Al Jazirah NewsPaper Sunday  01/11/2009 G Issue 13548
الأحد 13 ذو القعدة 1430   العدد  13548
شيء من
الخارج والداخل وقراراتنا
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

 

قرأت لأحد الكتاب السعوديين في الإنترنت: (يَصدقُ من يقول بأننا لسنا في حاجة لمزيد من العزلة العلمية، والنيل من آرائنا الفقهية، ولا إلى الإكثار علينا بالتندر والقيل والقال، وهو ما يزيد ضراوة عندما نقابل ذلك (بالمكابرة)، وأن خير الله مُودع في فئة من خلقه).

ومن يقرأ ويتبع ويرصد ردود الأفعال العالمية على كثير مما ينشر، أو يقال من على المنابر لدينا، أو يُتداول في القنوات الفضائية، خاصة الإسلاموية منها، يجد أن هذه العبارة تصيب - كما يقولون - كبد الحقيقة. العالم اليوم يصغر، تختفي الحدود، وتتهاوى الخصوصيات، ويقبل الآخر؛ وأصبحت علاقة الداخل بالخارج أقرب إلى علاقة الجار بجاره الذي يعيش وإياه في (مجمع) سكني واحد، والمطلع على أدق خصوصياته، ومع ذلك مازال هناك من يُطالب بحماية الخصوصية، والتقوقع في الشرنقة، ورفض التواصل بالخارج، أو أخذ رؤاه، ناهيك عن مصالحه، بعين الاعتبار، بحجج عندما تقرأها على ضوء الواقع تجدها غاية في الضعف والوهن والبعد عن الموضوعية. العالم اليوم اختلطت ثقافاته، وتداخلت مصالح أجزائه، حتى أصبح أشبه ما يكون بالكيان الواحد، ما يؤثر هنا ينعكس تأثيره هناك، والعكس صحيح. وعندما (نطنش) هذه الحقيقة، ولا نعبأ بها، فلن يدعنا الآخرون في حالنا.

ونحن تحديداً، أكثر من أي بلد آخر، لا نستطيع إطلاقاً، وأكرر (إطلاقاً)، أن نعيش في معزل عن العالم، إلا إذا اخترنا الخيار (الطالباني)، أو جعلنا من (الانتحار) بمعناه الواسع غاية ومقصدا وهدفا كما يفعل من يتسمّون بالجهاديين. لذلك فالذي يقف ضد (الانفتاح)، ويُسبغ على التقوقع قدسية دينية، ويتعامل مع الواقع بأمثلة ماضوية، ينتقيها من التراث، ويُلغي تباينات الزمان والمكان بين ما كان وما هو كائن، واعتبارات الظروف، وغايات وروح مقاصد الدين الحنيف ومصالح الناس، إلغاء تماماً، وينتقي من المقدس ما يُرسخ العزلة، ويُجذر التقوقع، ويُكرس الجمود، هو - والله - أخطر علينا، وعلى بلادنا، ومقدراتنا، من ألد الأعداء.

و(المكابرة) عندما تختلط بالإباء والأنفة، والتفوق الكاذب (للأنا)، تتحول إلى عقبة كأداء في طريق التنمية والخروج من التخلف الحضاري الذي نعيش ولا نزال فيه.

هناك تجارب لشعوب أخرى تشترك معنا في كثير من المشتركات، كالتجربة الماليزية مثلاً؛ كان أمامهم خياران: إما التوقع أو الانفتاح؛ اختاروا الانفتاح، وراهنوا عليه، فانتهوا إلى تجاوز كثير من مشاكلهم على جميع المستويات، وأهمها معضلة (الفقر)، أو بلغة أدق (الغول) الذي إذا لم نتنبه إلى تفاقم معدلاته فسنصل حتماً إلى مشكلة أخطر بمراحل من (الإرهاب).

وإذا كانت المرأة، والحفاظ عليها، وإبقاؤها (جوهرة مكنونة)، وفي حرز أمين، هو الشعار الذي يرفعون، و(يزايدون) عليه؛ فإن أكثر المتضررين من (الانغلاق) وتفاقم معدلات البطالة وبالتالي الفقر، تلك التي يقولون إنهم يذبون عنها، ويُجهدون أنفسهم للحفاظ عليها. تقول أرقام وزارة العمل إن معدلات (بطالة) النساء السعوديات اللواتي يبحثن عن عمل ولا يجدن تجاوزت 28%؛ ومن المتوقع أن تصل إلى معدلات أعلى في المستقبل القريب.

إلى اللقاء




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد