Al Jazirah NewsPaper Tuesday  03/11/2009 G Issue 13550
الثلاثاء 15 ذو القعدة 1430   العدد  13550
معركتنا ضد الحوثية.. فلنصطف لها وطنياً وإقليمياً
عبد الملك طاهر المخلافي

 

من ضمن أهم نصائح نكيولا مكيافللي - الفيلسوف السياسي الإيطالي الشهير 1469 - 1527م- للحاكم في كتابه الأمير, أن عليه إذا ما رأى أن جماعة ما بدأت بالتبلور والظهور على أي أساس, أن يبادر إلى وأدها في المهد قبل أن تكبر وتصبح كياناً خطراً يشكل نداً للدولة. ونحن اليمنيين في هذه المرحلة نشهد حالة من الظهور لما يعرف بجماعة (الحوثي), هذه الجماعة الناشئة على أساس عَقَدي وعنصري مقيت, والتي بما تحمله من أفكار ومشاريع تمثل حالة صارخة من التناقض مع قيم الحياة العصرية والديموقراطية والنضال السلمي, لأن ما تقوم به من خروج على الدستور وتدمير للممتلكات العامة والخاصة وقتل وتشريد للمواطنين الأبرياء يوحي بأنها شرذمة عدمية لا تستحق الحياة وليس لها أية مطالب مشروعة يمكن الالتفات لها والتعاطف معها, فهي- أي جماعة الحوثي- لم تفصح حتى الآن عن أهدافها ومقاصدها الحقيقية, واكتفت برفع شعار (الموت لأمريكا وإسرائيل), وهو شعار غير عملي ويتناقض بشكل مطلق مع سلوكها الإجرامي على أرض الواقع, في حين أن المتضرر والنازف الوحيد هو الشعب اليمني عسكرياً واقتصادياً واجتماعياً ونفسياً.. أما أمريكا وإسرائيل فلم تخسر في هذه المعركة قلامة ظفر جندي واحد من جنودها.

إن جماعة بهذا القدر الموغل في التخلف والفوضى والعبثية والكراهية للمجتمع يفترض أن ينتفض المجتمع بكل مكوناته السياسية ومنظماته المدنية وقياداته الاجتماعية والفكرية والأدبية والدينية والأكاديمية للاصطفاف والتصدي لها قبل أن يستفحل خطرها ويتسع نفوذها وتستقطب أنصاراً آخرين داخلياً وخارجياً. وفي هذا الإطار يصاب المرء بالحيرة والاستغراب بل ويضيق صدره عندما يرى أن بعض القوى السياسية والحزبية تقف موقف المتفرج من هذا السرطان الخبيث المتمدد على الخارطة الوطنية, بل وتنتهز هذا الجرح العميق في خاصرة الوطن لتتخذ منه مسرحاً للنكاية والتشفي بالحاكم, متنصلة من المسؤولية إزاء هذه المسألة من منطلق أن جماعة الحوثي صنيعة رسمية وتمّ دعمها لسنوات خَلَت من خزينة الدولة, وذلك بهدف استغلال هذه الأزمة كفرصة مواتية للحصول على مكاسب وتنازلات حزبية.

أعتقد أن المعارضة وغيرها من القوى الاجتماعية التي تفكر بهذه الطريقة فإنها لا شك تعاني من خلل كبير في نظام الإدراك والتفكير والرؤية المستقبلية للعمل السياسي والوطني, فيما يفترض أن تفهم أن للعبة السياسية الداخلية ظروفها وشروطها ومساحتها وخطوطها الحمراء التي لا يمكن تجاوزها بأي حال, باعتبارها ثوابت وطنية لا يجوز المساس بها من أي طرف يهدد أسس ومقومات الكيان الوطني العام... ولا أدري ما إذا كانت المعارضة يسرها سقوط السقف فوق الجميع وانفراط عقد الدولة ما الذي يمكن أن تحكم دفته بعد ذلك باعتبارها البديل المحتمل للحكم. لا ينكر أحد أن ظاهرة الحوثية لقيت بعض الدعم في بدايات نشأتها مثلها مثل غيرها من الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني وهذه حقيقة لا مجال للمجادلة فيها, وربما كان لذلك ما يمليه في نطاق التكتيكات السياسية ولعبة التوازنات التي ينتهجها الحكام في كل المجتمعات, باعتبار أن مهمة السياسي في أي مجتمع إدارة التوازنات السياسية وصياغة المعادلات الوطنية المطلوبة التي ترضي كافة المصالح الفرعية, وتجعل المصلحة العليا للوطن هي المتسيدة على جميع المصالح, ومن ثم يمكن الجزم بأن القيادة السياسية لم تكن ترمي من وراء ذلك الدعم للحوثية أن تصبح جماعة مسلحة وعلى درجة عالية من التسلح والتحصن والندية للدولة فهذا أمر واضح ومحظور دستورياً, لأن إنشاء التشكيلات العسكرية والأمنية حق حصري للدولة فقط.

ختاماً لا أحد ينكر ما تقوله المعارضة وأيضاً السلطة من أن هناك ضعفا وفسادا في أداء الحكومة نتيجة سوء السياسات وعدم تمكين الكفاءات وغياب التقييم والرقابة والمساءلة, إلا أن كل ذلك لا يبرر لأحدٍ سواء في الحكم أو المعارضة التخاذل والتفرج على وطن يذبح من الوريد إلى الوريد ويتعرض لعملية تخريب وتدمير شرسة منظمة ومسنودة خارجياً دون هدف واضح. لذلك يتحتم على الجميع نسيان الخلافات البينية أو تجميدها في هذه المرحلة الخطيرة والوقوف صفاً واحداً في وجه (المشروع الحوثي), كلٌ من موقعه وبحسب قدرته لحسم هذه الحرب المفروضة على البلد.. هذه الحرب المقدسة مسؤوليتنا جميعاً من أجل حماية اليمن ودرء المخاطر عنه فهو الباقي فيما الحكام راحلون والحكومات والسياسات متبدلة. ليس ذلك فحسب بل أعتقد جازماً أن المشروع الحوثي ليس حلقة العنف الوحيدة في المنطقة إنما هو حلقة أولى ضمن سلسلة طويلة تستهدف أمن المنطقة العربية برمتها, وما لم ينشأ اصطفاف يمني وإقليمي (خليجي وعربي) لتطويقه ومحاصرته فإنه سيستشري وسيشجع كثيراً من الخلايا النائمة على شاكلته على أن تطل برأسها وتنهج نفس الأسلوب في مواجهة الدول وهو ما سيشعل الحرائق في كل جزء في المنطقة.

* طالب يمني بالمملكة (دراسات عليا)
خاص «الجزيرة»









 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد