Al Jazirah NewsPaper Thursday  05/11/2009 G Issue 13552
الخميس 17 ذو القعدة 1430   العدد  13552
(السواق) نداء لتحديث الهوية والمجتمع
تركية العمري

 

في البدء (مهمة الروائي هي أن يرى ويقول بوضوح ما هم عليه الناس)

جون ماسترز

***

تعد الهوية أساساً لوجود الرواية، فهي الكيان الذي يبحر فيه الروائي، والهوية هي الأفق الذي تحركت فيه الرواية منذ نشأتها كأدب سردي وحتى الآن، وقد وظفت الهوية أيضاً في العديد الدراسات الأدبية، والإبداعات الفكرية، ويحرص الأدباء والمفكرون على دعم الهوية الإنسانية، ومنحها الحياة، وتشجيعها على مقاومة الظلم والقهر والتقاليد الاجتماعية التي تقتل حريتها. وفي رواية (السواق) للكاتب عبدالله العبدالمحسن نجد أن الكاتب تعاطى مع هوية المرأة في المجتمع السعودي، تلك الهوية المكبلة بعادات وتقاليد اجتماعية تعيق خطواتها التي تضج بالطموح، تلك الهوية التي تأد رأيها، وحضورها الإنساني، والهوية في رواية السواق تمثل البطلة فاطمة، وما تعانيه في مجتمع ذكوري سكب عليها ظلال ظلم وقهر، فبطلة الرواية فاطمة نموذج مشرق يحاول أن يحدد له هوية متميزة، واعية، كذات إنسانية، وكفرد يساهم في بناء المجتمع، تحاول فاطمة أن ترسم هويتها التي تريد، وليس الهوية التي فرضها عليها المجتمع، وقيدها بها لتستمر الرواية حتى المنتصف في فضاءات تتصاعد فيها صور الأسى والقهر للبطلة، لتظهر ذروة الرواية عندما تتدفق الإرادة، والقوة، والاستقلالية في روح البطلة فاطمة، وتبدأ في مواجهة المجتمع، ومعاقبته بكسر قوانينه وتقاليده البالية التي جلبت لها الأسى وحرمتها من حياة كريمة هانئة، لتنتهي الرواية نهاية متوقعة بقرار للبطلة يمنحها هوية جديدة تحلق بها في فضاءات حرية إنسانية.

إن رواية السواق تمثل الاتجاه الواقعي في أدب الرواية، وتعود بنا إلى بداية نشأة الرواية في المملكة ولكنها تنوعت في لغتها السردية بين المستوى التصويري، والمستوى الإخباري وتنقل المستوى التصويري بين الحسي والمعنوي وtheme موضوع الرواية الرئيسي هو موضوع قيادة المرأة السعودية للسيارة، وكأن الكاتب أراد أن يجعل المجتمع يواجه ذاته، بصدق، وحكمة مؤطرة بنظرة استشرافية لمرايا المستقبل، وأيضا دعوة المجتمع إلى إنهاء الجدل في هذه المسالة، عندما يبرز أبعاد شائكة لوجود السائق من جانب، وقدرة المرأة على ممارسة دورها بوعي من جانب آخر.

لقد استطاع الكاتب العبد المحسن أن يشد القارئ إلى روايته بدءاً من عنوان الرواية الذي يحرك وجدان القارئ المحلي، وعنوان النص هو النداء الأول للدخول إلى النص (السواق) ليتبعه الإهداء:

(إلى الرائدات اللاتي حاولن رسم مسار تاريخي في وجه الوطن إليهن مع فائق الاحترام..

إلى ابنتي سالي التي حصلت على رخصة القيادة في 11-3-2008 وأنا أنهي عملي هذا..

ومازالت تنتظر تفعيل رخصة قيادة السيارة في الوطن).

فالإهداء يسافر إلى كل أنثى حاولت أن ترسم بعدا مضيئا في قلب الوطن.

توغلت فصول رواية السواق في تفاصيل حسية ومعنوية للبطلة وللمحيطين بها، وجعلت تلك التفاصيل القارئ يفتح حواسه لاستيعابها.

وقد أجاد الكاتب في وصف عقلية سعد زوج البطلة، وعنجهيته، وفراغ روحه، ونظرته الاقصائية الجاهلة للمرأة، وجعل القارئ يمقته ويتعاطف مع فاطمة الأنثى التي ضجت الرواية بروحها، وفكرها، وثقافتها، وعطرها، لتظهر للقارئ ملامح النهاية للرواية بعد الفصول الخمسة الأولى من الرواية، وتلك النهاية هي ارتباط فاطمة بسائقها (إقبال) كنهاية طبيعية هيأ الكاتب القارئ لها.

مرت رواية السائق بموضوعات فرعية وهي: زواج المسيار - إهمال عنصر التكافؤ الثقافي والعلمي - المظاهر الزائفة - الشلة - الطبقية الاجتماعية.

في رواية السواق اتبع الكاتب العبدالمحسن مقولة الروائي الأمريكي ارنست همنقواي:

When writing a novel a writer should create living people; people not characters. A character is a caricature.

(عند كتابة الرواية يجب على الكاتب أن يبتكر شخصيات حقيقية حية، ليست شخصيات عمل أدبي لأن شخصية العمل الأدبي هي رسم كاريكاتوري).

لتبقى رواية السائق مواجهة للمجتمع ودعوة لتحديث روح هويته، لتصبح قادرة على استيعاب أفكار ومفاهيم وحياة العصر الحديث ولكي تستطيع التواصل الإنساني الراقي مع الآخرين.

مقاطع من رواية السواق:

تكيفت فاطمة مع وحشة منزلها بعد استفحال الصمت في جنباته وشحت الكلمات المتبادلة مع زوجها أصبحت أقل من مجموع الكلمات التي تتداولها مع سائقها. الفصل 7

تعني فاطمة ما تقول حتى كلمة حبيبي العفوية كانت تعنيها أيضاً. الفصل6

لاذت فاطمة بسريرها. كان السرير واسعا كالمحيط الهائج، ألقت جسدها في وسط أمواجه المتلاطمة. الفصل 22

رواية السواق 22 فصلا، دار المفردات للنشر الرياض 2008
October ,2009



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد