Al Jazirah NewsPaper Sunday  01/11/2009 G Issue 13548
الأحد 13 ذو القعدة 1430   العدد  13548
مع الحياة لمعالي الفريق ناصر بن عبدالعزيز العرفج

 

لقد عرفتُ معالي الفريق ناصر بن عبدالعزيز العرفج قبل أكثر من عشرة أعوام عندما كان يشغل منصب رئيس هيئة استخبارات وأمن القوات المسلحة السعودية، وذلك عن طريق كتاباتي الصحفية في جريدة الرياض، وبخاصة ما كنت أكتب عن واحة الخرج، ثم حصل معرفة عن قرب عندما تفضَّل مشكوراً بدعوتي لتناول القهوة في مزرعته في الدلم، وكنا يومها مدعوين جميعاً لتناول الغداء عند سعادة الأستاذ سعد بن عبدالرحمن الدريهم (شفاه الله) في منزله في بلدة الدلم. وبعد ذلك توالت اللقاءات. ومن هذه المعرفة وجدت أن معالي الفريق يتمتع بتواضع متناهٍ، وبسعة اطلاع في مجال التاريخ المحلي، ودماثة خلق منقطعة النظير، وبشخص تحس من محادثته أنه عالِمٌ وباحث عن المعرفة أينما وُجدت، وشغوف بالتاريخ على وجه الخصوص.. ولا شك أن نشر الكتاب مجال حديثنا ليدل على ما قلت. ولعل جميع المسؤولين ممن لهم تجارب تستحق التدوين وكذلك أصحاب التجارب في المجالات الأخرى كالتجارة والأدب يكتبون سيرهم الذاتية وما مرَّ بهم من ظروف، وتوثيق واقع أزمانهم لكي تستنير الأجيال بما مضى، خيره وشره، وتعرف إلى أين وصلت، وتعمل على الوصول إلى ما تصبو إليه.

اشتمل الكتاب على مقدمة وخمسة فصول وخاتمة. تحدث في الفصل الأول عن جغرافية الخرج بشكل عام وعن بلدته (الدلم)، وبيَّن حدودها المكانية، ثم تحدَّث عن عمارتها ومواد العمارة المستخدمة آنذاك والتصاميم الداخلية للعمارة ونجارة المنازل وإعداد مادة العمارة، وهي غالباً من الطين واللبن الطيني، ثم عن التسقيف والأخشاب وطرق زخرفة المباني، والتجصيص وصناعة الحصر، والنهضة العلمية الدينية التي تطورت مع تعيين الشيخ عبدالعزيز بن باز قاضياً في الدلم.

في الفصل الثاني - وهو أطول فصول الكتاب - بيَّن الكاتب الطريق الذي سلك من أجل التعليم الابتدائي والثانوي والجامعي، وبيَّن ما يمرُّ به من ظروف عائلية ودراسية وتنقلات مكانية، وبيَّن المناهج الدراسية التي كانت تقدَّم للطلاب آنذاك، ثم تحدَّث عن التحاقه بالكلية العسكرية، ثم دراساته العليا وما لاقاه من مشقة في الابتعاث إلى الخارج، وما حدث له ساعة وصوله إلى أمريكا في يوم كان فيه مقتل مارتن لوثركنج زعيم السود آنذاك، ثم بيَّن تعليمه في الجامعات الأمريكية، وبيَّن مناهج الدراسة هناك، وتحدَّث عن الدورات العسكرية التي التحق بها، ثم جاء بالحديث عن السوق الأوروبية المشتركة.

في الفصل الثالث تناول المؤلف الحياة في الولايات المتحدة الأمريكية بطريقة مختصرة وشاملة، تجعل القارئ يخرج بمعلومة متكاملة عن الحياة الأمريكية؛ فجاء بحديثه على الناحية الجغرافية والتركيبة السكانية والحياة السياسية، فأتى بمعلومات عن نسب السكان وأعراقهم ودياناتهم، ونسب تمثيلهم في مجلسي: الشيوخ، والنواب، والهيئات التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، وتوزيع المهمات، والتخصصات بين تلك الهيئات، وتقاطعاتها. أعتقد أنه حديث شامل مختصر مفيد لمن يريد أن يعرف الحياة في الولايات المتحدة الأمريكية. وختم الفصل بنصيحة للمسلمين والعرب، وبيَّن أسباب ضعفهم وأسباب قوة غيرهم.

