تدل (الهمزة) في بناء اللغة وصرفها على دلالة المعنى، وتشكل أمراً بالغ الأهمية قلّ من يفطن إلى هذا، والهمزة إذا لم يدرك المراد بها للدلالة على وضعها ورسمها فإن سالك القول يهتز وطارق التأليف والبحث والتحقيق والنظر يذهب هدفه بذهاب (فقه المراد) من: الهمزة.
وناهيك بمن يخلط بين همزة وهمزة وبينها وبين همزة (الوصل) فذاك شرّ مستطير ووباء دفين ومرض عضال، ولاتدرك قيمتها - أعني همزة القطع أو الهمزة عموما - إلا برسمها رسماً متنوعاً على طارف راهف من الطرس فأقول: الهمزة سميت بذلك لأن أقصى الحلق وما فوق البلعوم يهتز قليلاً بغلاف همزة الوصل ولم أرَ من كتب في هذا أبداً، والهمزة المقطوعة تختلف حتى في أداء المعنى عن الهمزة المحدودة (س)، وهمزة القطع لها مواضع رسم لابد منها من ذلك في بدء الكلام في الأعلام،
مثل: أحمد - أجا - أبهار أقطب، وهذا موضع مهم لها وهو رسمها فوق الألف (أ).
ونقل: إبراهيم - إسماعيل - إزيل - إبريق وهذا شكلها حقيق به أن تكون عليه وهو: جعلها تحت الألف: (إ)
وتكون كذلك في وسط الكلام وهي هنا ذات معنى مؤدى بها لايستقيم الكلام إلا برسمها وذلك مثل: (براءة)، وتكون كذلك في آخر الكلام على فقرة واحدة يختلف وضعها بحالها حسب اللفظ المطروح وذلك نحو: (جيء) و(مجيء) (وقميء) فلابد هنا من كتابتها ونطقها معاً ولا يعتريها عوارض الضرورة إلا في حالات ضيقة ذلك أنها أصلية في الكلام، لكنها هنا قد لاتُنطق تخفيفاً وهذا ضعيف؛ إذ كمال اللغة بكمال خروج حروفها وآلتها ولايحسن هنا السير على طريقة (سكّن تسلم) فهذا عوَر وأي عوَر، أما الفرق بينها (أ) وبين همزة الوصل (ا) المهملة من الهمزة فهمزة القطع تكتب وتنطق، وأما همزة الوصل: (ا) فتكتب ولا تنطق؛ والعلة في هذا أن همزة القطع تكون عند التقاء الساكنين مثل: الطريق - البيت - الكتاب - الحق، فتكتب الهمزة ألفاً: (ا) فقط دون الهمزة الفارقة (ء)؛ وهذا لأنه لايجوز نطق ساكنيه في حال واحدة فهمزة الوصل تكون للنطق (ا) بالساكن، وأما المحدودة (آ) فهذه أصل في معناها وليست هي (مولدة) أو مشتقة من همزة القطع كلها، وهي تؤدي معنى خاصاً بها فلا جرم أن تكون مستقله ومثالها: (مرآة) ولا تكتب أبداً هكذا (مرءاة) فإن المعنى يسقط ويزول، وإنما وعي اللغة وموازينها موهبة، أرأيت لغة القوم اليوم كيف هي؟!! أرأيت لغة كثير من الصحف والمجلات؟؟! أرأيت لغة بعض المذيعين؟!!.
أرأيت لغة كثير من المحاورين والمحاضرين؟!! هنا يتبين أنها (موجة) ويفيدها الاكتساب والشعور بالمسؤولية؟.
أملق: على وزن أفعل والإملاق.. الفقر.. على لغة والفقر أعمّ من حيث دلالة اللفظ على المراد، ويراد الإملاق كذلك بمعنى: الحاجة المرادة قال سبحانه وتعالى: {خَشْيَةَ إِمْلاقٍ}، أي خوف الفقر، وهذا في: الجاهلية وعند المنافقين ضعف شديد في عدم صدق التوكل على الله تعالى مع أنهم يؤمنون به جلّ وعلا إيماناً (ربوبياً) ، وتملقه يتملق من: (التملق) وهي المجاملة بالقول أو العمل لمصلحة ما.
أعتى: من العتو وهو: جرأة النفس مع ظلم القول أو ظلم الفعل، - وعات - ويعتو - وتعتو - ويعتون - ويعتيني - وعتى - وعتت- هو تجاوز الحد في رد الحق مع إيصال الأذى للطرف الآخر بحال ما.
وهذا اللفظ من المشترك الوارد في اللسان العربي، فيقال:
1- رجل عاتٍ.
2- وسيل عاتٍ.
3- وريح عاتية.
4- وسبعٌ عاتٍ.
وهكذا، وجاء (وعتوا عتواً كبيراً).
أبهج: من البهجة وهو سرور النفس برؤية أو سماع ما يفرح ويسر وأصل هذا (ب - هـ - ج) بهج.
وجاء: (من كل زوج بهيج)، ولا يكون هذا حسب فهمي إلا مع اختلاف المتطور إليه أو المسموع شكلاً وحالاً، (والذهن) و(العقل) و(القلب) يمكنها إدراك أشياء مختلفة في وقت واحد.
وورد: باهج ولم أسمع ب (مبهوج) لكن قد سمعت: أبهجه.
أسرّ: هذا من الثلاثي الظاهر وإلا فمردّه لها.. الرباعي: لأنه هنا قد شددت الراء في: اللفظ، ولا يكون إلا كذلك، والسر هو ماخفي من القول أو الفعل أو الإشارة.
قال سبحانه: {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى}، والمراد (بالخفاء) هنا: النوايا والمقاصد التي لا يعلمها إلا هو سبحانه، وعليها يترتب الجزاء والحساب، والإسرار من حالات: الهلال، والأسرار جمع سرّ ومن ذلك (النجوى) بين اثنين أو أكثر.
أمطى: (أ م ط ى) وهذه لغة كنت قد سمعتها من بعض أهل (جيزان) وقد سمعتها من بعض أهل (زبيد) ويرون أن هذه لفظة عزيزة، ويريدون بها: أعطى فهم يقلبون (العين- ميماً) أمطى - يمطى - أمطني - أمطاه -، ولست أعلم اليوم هل ذهبت منهم هذه وأمثالها أم بعد، ولا أرى الغير في هذا فقد ورد: (ام بر في ام صيام في ام سفر).
ولا ترد أمطى بمعنى أركبه، فلان أركب فلاناً على الدابة مثلاً، لكنه قد ورد: امتطى بمعنى: ركب قافزاً، ومن ذلك المطيّة والمطايا لأنها تمتطى وتركب، قال جرير:
ألستم خير من ركب المطايا..
يمدح عبدالملك بن مروان - أحد ولاة الدولة الأموية الكبار إبان الخلافة-.
أقتر: على صيغة وزن أفعل يرِد هذا اللفظ على معان منها المنع، ومنها البخل، ومنها الجحد، ومنها شدة الإنكار، ويرِد هذا اللفظ على صيغة المبالغة بحذف الهمزة: قتّار، على وزن: فعّال، وجاء: (وكان الإنسان قتوراً) ولم أسمع قَتَر، ولا يقتر، لكن قد ورد مقتر ومقترة للمؤنث.