا لا تذهب إلى (لاس فيغاس) في أمريكا، حيث العروض واللعب بالخدع البصرية؛ هناك سترى أحد (الكفار) وليس صاحبك السادن، وكيف يفعل الأعاجيب، ومع ذلك لم يَدّع أن خدعه هذه جاءت لكونه ولي من أولياء الله الصالحين، أو أن ما يفعله كرامة بسبب (مدد) من قبر رجل صالح كما يروج الدجالون؛ فالقضية - كما يعترف - مجرد (خدع بصرية) تعتمد على التنويم المغناطيسي ليس إلا.
خرافيو المتصوفين رفضوا الطبيعة الإنسانية للبشر، وأصروا على أن أولياءهم الصالحين خرجوا عن هذه الطبيعة والتحقوا بطبيعة أخرى، هي أقرب إلى (الرجل السوبرمان) منها إلى الإنسان العادي؛ فيلبونهم بالمعجزات والكرامات متى ما تشفعوا بهم، حتى وإن كانوا أمواتاً منذ مئات السنين؛ وهذا - بالمناسبة - يتعارض مع قوله جل وعلا: (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ).
وليس لديّ شك أن دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - التي حاربت هذه الخرافات بقوة، (حررت) الإنسان المسلم من هذه الخزعبلات، ووقفت دون استغلال البشر السذج من قبل السدنة أو الكهنة أو الوسطاء ومن يدور في فلكهم؛ فعلاقة الإنسان بخالقه علاقة مباشرة لا وساطة فيها لأحد، سواء كان عالماً أو جاهلاً، صالحاً أو طالحاً، كبيراً أو صغيراً؛ وهذا - بلا شك - من (إخلاص) الله بالعبادة.
أعرف جازماً أن هناك متضررين كثر من الحرب على (الخرافة) وتلك الأساطير، وأن هناك أرزاقاً ستقطع، ومقامات ستنهار، وطحالب ستجف؛ غير أن هؤلاء المستفيدين من الخرافات والخزعبلات، وكذلك المكانة الرفيعة التي يُجيرونها إلى مال وسلطة وسطوة في بلدانهم، هم (أصنام) هذا الزمان، مثلما كانت أصنام قريش وسدنتها زمن البعثة النبوية، ومثلما كسّر عليه الصلاة والسلام أصنام زمانه، فلا بد أن نكسر أصنام زماننا، ومن وضعوا أنفسهم ومقاماتهم (واسطة) بين العبد وربه؛ كما فعل أقرانهم ممن يبيعون صكوك الجنان في الثقافة الكنسية (الكهنوتية)، حيث كان كهان الكنيسة يدّعون تملك (الغفران)، فيمنحونه لمن يشاؤون، ويمنعونه عمّن يشاؤون.
إلى اللقاء.