وفي الفصل الرابع تحدَّث عن مراحل تطوره الوظيفي، وعن المهمات التي تسلمها، والصعوبات التي واجهته في كل مهمة. وبدأ هذا الفصل بالحديث عن تعيينه في الحرس الملكي بعد تخرجه من كلية الملك عبدالعزيز الحربية عام 1378هـ - 1379هـ. كما تحدث عن التطوُّر الذي طرأ على الكليات العسكرية آنذاك، ثم أوضح كيفية انتقاله إلى وزارة الدفاع، ومن ثم مشاركته في القوة السعودية التي توجهت إلى الأردن عام 1387هـ - 1967م. بعد ذلك بدأ الحديث عن المملكة الأردنية الهاشمية، وأوضاعها آنذاك، ثم قصة تعيينه مشرفاً على تنفيذ بنود عقد تمويل أفراد الجيش السعودي المرابط في الأردن بالغذاء، وإقامته في أحد الفنادق، تلك الإقامة التي عرّفته بشخصيات مهمة آنذاك. وتطرَّق إلى محاولته الزواج من إحدى الأسر الأردنية، ذلك الزواج الذي لم يتم بسبب تقديره للنتائج المترتبة على فشله في حالة إتمامه، وبخاصة تشرد الأبناء وما يتصل بذلك من معاناة نفسية تطول جميع أطرافه؛ لذا لم يتم ذلك الزواج بصرف النظر عنه.

وفي الفصل الخامس تحدَّث عن المتغير الذي حدث في المملكة العربية السعودية مع تطور الأوضاع الاقتصادية والتقدم في مجالات العلوم وتحسين الظروف وضربه أمثلة على ذلك التطور بتطور التعليم الجامعي، ثم تحدث عن الانتماء الوطني، ومعايير اختيار الموظف المناسب للعمل المناط به، وبيَّن تجاربه في الوظائف القيادية التي كان على رأسها أهمية وجود الموظف المنجز والمنتج العام، ثم تحدَّث عن محاسبة المقصر في عمله، مؤكداً أن المحاسبة وسيلة من وسائل حث الموظف على إنجاز ما يُطلب منه. كما بيَّن أن المتابعة تجعل الموظف على علم بأن ما سوف يقوم به لن يكون خفياً على الآخرين. وفي الخاتمة بيَّن أهمية ما اختار من مواقف للقارئ متمثلة بما تقدمه من دروس.

إنني أجد روح معالي الفريق من خلال قراءة كتابه، شغوفة بالعلم ومولعة بالقراءة والاطلاع؛ فهو رجل علم بالتكوين حتى وإن ساقته الأقدار أن يصبح عسكرياً مميزاً تقلَّد عدداً من المناصب العسكرية القيادية، كما أن روحه الإدارية العالية تتضح في مسعاه عندما تقلَّد منصب الأمين العام لمجلس الخدمة العسكرية الذي لم يجد فيه عند تسلمه إلا موظفاً سعودياً واحداً وعاملاً سودانياً يعمل في إعداد القهوة؛ فحاول ثم حاول حتى أوجد فيه الروح وعقد اجتماعه الأول برئاسة خادم الحرمين الشريفين.

يتسم أسلوب الكاتب بالصراحة والسلاسة والاستقامة في إيصال المعنى مقروناً بالحقيقة إلى القارئ، مع استطرادات في شرح ما يتصل كموضوع الحديث عن المدينة أو الجامعة أو الكلية. ويبين للنشء أن هناك ما يمكن أن يُشترى بالمال، وأن هناك ما لا يمكن شراؤه بالمال، ومن ذلك العلم الذي يرى أن ثمنه هو الجد والاجتهاد والمثابرة والقراءة والاطلاع، والعلم عنده لا يعرف نسباً ولا حسباً.

ويتضح في الكتاب ذكاء في الطرح، ولغة احترام، وتجاوز عن المسيء، وهذا يتجلى من عدم ذكر أسماء الأشخاص عندما يكون الموقف الذي وقفوه مع صاحب الكتاب غير جيد، وعلى العكس من موقف صاحب الكتاب مع أولئك الذين أحسنوا إليه؛ إذ نجده يذكر أسماءهم قاصداً التعريف بهم؛ عرفاناً منه بجميلهم، كما نجده يتحدث عن العقبات التي واجهته في تلقائية تجعل القارئ يحسُّ وكأنه صاحب القصة. يمقت الكتاب الكسل ويحثُّ على الجد والاجتهاد، عاكساً بذلك تجربة صاحبه ورؤيته.

ومن قراءة الكثير من مواقف صاحب الكتاب التي ضمنها نجد أنه شخص متحرك وبدرجة سريعة، وهذه صفة تلازم المنتجين والمنجزين في غالب الأحوال، فمثلا نجده تقلّب في مواقع دراسية متعددة سعياً إلى الأفضل، ثم بعد حصوله على الرتبة العسكرية نجده يبحث عن الدراسة الجامعية، بل يعود إلى دراسة الثانوية لكي يتأهل للجامعة. وعندما ابتعث نلاحظ أنه تنقل بين عدد من الجامعات الأمريكية سعياً إلى ما يناسبه وبحثاً عن الأفضل، كما نجد أنه حالما استقر في الأردن بدأ يبحث عن زوجة من ذلك البلد. فهذه التنقلات الحياتية والقراءات المتعددة تجعل القارئ ينتقل في ذهن الكاتب من محطة إلى أخرى، كما تسهل عليه فهم صاحب الكتاب من خلال معرفته من أين البدء وإلى أين القصد.

أ.د. عبدالعزيز بن سعود بن جارالله الغزي
رئيس قسم الآثار ورئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للدراسات الآثارية





 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد