استطاعت إيران استغلال الفراغ الاستراتيجي لدى العرب, والتقدم كثيراً في طريق فرض نفوذها، وهيمنتها، وتعزيز أوراقها في المنطقة العربية. كل ذلك من أجل تصدير الأفكار العقدية الإيرانية، وتهيئة العالم لظهور المهدي، - تارة - باستغلال القضية الفلسطينية في إطار الصراع .
الإقليمي، - وتارة - بالاستناد إلى الوجود الشيعي العربي في الدول العربية، واستغلاله لمآربها التوسعية ليكونوا رمحاً طاغياً في قلب بلاد الإسلام.
كما استطاعت إيران تنفيذ خطة اختراق لعدة دول عربية إسلامية، لتصدير الثورة الإيرانية عن طريق سفارات إيرانية تعمل على مدار الساعة، جرى تفعيلها مؤخراً بسلسلة تعيينات وتنقلات.
وهو ما أكدته التقارير من أن معظم الدبلوماسيين الجدد في تلك الدول العربية، هم من ضباط الحرس الثوري، وضباط الاستخبارات التابعين للمرشد الإيراني الأعلى، بمن فيهم المشرفون على الملحقيات الثقافية التي تميزت بنشاط مكثف، لا يتوافق مع الظروف الأمنية والسياسية التي تشهدها المنطقة، من أجل تعزيز طموحات إيران الإقليمية، وتوسيع رقعة نفوذها، ودائرة هيمنتها.
من المؤسف، أن الاختراق الإيراني إلى اليمن الجنوبي جاء عبر دولة إريتريا.
حيث تشير التقارير، إلى أن إيران تمكنت بسرية تامة من بناء قاعدة بحرية عسكرية على البحر الأحمر، وأنها نجحت خلال الأشهر الأخيرة في تحويل ميناء عصب الإريتري إلى قاعدة إيرانية, وأن الفرع الإفريقي في قيادة فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قد تولى هذه المهمة بالتعاون مع بحرية الحرس الثوري؛ حيث قامت السفن الإيرانية في البداية بنقل المعدات العسكرية، والأسلحة الإيرانية إلى ميناء عصب بمشاركة ثلاث غواصات إيرانية.
كما أرسلت طهران المئات من عناصر فيلق القدس، وضباط البحرية، والخبراء العسكريين في الحرس الثوري إلى إريتريا. وقامت بنصب عشرات بطاريات الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى، والصواريخ المضادة للطائرات والسفن في ميناء عصب.
وكل ذلك جرى بتعاون وثيق مع السلطات الإريترية، وتحت غطاء اتفاقية تعاون رسمية عقدت بين الطرفين إثر محادثات رفيعة المستوى، أجراها الرئيس الإريتري (أسياسي أفورقي) مع (أحمدي نجاد) أثناء زيارته لإيران في مايو 2008، وهي الزيارة التي أسفرت عن توقيع مذكرات تفاهم للتعاون الثنائي بين الجانبين في المجال الزراعي، والاقتصادي، والاستثمار المتبادل. الأمر الذي فتح الطريق أمام إيران نحو إريتريا والقرن الإفريقي، لإنشاء قاعدة عسكرية بحرية إيرانية قبالة باب المندب وخليج عدن، كأحد أهم المواقع الاستراتيجية في منطقة جنوب شبه الجزيرة العربية، يمكن أن تنطلق منها المطامع الفارسية شمالاً باتجاه الخليج.
لكن أخطر التقارير التي تشير إلى تزايد التهديد الإيراني لخليج عدن وباب المندب، هي التي ربطت أخيراً بين القاعدة البحرية الإيرانية في ميناء عصب، وبين خطة سرية أعدتها طهران لاختراق الجهة المقابلة، أي اليمن. وأن الأسابيع الأخيرة شهدت تحركات إيرانية مشبوهة في جنوب اليمن، مشيرة إلى أن المخابرات الإيرانية التي كانت نشاطاتها في دعم الحوثيين في منطقة صعدة في الشمال تثير اهتمام الأجهزة الاستخبارية الدولية باتت حالياً موضع رصد ومراقبة، بسبب ما يعتبر محاولات اختراق بجنوب اليمن. وأن الحرس الثوري الإيراني قام أخيراً بإعادة تحريك خلايا أصولية متطرفة يمنية معروفة بارتباطها بإيران، ودعمها للاستقرار في جنوب اليمن. ويكشف أن فيلق القدس قام بنقل عناصر يمنية من القاعدة من أفغانستان، وتسهيل تسللها مجدداً إلى جنوب اليمن، وقد فرّ هؤلاء عبر إيران وبحماية قوات القدس.
ويبدو أن المساهمة الإيرانية في نقل متطرفين من أفغانستان إلى جنوب اليمن، إضافة إلى إحياء خلايا نائمة في منطقة عدن لحساب إيران، قد قادت إلى تعزيز مخاوف الجهات الاستخبارية الدولية المراقبة للنشاطات الإيرانية في إريتريا من وجود مخطط إيراني، يستهدف خليج عدن وباب المندب، وفتح جبهة جديدة في القرن الإفريقي وعند أطراف الخليج.
وفي معلومات تداولت أخيرا أن التمدد الإيراني في اتجاه إريتريا وجنوب اليمن، مع ما يعنيه من تهديد بفتح جبهة هناك، وتوسيع الطموحات الإيرانية، ما زال يثير العديد من التساؤلات، وما زال محط رصد واهتمام كبيرين من قبل واشنطن والعديد من الدول العربية.
هناك مؤشرات يمكن التأكيد عليها، والجزم بعد قراءتها، وهو أن: جماعة الحوثيين ليست إلا أداة إيرانية، مهددة لمستقبل اليمن ووحدته ومصالحه. ولا أدل على ذلك من أن الأسلحة التي يستخدمها الحوثيون خلال الاقتتال الدائر، تعود صناعتها إلى إيران وإسرائيل.
بل إن القنوات الفضائية الإيرانية تعكس حقيقة التدخل الإيراني، ودعم التمرد الحوثي سياسيا، ومساندتهم ماديا ومعنويا، باعتبارهم أخوة في المذهب الجعفري - الإثني عشري -، لعزل اليمن عن الخليج، وتهديد السعودية في العمق، ومحاصرة المصالح المصرية في البحر الأحمر. ولا يغيب عن البال أن إيران تتخذ من المعارضة السياسية اليمنية في الخارج مطية لها، لزيادة نفوذها في اليمن.
أخيراً.. فإن المواجهة الدبلوماسية باتت حتمية، من أجل مخاطبة المد الإيراني، وخطورته على الأمن القومي العربي بمختلف أشكاله وامتداداته. إذا لا يجوز الصمت على تلك الممارسات الإيرانية القبيحة، والتي تحركها مصالح ضيقة تستهدف النيل من أمن اليمن، وزعزعة استقراره.
drsasq@gmail.com