Al Jazirah NewsPaper Wednesday  04/11/2009 G Issue 13551
الاربعاء 16 ذو القعدة 1430   العدد  13551
في محاضرة (أثر البنى التحتية في الاقتصاد السعودي).. وزير النقل:
المشروعات المعتمدة لم تتأثر بالأزمة والدولة استمرت في الإنفاق على البنية التحتية

 

قدم وزير النقل الدكتور جبارة بن عيد الصريصري بحضور صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود الرئيس الشرفي لجمعية الاقتصاد السعودي محاضرة عن (اثر البنى التحتية على الاقتصاد السعودي) التي نظمتها جمعية الاقتصاد السعودية مؤخرا بقاعة الأمير سلطان بفندق الفيصلية بالرياض، ويسر صحيفة (الجزيرة) أن تنشر نص المحاضرة لما فيها من معلومات وما احتوت عليه من بيانات ومؤشرات مهمة، وفيما يلي نص المحاضرة: -

أصحاب السمو والمعالي والسعادة الزملاء

الإخوة والأخوات

أود أن أشكر جمعية الاقتصاد السعودية وعلى رأسها صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن سلمان بن عبد العزيز رئيس شرف الجمعية على كريم الدعوة للالتقاء بزملائي أعضاء الجمعية والمنتسبين إليها والمهتمين بأنشطتها، للحديث عن تطوير مشروعات البنية التحتية وأثرها على الاقتصاد الوطني, كما أود أن أشكر القائمين على الجمعية على جهودهم الطيبة واهتمامهم بمثل هذه الموضوعات التي في بحثها ودراستها إثراء للفكر الاقتصادي ومساهمة في المشورة للمسؤولين عن تنمية الاقتصاد الوطني الذي يعيش حراكاً وانفتاحاً غير مسبوق، في ظل قيادة حكيمة لا تألو جهداً في سبيل تحقيق وتحفيز وتشجيع النمو والتطوير في كل قطاعات التنمية في ظل ظروف دولية متأزمة أدت إلى التشكيك في المفاهيم الاقتصادية المعروفة، وظهور مدارس جديدة تدعو إلى إعادة النظر في الكيفية التي تدار بها المؤسسات المالية بل والاقتصاد الدولي.

وكلنا يعلم أنه عندما انفجرت الأزمة المالية العالمية قبل حوالي سنتين وأدت إلى دخول معظم الاقتصادات, ومنها اقتصادات الدول ذات التأثير البالغ في الاقتصاد العالمي في ركود , وانخفاض النمو في الدول التي كانت تشهد نمواً اقتصادياً عالياً مستمراً مثل الصين والهند انخفاضا غير مسبوق، تركزت الجهود الدولية ممثلة في مجموعة العشرين والمؤسسات المالية الدولية على تحفيز النمو الاقتصادي والخروج من الأزمة. وكان ذلك من خلال خطط منسقة للإنفاق الحكومي , وحظي القطاع المالي بالأضواء والتركيز الإعلامي المستمر.

غير أن الإنفاق على البنية التحتية وبالذات في هذه الظروف لا يقل أهمية وإن لم يحظ بالاهتمام المستحق. تفاعلت الأزمة كما هو معروف فانخفضت الصادرات والواردات، وجفت منابع السيولة المحركة للاستثمار وخرج العديد من الشركات من الأسواق , وخفضت الشركات الأخرى إنتاجها وأفلست بنوك ومؤسسات مالية لم يكن بالحسبان من قبل إفلاسها وزادت أعداد العاطلين عن العمل.

في خضم هذه الظروف لم يكن الهدف فقط الخروج من الأزمة بأسرع وقت ممكن، وان كان التركيز على هذا الهدف سياسياً وإعلامياً مفهوماً بسبب التداعيات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي صاحبت الأزمة. العلاج السليم للخروج منها لا بد وأن يشمل التخطيط لما بعدها. في تلك الفترة تصبح المنافسة بين الدول على التصدير والاستثمار شديدة , فالدول التي لديها اقتصادات مرنه ذات منافسة عالية هي التي تخرج من الركود الاقتصادي بشكل أسرع.

وحيث تلعب البنية التحتية دوراً بارزاً في توسعة الطاقة الاستيعابية ورفع الكفاية الإنتاجية , وتحسين الجودة يصبح الاستثمار في البنية التحتية وقت الأزمة من أكثر منافذ الإنفاق جدوى. في أوقات الركود الاقتصادي لا يتوجه الاستثمار إلى الإنتاج.. عوامل العرض والطلب في تلك الظروف لا تجعل دراسات الجدوى للمشروعات مشجعة.. في تلك الظروف ينخفض الإنفاق الخاص وتظهر الحاجة كما رأينا إلى الإنفاق العام وأفضله الإنفاق على البنية التحتية التي تؤدي إلى رفع كفاءة الاقتصاد وزيادة تنافسيته في المستقبل بحيث يصبح مهيأً للمنافسة عند الخروج من الأزمة.

إذاً الاستثمار في البنية التحتية في أوقات الركود الاقتصادي يحقق هدفين مهمين: الأول ويعمل في المدى القصير: المساهمة في تحقيق النمو من خلال السيولة الناجمة عن الإنفاق الاستثماري، وقد رأينا ذلك في المملكة عندما صدرت الميزانية العامة للدولة بمشروعات ضخمة ورفعت معدلات الصرف عليها، والثاني ويعمل في المدى المتوسط والطويل: زيادة الطاقة الاستيعابية للاقتصاد بشكل يؤدي إلى الحيلولة دون ظهور اختناقات ضاغطة على النمو بحيث يتزامن استكمال مشروعات البنية التحتية مع الوقت الذي يبدأ فيه الاقتصاد بالتعافي.

المشروعات المعتمدة لم تتأثر بالأزمة

أدركت المملكة هذه الحقيقة حيث قرر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود منذ بداية الأزمة المالية العالمية أن مشروعات الدولة المعتمدة لن تتأثر بالأزمة وأنها لن تلغى أو تؤجل بسببها. لذلك واصلت المملكة إنفاقها على مشروعات البنية التحتية بميزانية لهذا العام، هي الأعلى في تاريخها.

ولعلنا نتفق على أن العلاقة طردية بين التقدم الاقتصادي وتوافر البنية التحتية المتطورة. وبمراجعة خطط المملكة الخمسية نجد أن المملكة أدركت هذه الحقيقة منذ بداية التخطيط الاقتصادي المنظم، فمثلاً بلغت نسبة الإنفاق على مشروعات البنية التحتية في الخطط الخمسية الأولى والثانية والثالثة من جملة الإنفاق (41%) و(49%) و(41%) على التوالي. واستمرت الدولة في الإنفاق على البنية التحتية، إذ وجهت نسبة كبيرة من الميزانية العامة للدولة لهذا العام لتنفيذ مشروعات البنية التحتية بمختلف القطاعات والرفع من مستوى كفاءة البنية التحتية القائمة.وحيث يأتي دور قطاع النقل في مقدمة قطاعات البنية التحتية وعمودها الفقري فسوف استخدمه كأنموذج للحديث عن أثر مشروعات البنية التحتية على الاقتصاد الوطني، ويمكن النظر إلى هذا الأثر من زاويتين مترابطتين:

الأولى: تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد السعودي على المستوى الإقليمي والدولي: -

المملكة عضو في منظمة التجارة العالمية التي قضت تقريباً على الحماية الجمركية في مجال السلع وتسعى إلى القضاء عليها (أي الحماية) في مجال الخدمات مما سحب وسيلة مهمة كانت بيد الدول لحماية منتجاتها. المملكة أيضاً عضو في منطقة التجارة العربية الحرة وتشكل مع بقية دول مجلس التعاون الخليجي اتحاداً جمركياً، ووقعت اتفاقيات ثنائية مع عدد من الدول الإقليمية وتسعى إلى الدخول في منطقة تجارة حرة مع العديد من الدول، لذلك من المهم جداً العمل على تحقيق المرونة في الاقتصاد الوطني وزيادة تنافسيته.

ويلعب قطاع النقل دوراً بارزاً في تحقيق هذا الهدف، فربط المملكة مع الدول المجاورة بطرق برية ذات كفاءة عالية وخطوط السكك الحديدية وموانئ ذات سعة عالية يسهل وصول المنتجات السعودية إلى الأسواق الأخرى ويزيد من تنافسيتها، أيضاً يخفض تكاليف استيراد المواد الأولية بحيث ينعكس ذلك على التكاليف الكلية للمنتجات السعودية، كما أنه يشجع الاستثمارات المحلية والأجنبية في المملكة.

الثانية: تعزيز التنمية وتشجيع النمو الاقتصادي

المملكة بلد واسع بتضاريس مختلفة ومناخ متنوع وشواطئ طويلة على البحر الأحمر والخليج العربي تتوافر بها المناطق السياحية والزراعية والمعادن. استغلال المزايا النسبية للمناطق المختلفة ذو أهمية قصوى في رفع معدلات النمو الاقتصادي ورفع مستوى المعيشة وتحقيق التنمية المتوازنة التي يسعى إليها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز. توافر البنية التحتية الجيدة للنقل التي تربط مناطق الإنتاج سواءً كان ذلك زراعياً أو صناعياً أو تعدينياً أو التي تربط مناطق الجذب السياحي بالمناطق التي يتركز فيها السكان يؤدى إلى زيادة الاستثمار والإنتاج والدخل والإنفاق وأثر هذه الدورة من خلال المعجل على النمو والتنمية لا يحتاج إلى تفصيل.

النجاح في الاستفادة القصوى من المزايا النسبية للمناطق المختلفة إضافة إلى فوائده الاقتصادية له أبعاد أخرى اجتماعية وبشرية وثقافية. استغلال هذه المزايا يوجد أنشطة اقتصادية توفر فرص العمل والإنتاج في تلك المناطق. وهذا الوضع يحفز سكان هذه المناطق على البقاء فيها فبدلاً من الهجرة من هذه المناطق إلى المدن وما يصاحب ذلك من تضخم المدن السكاني وظهور السلبيات المتعددة الناتجة عن ذلك، بدلاً من ذلك يبقى سكان هذه المناطق في مناطقهم مستفيدين من الفرص المتاحة وربما يؤدى تحقيق هذا الهدف إلى ظهور هجرة معاكسة، هجرة من المدن إلى هذه المناطق.

ولهذا نعتبر قطاع النقل عنصرا مهما ليس فقط في مجال التنمية الاقتصادية وإنما أيضاً في التنمية الاجتماعية وعنصرا مهما في استراتيجية مكافحة الفقر. ولهذا الغرض نضع في وزارة النقل ربط مناطق الإنتاج بمناطق الاستهلاك والتصدير وربط المناطق السياحية بالمناطق التي يتركز فيها السكان في سلم أولويات عملنا، نعمل ذلك بالتنسيق الوثيق مع الجهات الحكومية المختلفة بما في ذلك الهيئة العامة للسياحة.

والسؤال الآن ماذا لدينا؟

في مجال الطرق

في مجال الطرق لدينا شبكة واسعة من الطرق السريعة والمزدوجة والمفردة يبلغ طولها (53) ألف كيلومتر، وتحت التنفيذ طرق مختلفة يبلغ طولها (30) ألف كيلومتر، ويجرى العمل فيها على عدة مسارات: بناء طرق جديدة ورفع كفاءة الطرق الحالية بتحويل الطرق المفردة إلى مزدوجة، والمزدوجة إلى سريعة، في بناء الطرق نولي اهتماما خاصاً بالطرق الزراعية للاعتبارات التي تقدمت التي منها رفع مستوى الدخل للسكان في المناطق الزراعية، وإيجاد أنشطة اقتصادية تمكنهم من الاستقرار في مناطقهم. إن الأمثلة على إسهام الطرق في التنمية بكل صورها الاقتصادية والاجتماعية والبشرية عديدة ويمكن معرفة حجم هذه المساهمة والنقلة النوعية الكبيرة التي أحدثتها في مختلف مناشط الحياة من خلال النظر إلى أي طريق يربط منطقة بأخرى أو مدينة أو قرية أو هجرة بأخرى.

