Al Jazirah NewsPaper Thursday  05/11/2009 G Issue 13552
الخميس 17 ذو القعدة 1430   العدد  13552
(ما خلف سكون التجاعيد)

 

منزلٌ بالٍ..

ذو طرازٍ قديم..

ملأت جدرانه تواقيع (أصحاب الشغب)

وكأنه دلالةٌ على عدد تلك الأجيال التي مرت به....

كانت تسكن ذلك المنزل الخاوي عجوز جميلة..

ذات قلبٍ أبيضٍ, أجزم وأنه لم يسبق له وأن خالطه دنس قط..!

كانت تلك, ذات جسد نحيل تفوح منه رائحة الفقد

وكأنه صُدِمَ بواقع التوسد على أعمدةٍ مُتساقطة..!

وذات ابتسامةٍ ساحرة لا تفارق محياها

رغم تعدد أماكن الأسنان الشاغرة في فمها!

وما تضفيه تلك الابتسامة من تجاعيد لا يستهان بعددها إضافة لما هو موجودٌ أصلاً من تجاعيد....

لا شعورياً..

وجدتُ نفسي وقد غرقت في تأملِ تفاصيل ذلك الوجه البريء.. وضللت الطرق بين متاهات التجاعيد تلك..

وأنا ما زلت أفسر, وأربط بين مدلولاتها..

وكأني أرى بداخلها ألف حكايةٍ محبوكةٍ بألم ومعقودة بوجع!

لا أعلم لمَ.. شعرتُ بأنها وبشتى الطرق حاولَتْ قطع أنفاس ذاكرتها

غسّلتها بماء النسيان

وطيّبتها بكافور الصبر

ودفنتها بتراب اللا مبالاة

ورغم ذلك.. أبت تلك الذاكرة الاستسلام للموت! ..

كنتُ أراها تتنفس..

لكن تنفسها كان بشوائب!

شعرتُ وكأنه بين كل تجعيدةٍ وأخرى..

صرخةٌ من ألم..

دمعةٌ من ظلم..

وتنهيدة سبّبها الجحود..

ألمٌ لفقد زوجها..

وظلمٌ من جور دهرها..

وجحودٌ من فلذة كبدها..

ذلك العاق الذي ربّته وليداً ورماها بمجرد ما أن أصبح والداً..!

أحبّتهُ كثيراً.. وربما أكثر من الكثرة بكثير

فقابلها بحجم جحودٍ كبير.. وربما أكبرُ من الكبير بقليل

أيُّ قلبٍ يحمل؟! وممَ صُنع ذلك القلب؟!..

اليوم.. اكتشفتُ شيئاً جديداً لم أكن على علمٍ به مسبقاً..

كنتُ أعلمُ بأن الإنسان فُطِر على حب الأفضل

وأن الكثيرين تعاركوا لنيل المركز الأول..

لكن أن يكون صراع الصدارة حول (الأكثر عقوقاً)..!!..

اللهم لا تنزع الرحمة من قلوبنا..

ولا تُزغنا بعد إذ هديتنا..

ولا تجعل الدنيا أكبر همِّنا..

روان العبد الله الزنيدي



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد