يمطرني قارئ كريم يكني نفسه ب(أبو عزيز) من خلال بريدي الإلكتروني برسائله التي لا تنقطع مع كل صباح طازج، حتى ظننت أنه يستهدفني وحدي من بين (الكتبة) والمثقفين، وقد فرحت حين أعلن في إحدى رسائله عن توقفه خلال الشهر الكريم (رمضان) المبارك، غير أنه ما لبث أن عاد بعد أيام ليواصل (جهاده) المحمود في بعث الرسائل التي تصب في أقنية الدعاء على (التغريبيين) والعلمانيين والليبراليين ودعاة السفور والاختلاط والسينما و(التكفيريين)!!
وكنت قد بعثت له برسالة أطلب منه أن (يرحمني) ويوقف تلك الرسائل التي لا تعنيني، خاصة وفيها (أدعية) تقشعر منها الأبدان على المخالفين، كما أنني لست (تغريبياً) ولا داعياً إلى الفحش - حاشا لله - بل أنا مجرّد (كويتب) صغير قاده حظه العاثر، ودعاء والديه له إلى امتهان الكتابة والهيام بها!
وأزعم أنّ (أبو عزيز) لا يستهدفني وحدي كما فهمت من كتّاب آخرين، بل إنّ رسائله تصل إلى شريحة كبيرة ممن ذيّل مقالاته بعنوانه (الإلكتروني)؛ فهو كما يبدو لي في (رباط مقدس) ضد العلمانيين والليبراليين والتغريبيين ومعهم التكفيريون!!
القارئ الكريم، يبدأ رسائله بديباجة تحمل أقوال بعض كبار المسؤولين التي تتوافق مع ما يرمي إليه من شجب واستنكار ورفض لتوجهات البعض، ثم يغوص لانتقاء كتابات بعض المثقفين من رؤساء تحرير وكتّاب أعمدة ويصب جام غضبه عليهم، ناقلاً الموضوعات التي ترد عليهم من كتّاب (المدونات) والصحف الإلكترونية ذات التوجه المعروف.
واللافت أنّ (أبو عزيز) غفر الله لنا وله، وفي حمأة الهجوم على المخالفين يكتب كلمة (التغريبيين) و(الليبراليين) و(العلمانيين) بالبنط العريض، بينما تتوارى عبارة (التكفيريين) بالبنط الصغير في مؤخرة الديباجة، إذ إنّ قضيته كما يبدو ليست مع دعاة الغلو والتشدد والانغلاق والتكفير والتفجير، بل مع هؤلاء (التغريبيين) الذين باتوا (كالعنقاء) التي نسمع عنها دون أن نراها في أرض الواقع، اللهم؛ إلاّ إذا كان يقصد دعاة الإصلاح والتحديث وحقوق الإنسان والحوار مع الآخر من الديانات الأخرى .. فذاك أمر آخر؛ وإذا صحّ تفسيري هذا فقد أخطأ (أبو عزيز)، فهذه الصفات لا تخرجهم من حياض الدين الحنيف، ولا من رحمة الرب سبحانه والتي وسعت كل شيء .. بل إنني أعتقد أنّ دعاة الغلو والتشدد والانغلاق أكثر ذنباً وجرماً من أولئك، وأشد خطراً.
الله ما أضيق صدورنا نحن البشر. لو كانت الجنة بأيدينا لحرمنا دخولها على أناس كثيرين نختلف معهم، رغم أنهم يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله.
كون الإنسان مسلماً لا يلغي انتماءه الفكري لحركية العقل البشري الذي ينشد التطور والتنوير والحرية المسؤولة والأخذ بأسباب التطور والارتقاء.
يخيّل إليّ أنّ الحراك الفكري الدائر بين التيارات المختلفة حوار إقصائي متشنج غير متسامح، ولا يؤمن بفضيلة الاختلاف في الرؤية، ويتمترس خلف مقولة (إذا لم تكن معي فأنت ضدي)، وتلك في رأيي إحدى معوقات نجاح الحوارات الجادة التي تهدف الوصول إلى أرضية خصبة من التلاقي والانفتاح لخدمة هذا الوطن.
فيا أخي (أبو عزيز) (أبوس إيدك) ارحمني من تلك الرسائل التي تحمل أدعية لا يتحملها جسدي النحيل, وقلبي الوجل من كل شيء ... فهلاّ فعلت؟!
alassery@hotmail.com