من أجل ذلك تقضى توجيهات خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد وسمو النائب الثاني بالاستمرار بقوة بهذا النهج.. ومن أجل ذلك وجه خادم الحرمين الشريفين باعتماد مبالغ كبيرة خارج الميزانية العامة للدولة إضافة إلى ما اُعتمد في الميزانية لتنفيذ مشروعات البنية التحتية في بعض المناطق التي اتضح حاجتها لدعم أكبر.

في مجال الخطوط الحديدية

في مجال الخطوط الحديدية تربط شبكة الخطوط الحديدية الحالية منطقتي الرياض والشرقية بخط للركاب وآخر للبضائع. من خلال هذه الشبكة تم نقل أكثر من مليون ومائة ألف راكب و(260) ألف حاوية في عام 2008م. ولحاجة هذه الشبكة إلى التطوير قامت المؤسسة العامة للخطوط الحديدية بتحديث الخط الحديدي للركاب لتأهيله لتسيير قطارات عالية السرعة عليه وتقليص زمن الرحلة من الدمام إلى الرياض إلى ثلاث ساعات فقط منها توريد قطارات تبلغ سرعتها (180) كلم في الساعة وتدشين مركز التحكم الرئيسي الذي يتيح تحويل القطارات من بعد ومراقبة سير القطارات والاتصال بطواقم القيادة، ومنها إنشاء (35) جسرا خرسانيا على امتداد الخط الحديدي من الدمام إلى الرياض، وتنفيذ السياج والبوابات على جانبي الخط الحديدي، والانتهاء من ازدواج (60%) من الخط الحديدي، وتعزيز أسطول نقل البضائع بإضافة (420) عربة جديدة تعمل بتقنية النقل المزدوج، إضافة إلى حزمة من الإجراءات المتعلقة بتحسين الخدمة منها إصدار التذاكر الإلكترونية والحجز عن طريق الإنترنت.ويتم حالياً تنفيذ توجيهات خادم الحرمين الشريفين بتوسعة شبكة الخطوط الحديدية التي باستكمالها سوف تخدم مناطق لا يقل عدد سكانها عن (80%) من السكان و(80%) من النشاط الاقتصادي، وتشمل التوسعة ثلاثة مشروعات عملاقة:

أولها: قطار الشمال - الجنوب الذي يتكون من فرعين أحدهما لنقل المعادن من مناطق التعدين من شمال غرب ووسط المملكة إلى ميناء رأس الزور على الخليج العربي، والآخر لنقل الركاب والبضائع يبدأ من الحدود مع الأردن ويلتقي بالشبكة الحالية بالرياض مروراً بمناطق الجوف والحدود الشمالية وحائل والقصيم ومن المقرر الانتهاء من الجزء الأول منه في العام القادم - إن شاء الله -.

وثانيها: قطار الحرمين وهو عبارة عن خطوط حديدية مكهربة تربط مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة بقطارات سريعة بأحدث التقنيات وبناء خمس محطات للركاب، محطة في مكة المكرمة ومحطتان في جدة أحدهما في مطار الملك عبد العزيز ومحطة في رابغ والخامسة في المدينة المنورة، وقد بدأ العمل بهذا المشروع ومن المقرر أن ينتهي العمل به في عام 2012م - إن شاء الله -.

وثالثها: الجسر البري الذي يعمل على ربط موانئ المملكة الرئيسة في جدة على الساحل الغربي والرياض (الميناء الجاف) في الوسط والدمام والجبيل على الساحل الشرقي بخط حديدي يبلغ طوله (1150) كيلومترا، وسيكون لهذا المشروع أثر إيجابي كبير على الاقتصاد الوطني بنقله البضائع الواردة من أسواق شرق آسيا عن طريق الدمام والبضائع المنتجة في المناطق الصناعية في المنطقة الشرقية إلى أسواق المملكة في المناطق الأخرى والأسواق الأوروبية والأمريكية. وكذلك نقل البضائع الواردة من أوروبا وأمريكا عن طريق ميناء جدة والبضائع المنتجة في المناطق الصناعية في منطقة مكة المكرمة إلى أسواق المملكة الأخرى والأسواق الخليجية والأسيوية. ومن المقرر الإعلان عن المشروع قريباً.

في مجال الموانئ:

لدى المملكة شبكة ممتدة من الموانئ على ساحلي البحر الأحمر والخليج العربي تتكون من ثمانية موانئ صناعية وتجارية إضافة إلى ميناء تاسع للمعادن في رأس الزور على الخليج العربي تحت التنفيذ. هذه الموانئ مجهزة بأحدث المعدات والمرافق والتجهيزات ووسائل السلامة لاستقبال جميع وسائط النقل البحرية مهما بلغت مراحل تطورها. ويبلغ عدد الأرصفة في الموانئ (184) رصيفاً بطاقة استيعابية تبلغ (250) مليون طن سنوياً.

والموانئ السعودية أول قطاع خدمي يتم تخصيص مرافقة، ففي عام 1997م صدر أمر سام بإسناد جميع أعمال تشغيل وصيانة وإدارة الأرصفة والمعدات التابعة للموانئ إلى القطاع الخاص. القطاع الخاص حالياً يتولى إدارة المحطات والاستثمار فيها بما في ذلك الإنفاق على التشغيل وتأمين المعدات وبناء أرصفة جديدة والتعاقد مع الخطوط الملاحية للحصول على أكبر حصة ممكنة من سوق الشحن والمسافة في منطقة الشرق الأوسط.

التخصيص في الموانئ

وفي السنوات القليلة الماضية انتقل التخصيص في الموانئ إلى مستوى أعلى ببناء محطات جديدة عملاقة متكاملة بأحدث الأساليب وبآلاف الملايين من الريالات من قبل القطاع الخاص بأسلوب ال BOT منها المحطة الثالثة للحاويات في ميناء جدة الإسلامي التي ينفذها ويستثمر فيها تحالف سعودي - ماليزي بطاقة استيعابية تصل إلى مليوني حاوية قياسية ترفع الطاقة الاستيعابية للميناء إلى أعلى من خمسة ملايين حاوية قياسية.

ومنها محطة ثانية مشابهة للحاويات في ميناء الملك عبد العزيز بالدمام. وبمراجعة ما تحقق من خلال التخصيص نجد مزايا عديدة منها جذب استثمارات وطنية وأجنبية كبيرة للموانئ بشكل خاص والاقتصاد الوطني بشكل عام , ونقل التقنية من خلال إدارة المحطات بواسطة تحالف شركات سعودية مع شركات عالمية كبيرة رائدة في الصناعة البحرية , وتوفير فرص عمل للمواطنين , وزيادة تنافسية الموانئ السعودية وتوفير مبالغ كبيرة للدولة كانت تنفق على بناء وإدارة المحطات , بل أصبحت الموانئ من مصادر الإيرادات المحلية للميزانية العامة.

فالموانئ لم تعد مرفقاً لاستيراد وتصدير السلع كما كانت سابقاً , بل أصبحت مدناً اقتصادية تتكامل بها الأنشطة البحرية من صناعة وخدمات ذات صلة بهذا المرفق. وكلما نجحت في هذا الميدان كلما ازدادت جذباً للاستثمارات والتقنية وكلما زادت مساهمتها في الاقتصاد الوطني. وكمثال على ما تحقق في موانئنا دخلت صناعة بناء السفن المملكة في عام 1424هـ من خلال التعاون والتسهيلات التي قدمها ميناء الملك عبد العزيز بالدمام لشركة الزامل للصيانة والتشغيل، حيث أثمر هذا التعاون تأسيس شركة لبناء السفن في ساحة الميناء صنعت حتى الآن 13 قطعه بحرية متنوعة وتعتزم الشركة التوسع في هذه الصناعة ذات الأهمية الاستراتيجية والأبعاد الاقتصادية الجيدة. كذلك دخلت صناعة المنشآت النفطية المملكة لأول مرة في الميناء ذاته عندما قدمت المؤسسة العامة للموانئ في بداية عام 1428هـ تسهيلات لشركة الطاقة والرشيد للأعمال البحرية مع شريك أجنبي لتصنيع المنشآت النفطية الخاصة بالتنقيب وإنتاج النفط والغاز في عرض البحر، حيث بدأ التصنيع هذا العام وستكون الدفعة الأولى سبع منصات بحرية لشركة ارامكو السعودية.

كانت هذه القطع البحرية والمنشآت النفطية الخاصة بالتنقيب وإنتاج النفط تستورد. أما الآن فتنتج محلياً.. نقل للتقنية، وإيجاد فرص عمل، وتحسين في الميزان التجاري، وخلق فرص لتأسيس صناعات وأنشطة اقتصادية مرتبطة بها.

تعتبر البنية التحتية شريان التنمية. ما لم تتوافر بنية تحتية متطورة تصبح جهود تحقيق التنمية المستدامة والرفع من معدلات النمو الاقتصادي إلى المستوى الذي يحقق ارتفاعات متتالية بمستوى الدخل تصبح جهوداً غير ذات جدوى.. كيف يمكن للتنمية أن تنجح وللاقتصاد أن يزدهر إذا لم يتم ربط مناطق الإنتاج والاستهلاك والتصدير ببنية تحتية متطورة كماً وكيفاً؟

هذه الحقيقة كانت حاضرة لدى قيادة المملكة منذ بداية التأسيس على يد المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن - رحمه الله - فاعتمدت المبالغ وفقاً للظروف المالية في كل مرحلة لبناء المدارس والمستشفيات والصرف الصحي والاتصالات والمطارات والطرق مواجهة بنجاح التحدي المتمثل في توفير الموارد المالية الكافية واتساع رقعة المملكة. وفي الوقت الحاضر في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أصبحت المملكة باتساع رقعتها ورشة عمل لم تستثن منطقة أو مدينة أو قرية من المشروعات بمختلف أنواعها.. في قطاع النقل مثلاً ننفذ الآن شبكة من الطرق يبلغ طولها ثلاثون ألف كيلو متر لتضاف قريباً إلى شبكة يبلغ طولها ثلاثة وخمسون ألف كيلو متر. وفي سكك الحديد تنفذ مشروعات تربط شرق المملكة بغربها وشمالها بجنوبها تصل إلى الموانئ (منافذ الاستيراد والتصدير) على الساحلين الشرقي والغربي، وتصل إلى المدن الاقتصادية ومناطق التعدين وتصل إلى الحدود مع الأردن، وعند اكتمال شبكة الخطوط الحديدية الأردنية مع سورية يصبح بإمكان منتجاتنا الوصول إلى أوروبا عن طريق تركيا بالقطارات. أضف إلى ذلك مشروع ربط دول مجلس التعاون بخطوط حديدية. وفي الموانئ ينفذ ميناء جديد على الخليج العربي لصهر المعادن وقيام صناعات جديدة، إضافة إلى التطوير الكمي والنوعي لبقية الموانئ.

اجزم أن اثر هذه المشروعات وغيرها من مشروعات البنية التحتية على الاقتصاد الوطني عند اكتمالها سوف يكون اكبر مما يتصوره الكثيرون. وحيث إنني في ضيافة جمعية اقتصادية مرموقة ومع جمع من الأساتذة والمفكرين والخبراء الاقتصاديين أرى من الأفضل ترك تقدير الأثر المستقبلي لهذه المشروعات لكم.. لا يفتى ومالك في المدينة.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد