Al Jazirah NewsPaper Wednesday  04/11/2009 G Issue 13551
الاربعاء 16 ذو القعدة 1430   العدد  13551
نظرية داروين والتوطين
د. عبدالله بن سعد العبيد

 

أكثر ما يزعج الشخصية الواقعية التي يعتمد صاحبها على التحليل والمنطق هو ما يسمى بالمسلمات. المسلمات عبارة عن بعض الأقوال التي لا يمكن نقضها أو دحضها بفعل غياب القدرة على إثبات عكسها والتي تستمر استمرار الزعم بوقوعها وواقعيتها.

يعجز الكثير من الأشخاص عن تفسير عدد مما يعرف بالمسلمات نتيجة خوفهم من المساس بها أو الاقتراب منها أو لعدم قدرتهم على تحليل الأمور وإثبات ما ينفي وجود تلك المسلمات حتى تشكل لدينا عدد كبير منها واندرجت فيما يشبه بقاموس يحتوي على العديد منها. حتى ذهب الكثير إلى استخدام ذلك القاموس لتمرير وتبرير عدد من الرؤى التي يؤمنون بها بل ذهبوا لأبعد من ذلك من خلال توريثهم لتلك الأقوال المزعومة عبر ما يمتلكون من قوى مختلفة سواءً كانوا آباء أو مديرين أو عبر أدوار عملية واجتماعية مختلفة.

إن تسويق بعض الأقوال السلبية وصبغها بمفهوم المسلمات إنما يكرسها ويعززها ويجعل منها ثوابت تُشكل فكراً معيناً مع أو ضد قضية ما أو شخص ما أو حتى مجتمع ما، فما يعرف بالقوالب الجامدة ما هو إلا مجموعة من المسلمات التي تم تثبيتها في عقول الناس في صالح أو ضد شيء ما. فيذهب معتنقو تلك القوالب إلى رفض أية محاولة لتغيير تلك المسلمات فيما يحاول المتضررون أن يفعلوا ما بوسعهم لإحداث تغيير في الفكر العام الذي تشكل بفعل تكريس مجموعة من المسلمات التي أحدثت ضرراً مباشراً بهم.

إن قضية التوطين إحدى القضايا التي عانت ولا تزال من مجموعة من المسلمات التي تشبه إلى حد بعيد الرياح العكسية التي تسير بسرعة فائقة في عكس اتجاه القطار محدثةً ثقلاً غير عادي بوزنه ما ينتج عنه انخفاضاً هائلاً في سرعته وربما إيقافه.

يذهب عادةً مروجو الفكر المضاد لمحاولة تكريس مفاهيم معينة عن الشباب السعودي كمسلمات سلبية يتذرعون بها للهروب من توظيفهم، فيخترعون ويبتكرون الأسباب التي ما تلبث أن تتحول بفعلهم وإرادتهم إلى مسلمات يؤمن بها ويروج لها أعوانهم ممن يشاركونهم عدم الرغبة في توفير فرص العمل لشباب الوطن فتكثر لديهم مقولات يعتبرونها مسلمات لا تقبل التشكيك مثل كون الشباب السعودي لا يرغب بالعمل المجهد ولا يرغب بالعمل إلا في وظائف إدارية وإشرافية ويرغب بتقليص عدد ساعات العمل وأنهم أي الشباب كثيرو الغياب ولا يتحملون المسؤولية وكثير من الأقوال الباطلة التي أضحت لديهم مسلمات لا يشوبها الخطأ ولا تقبل التشكيك. وإن حاول أحد أطراف الفريق الآخر أو من تسول له نفسه محاولة تغيير جُل أو بعض تلك المسلمات واجهته عاصفة من الأدلة والبراهين المؤكدة على صدق مسلماتهم وحسن نواياهم وأركبوه رحلة الجدل البيزنطية التي لا تتوقف.

إن الأرقام المتوافرة لدى الجهات الحكومية والخاصة المعنية بأمر توظيف أبناء الوطن كفيلة بإثبات عكس ما يسلّمون به. إن أدوات قياس الأداء لدى الجهات المختلفة حكومية أكانت أو خاصة تؤكد نقيض ما يؤمنون به. إن أعداد الشباب السعودي الباحثين عن عمل لدى مختلف الجهات باختلاف أنشطتها يدحض ما يزعمون به. إن أعداد الشباب السعودي الذين شقوا طريقهم واعتلوا المناصب بعد أن بدأوا بوظائف مهنية بسيطة لشاهد على اختلاقهم لقاموس المسلمات الذي استخدموه ليمرروا ما شاءوا بهدف الهروب من توظيف أبناء هذا البلد الذي لم يبخل عليهم وكان سبباً مباشراً بعد مشيئة الله عز وجل فيما ينعمون به متناسين أن ما يقومون به إنما يسيء لأبناء بلدهم ليس فقط من خلال حرمانهم فرص العمل والتقدم وبالتالي حرمان البلد من التقدم الاقتصادي المنشود وإنما من خلال الإمعان في تكريس مفاهيم مغلوطة تنال من سمعة أبناء البلد أولاً والبلد بشكل عام ثانياً.

لقد أسقط مؤخراً مجموعة من العلماء الأمريكيين نظرية كان التشكيك فيها قبل ذلك يُعتبر ضرباً من ضروب المستحيل وكانت تُعتبر من مسلمات العصر التي لا تقبل التغيير ولم يجرؤ قبلهم أحداً على محاولة إثبات عكسها وهي نظرية دارون التي كانت تسلم بأن أصل الإنسان قرد، لكنهم استطاعوا بالعلم والعمل فقط من إسقاطها وإثبات عكسها. وأظهروا للعالم ضحالة فكر من آمن بها بل ومن روّج لها من علماء في المجال ذاته آثروا أن يكونوا إمعات وينقلوا ويدرسوا تلك النظرية عن محاولة الغوص فيها للتأكد من صحتها وما إذا كانت تستحق أن يتم اعتبارها مسلمة من المسلمات العلمية التي لا ينبغي الاقتراب منها أو محاولة دحضها.هل يثبت شباب الأمة، شباب الأمل، سواعد المستقبل عكس المسلمات التي تنادي بسلبيتهم وتقاعسهم وتكاسلهم. هل يستطيعون أن يبرهنوا للعالم أن ما يرّوج له البعض غير صحيح وأنهم على قدر المسؤولية والعزائم؟. إلى لقاء قادم إن كتب الله.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد