الحراك الاجتماعي هو سمة طبيعية لدى المجتمعات، يختلف مقدار هذا الحراك من مجتمع لآخر، وإذا نظرنا إلى مجتمعنا السعودي سنلاحظ أن الحراك القائم في السنوات الأخيرة سريع جداً، وهذه صفة إيجابية تعني (التغيير) لكن المهم أن لا يأخذنا هذا الحراك السريع إلى حيث عدم القدرة على التمييز بأن يكتسب هذا التغيير الصفة الإيجابية ومعرفة الصواب من الخطأ. من مؤشرات هذا التغيير ما قرأته عن الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في بيانها الصادر حول أحداث شغب الخبر، في الحقيقة أرجأت الكتابة في هذا الموضوع إلى حين قراءة ردود أفعال أصحاب الرأي لكني لم أجد من تناول هذا الموضوع بحيادية، وقام البعض بالتصفيق والتهليل للجمعية على بيانها الذي جاء في ظاهره كمؤشر ديمقراطي، لكن في باطنه شيئاً من التناقضات من جهة وعدم الحيادية من جهة ثانية، إذ إن الكلام سهل والبيانات المعلبة والجاهزة أسهل منها، وتمنيت لو أن الجمعية في بيانها اليتيم والأول منذ تاريخ إنشائها أن تنشر بياناً يضيف إلى رصيدها الإنساني، فهي ترى أن جلد مشاغبي الخبر عمل غير قانوني، وليتها تصدر بياناً عن النساء السجينات اللاتي تنتهي مدة محكوميتهن ويرفض أهاليهن استلامهن فيبقين داخل الزنازين في محكوميات مضاعفة بلا حول لهن ولا قوة، وليت الجمعية أظهرت لنا قدراتها في بيان يدين تجرأ عناصر قضائية في محاكمة إعلامية ليست من صميم عملها بل هو عمل يدخل في صلاحيات وزارة الثقافة والإعلام!
أتساءل.. وأنا أتصفح صور الخراب والدمار الذي أحدثه مشاغبو الخبر، هل أسدل الستار على هذه القضية؟ وما هو مصير أصحاب المحلات والأملاك التي طالها ذلك الدمار؟ كثيرة هي الأسئلة التي تنقصها الإجابات، إلا أن ما وددت توضيحه من خلال تأكيدي على وجود تناقضات في بيان الجمعية، وهو ما استندت عليه في بيانها من خلال المادة الثامنة والثلاثين من نظام الحكم، والتي تقول: (العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على نص شرعي، أو نص نظامي، ولا عقاب إلا على الأعمال اللاحقة للعمل بالنص النظامي). هذه المادة جاءت واضحة وصريحة، فالنص الشرعي وكما هو معلوم هو الصادر عن القضاء الشرعي، أما النص النظامي فكما يتضح هو الصادر عن الحاكم الإداري، والذي يؤكد عليه ما جاء في الفقرة (أ) من المادة السابعة من نظام المناطق الصادر بالأمر الملكي رقم أ-92 إذ تقول المادة: (على كل أمير منطقة أن يتولى المحافظة على الأمن والنظام والاستقرار واتخاذ الإجراءات اللازمة لذلك وفقاً للأنظمة واللوائح)، بطبيعة هذه الحالة الراهنة أمامنا في شغب تضرر منه الوطن وأبناؤه وكان من الممكن لولا سيطرة الجهات الأمنية أن يتفاقم الأمر ويصل إلى إلحاق الدمار ببيوتنا وأعراضنا، فكان لا بد من العقوبة الزاجرة التي توقف هذا الشغب عند حد معين، وأرى أن هذا التدخل السريع كان ضرورياً وأن عقوبة الجلد مهمة في هذه الحالة مع أني أرى أنها كانت عقوبة رحيمة وكان هؤلاء المشاغبون يستحقون أكثر من ذلك، ويكفي أن نقرأ تلك الصورة الإنسانية عندما تم تنفيذ العقوبة بهم حينما مُنع تصوير هؤلاء الشباب الشاذين وذلك حرصاً وخوفاً على سمعتهم، في حين أنهم لم يأبهوا بسمعة الوطن، وهنا لا بد من التركيز على الحلول السريعة التي لا تخالف الأنظمة ولا القوانين والتي تكون ضرورة ملحة لحفظ أمن واستقرار هذا البلد.
وبعد هذا كله، وكما عرفنا إنسانية ولاة أمر هذا البلد، عفا عنهم أمير المنطقة الشرقية، وأطلق سراحهم ليعودوا إلى أهاليهم هادئين مطمئنين بعد أن قتلوا فرحة الناس في يومهم الوطني، ودمروا الأملاك، وانتهكوا بلداً يُعطي دون أن ينتظر مقابل. وبعد هذا كله تدعم الجمعية أعمالهم المشينة بتوفير الأعذار لما قاموا به باسم حقوق الإنسان، ألم تفكر الجمعية بحقوق الإنسان المواطن؟ ألم تفكر بحقوق الإنسان الذي فتح محلاً يسترزق منه وجاء له شاب تغذى بالروح التدميرية فدمر رزقه؟ نعم أشجع جمعية حقوق الإنسان لتكون مؤسسة رقابية فاعلة، لكن الأهم قبل هذا أن تقيس الأمور بمنطقية.
أمر غريب، يدعو كذلك وزارة التربية والتعليم إلى مراجعة مادة التربية الوطنية، ألم يدرسوا هؤلاء الشباب هذه المادة؟ لتعقد إذن وزارتنا ومؤلفو هذه المناهج اجتماعاً يعطينا مُخرجات التربية الوطنية، فما شاهدناه على أرض الواقع لهو أمر أكبر من هذا بكثير ويستحق بجد لجاناً على أن تكون فاعلة لا شكلية!
www.salmogren.net