يذكر عن الشيخ علي الطنطاوي (رحمه الله) أنه تلقى سؤالاً عبر أحد برامجه التلفزيونية من طالب حائر يستفتيه حول (جواز الغش في امتحان مقرر اللغة الإنجليزية)، فيبدو أن هناك من أفتاه بجواز ذلك !! بحكم أنها لغة غير المسلمين، وأنها ليست علماً بذاتها وأن
تعلمهـا ليس فريضة، فجاء جواب الشيخ - عليه رحمة الله - جلياً في لفظه راقياً في مضمونه إسلامياً حضارياً في مقصده، حيث أوضح في إجابته أن العبرة ليست في الحال التي وقع فيها الغش كامتحان مقرر اللغة الإنجليزية، بحيث يختلف الأمر لو كان امتحان مقرر اللغة العربية أو التاريخ الإسلامي أو الفقه، إنما العبرة في (المبدأ) الذي يحكم هذه الحال أو تلك، لأن من عظمة الإسلام أنه دين مبادئ سامية ومنهج واضح، يرفض الغش من (مبدأ) واحد وثابت وليس حسب الحال، لذا فالغش مرفوض بأية صورة أو واقع أو حال، وسواءً كان المتضرر من هذا الغش مسلماً أو غير مسلم.
سؤال ذلك الطالب حول الغش المرتبط بقيمة (الأمانة) يمكن أن يتكرر في أكثر من قيمة أو خُلق أو ممارسة، ما يجعل كثيراً من الناس يتعاملون بتلون مقيت ومرفوض شرعاً وعقلاً وأدباً، وهذه هي إحدى الإشكاليات التي نعاني منها في تربية أولادنا، فتجد أحد الآباء لا يمل من إلقاء المحاضرات التربوية على أولاده عن فضيلة (الصدق) على سبيل المثال، لكنه لا يتردد في توجيه أحدهم بأن يكذب لمن جاء يسأل عنه، وهو بهذا ُيكرّس لحالة من الانفصام الأخلاقي لدى ابنه بين الصدق (النظري) والكذب (العملي)، فينشأ على ممارسة الازدواجية الأخلاقية في تعامله مع الآخرين وفق المصلحة الشخصية المفرطة بالأنانية، فضلاً عن تضييع هذا الأب لأمانة التربية إزاء أولاده.
لذلك أزعم أن من أهم الأسس التربوية التي يجب أن يتربى عليها أولادنا وبناتنا هي (نقاء المبدأ)، فكل قيمة سامية يجب أن ترتبط بمبدأ نقي من شائبة الازدواجية الأخلاقية في تعاملنا بالقيم الاجتماعية، سواءً كانت (قيما أخلاقية) كالصدق والأمانة والنزاهة، أو (قيما إنسانية) كالحرية والعدالة والمساواة، أو (قيما حضارية) كاحترام الآخر وأدب الحوار والتزام النظام وغيرها من قيم مشتركة بين جميع الأمم ومختلف الشعوب، فيجب أن أكون صادقاً مع الآخرين كما أكون مع نفسي، وأن ألتزم النظام في طوابير الانتظار وغيرها وفي أي مكان، وأن أحقق العدالة في مواقفي وأحكامي للمسلم وغير المسلم، وأن أكون متسامحاً مع الآخر مهما كان دينه أو مذهبه أو جنسه أو عرقه، أما أن أبتسم له ثم ألعنه إذا ذهب، فهذا ليس من (نقاء المبدأ) الذي أشرت إليه، إنما ازدواجية في التعامل بطريقة الخداع.
kanaan999@hotmail.com