بدايات شهر رمضان عام 1397هـ الموافق 1977م تاريخ محفور بوجداني، حيث كان تاريخ التحاقي بالعمل في معهد الإدارة العامة. وفي الحقيقة لم يكن المعهد بتاتا ضمن خيارات العمل المطروحة في ذهني عند التخرج.
فقد تخرجت من جامعة الملك سعود (الرياض) تخصص اقتصاد وكان ترتيبي الثالث على الدفعة. وعليه كان تطلعي الأساسي في ذلك الوقت هو أن أكون معيداً في الجامعة لتكملة دراساتي العليا بمجال تخصصي. ولكن لسوء الحظ في تلك السنة بالتحديد لم تختار الكلية (لأسباب محددة) إلا فقط أول اثنين من دفعتي، ورُب ضارة نافعة. حيث بدأت أقيم بعد ذلك الخيارات المطروحة أمامي من الجهات التي يمكن الالتحاق للعمل بها. وفي احد اللقاءات مع الزملاء اخبرني على ما اذكر الأخ عبدالعزيز الطويان، بأنه سعى للالتحاق بمعهد الإدارة العامة والتقى بمدير عام المعهد بالإنابة عندئذ معالي الدكتور محمد الطويل، الذي سأل عني شخصيا بالاسم (مشيرا إلى قائمة الخريجين لذلك العام) ومبديا رغبته في التحاقي للعمل بالمعهد. ومن المهم التنويه هنا انه لم يكن يوجد بيني وبين معالي د. الطويل أي علاقات أو معرفة شخصية. هذا الأمر دفع بي للتفكير مليا في هذا الجهاز العتيد، واوجد لدي القناعة بأنه بالتأكيد يضم نخبة من المتميزين الذين سوف يسعدني أن أتشرف بالعمل معهم. وعليه اتخذت قراري وتقدمت للالتحاق بالمعهد. ولا أنسى ان من أجرى لي المقابلة الشخصية كان معالي د. عبدالرحمن الشقاوي مدير عام الشؤون الإدارية والمالية عندئذ. وكان من بين الزملاء في بدايات التحاقي بالعمل الاخوة: إبراهيم الملحم، عبدالعزيز القويز، زامل الصغير، إبراهيم التركي، ناصر العديلي، يوسف القبلان، عبدالطيف العبدالطيف، سعود الحازمي، عبدالعزيز الطويان، محمود الرشيد، ومحمد السمنان، محمد البسام، عبدالله الناصر وأعتذر مقدما إن نسيت اسم أي من الزملاء فهم جميعا أعزاء. وابتعثت عام 1978م لدراسة الماجستير. وعدت بعد التخرج للعمل محاضراً في البرامج الإعدادية والتدريبية أثناء الخدمة لفترة، ثم توليت مهمة مدير التخطيط والتطوير حتى عام 1986م. حيث ابتعثت لدراسة الدكتوراه، وكانت العودة عام 1990م. عملت بعد ذلك في المعهد حتى عام 1996م، وكان آخر مهمة توليتها هي مدير عام برامج القطاع الأهلي. واعد نفسي محظوظا جدا بالتشرف في العمل بمعهد الإدارة العامة بعد التخرج مباشرة. فقد وجدت بيئة عمل متميزة ومثالية ابتداء من الإدارة العليا التي كان على رأسها معالي الدكتور محمد الطويل، والزملاء على كافة مستوياتهم، وبالطبع مكان العمل نفسه. لقد كنا نشعر أننا نعيش في واحة جميلة بمدينة الرياض، ونفتخر كثيرا بعضويتنا لهيئة التدريب في المعهد. وأذكر أن المعهد في ذلك الوقت كان واجهة لها مكانتها وأهميتها في الدولة، وكان من بين ابرز المواقع التي تضمن في برامج زيارات الشخصيات الرسمية والمشهورة القادمة للمملكة. ولقد كان التفاني والإخلاص، والنزاهة والالتزام والأمانة، واحترام الوقت والرقابة الذاتية، وروح التحدي، بعض من المبادئ التي كانت تغرس في أذهاننا وسلوكنا العملي.
ولذلك افتخر بأن أردد دائما أمام الجميع أن حياتي العملية ولدت وترعرعت في معهد الإدارة العامة. فهذا الجهاز العظيم ساهم كثيرا في صقل معارفي وسلوكي وخبراتي العملية على مدى 20 سنة، كانت من أجمل سنوات عمري. لقد تشرفت خلالها أن أكون واحدا من منسوبي هذا الصرح الشامخ. واعترف للجميع هنا، انه إبان عملي في المعهد كانت تراودني أحيانا عديدة هواجس واحباطات منبعها شعوري بأن المعهد قد لا يكون المكان الأمثل لاكتساب الخبرات العملية في مجال تخصصي العلمي (الاقتصاد). ولكن كان عزائي وتمسكي في المعهد، ما وجدته من بيئة عمل متميزة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى. فقد أتاح لي خلال سنوات العمل التي أمضيتها فيه، فرصة لاكتساب تنوع وكم كبير من المعارف والمهارات والخبرات سواء في العمل الإداري والاستشاري والتنظيمي والتدريبي، وهذا كله ساهم بشكل كبير في صقل ذاتي العلمية والعملية. باختصار استطيع القول إن المعهد كان يصقل في جميع موظفيه (قبل متدربيه) كيف يجب أن يكون موظف القطاع العام بكل سلوكياته ومهاراته ومعارفه.
ختاما، بكل فخر معهد الإدارة العامة في عقلي وقلبي وذاكرتي. لقد عشت بين جنباته أياما جميلة مع زملاء وإخوة أعزاء أجلاء لن أنساهم ما حييت. وإذا ما كان هناك كلمة اسطرها ضمن الخواطر المقدمة بمناسبة مرور خمسين عاما على إنشائه، فهي مشاعر التقدير والمحبة والاعتزاز موجهة أولا إلى الأب الروحي لي وللعديد من الزملاء بالمعهد (معالي الدكتور محمد الطويل)، ولجميع من أحب كيان معهد الإدارة العامة.