Al Jazirah NewsPaper Tuesday  03/11/2009 G Issue 13550
الثلاثاء 15 ذو القعدة 1430   العدد  13550
المنشود
مصطفى محمود، وثلاثون عاماً من البحث عن الله!!
رقية سليمان الهويريني

 

غادرنا إلى الدار الآخرة الدكتور مصطفى محمود بعد أن قضى في هذه الدنيا ثمانية وثمانين عاما، ألّف خلالها 89 كتاباً، منها الكتب العلمية والدينية والفلسفية والاجتماعية والسياسية، إضافة لكتب الحكايات والمسرحيات وقصص الرحلات. وكان أسلوبه فيها يتميز بالجاذبية مع العمق والبساطة. كما قدم الدكتور مصطفى محمود 400 حلقة من برنامجه التلفزيوني الشهير (العلم والإيمان) وأنشأ عام 1979 (مسجد مصطفى محمود) يتبع له مراكز طبية وعلمية تهتم بعلاج ذوي الدخل المحدود، ويقصدها الكثير من أبناء مصر نظراً لسمعتها الطبية، وشكل قوافل للرحمة من ستة عشر طبيبًا ، ويضم أحد المراكز أربعة مراصد فلكية ، ومتحفا للجيولوجيا ، يقوم عليه أساتذة متخصصون.

تعرض مصطفى محمود لتيار الإلحاد الأوسع انتشارا في عصره آنذاك، وهي ذات الفترة التي عاشها نجيب محفوظ أيضا وكانت أولى تجارب المعاناة الدينية والظمأ الروحي لديه. والثابت أن مصطفى محمود في فترة شكه لم يلحد، فهو لم ينفِ وجود الله بشكل مطلق؛ ولكنه كان عاجزا عن إدراكه، والتعرف على التصور الصحيح لله تعالى!

اُتهم مصطفى محمود بتضارب أفكاره وآرائه السياسية وتناقضها، وكان يؤكد أنّه ليس في موضع اتهام، رغم اعترافه بعدم صواب رأيه في بعض مراحل حياته، ويعدها ضربا من الشجاعة والقدرة على نقد الذات، مخالفا من يفتقرون لهذه الشجاعة ويصابون بالغرور وعدم الاعتراف بأخطائهم.

اعتنق الفلسفة الوجودية، ويقول عن تلك المرحلة: (احتاج الأمر إلى ثلاثين سنة من الغرق في الكتب، وآلاف الليالي من التأمل والخلوة مع النفس، وتقليب الفكر على كل وجه لأقطع الطرق الشائكة، من الله والإنسان إلى لغز الحياة والموت، إلى ما أكتب اليوم على درب اليقين. ثلاثون عاما من المعاناة والشك والنفي والإثبات، ثلاثون عاما من البحث عن الله!) ثلاثون عاما أنهاها بأروع كتبه وأعمقها (حوار مع صديقي الملحد)، (رحلتي من الشك إلى الإيمان)، (التوراة)، (لغز الموت)، (لغز الحياة) وغيرها من الكتب المؤثرة.

مارس أثناء تلك المرحلة تصوف الهندوس القائم على وحدة الوجود، حيث الخالق هو المخلوق والرب هو الكون في حد ذاته، وهو الطاقة الباطنة في جميع المخلوقات، فألقت تلك النظرية ظلالاً من التصوف الإسلامي على شخصيته، وقد صهرته هذه التجربة بقوة فصنعت منه مفكراً دينياً خلاقاً.

قدمه الأزهر للمحاكمة بسبب كتابه (الله والإنسان) باعتباره قضية كفر! إلا أن المحكمة اكتفت بمصادرة الكتاب. ونال إعجاب الرئيس السادات فعرض عليه الوزارة، بيد أنه رفضها قائلا: (أنا أرفض السلطة بكل أشكالها) مفضلاً التفرغ للبحث العلمي.

تعرض لمحن شديدة أدت به إلى أن يعتزل الكتابة وينقطع عن الناس حتى أصابته جلطة مخية عام 2003 وعاش وحيداً، إلى أن توفي.

قال عنه الدكتور نصر فريد واصل: (الدكتور مصطفى محمود رجل علم وفضل، ومشهود له بالفصاحة والفهم وسعة الاطلاع والغيرة على الإسلام. فما أكثر المواقف التي أشهر قلمه فيها للدفاع عن الإسلام والمسلمين والذود عن حياض الدين، وقام على تنقية الشريعة الإسلاميّة من الشوائب التي علقت بها، وشهدت له المحافل التي صال فيها وجال دفاعاً عن الدين).

رحم الله الدكتور مصطفى محمود، فقد كان منارة للعلم والإيمان!!

rogaia143@hotmail.Com
www.rogaia.net





 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد