حينما يكثر تركيز الناس على طرح موضوع معيَّن في وسائل الإعلام وفي مجالس الناس ولقاءاتهم وأحاديثهم الخاصة والعامَّة، فإنَّ ذلك يعني أنهم يتحدَّثون عن ظاهرةٍ تستحق العناية، وقضيَّة تدعو إلى الاهتمام بها ودراستها سعياً إلى معالجتها وتصحيح المسار فيها.
وموضوع التعليم من أهم الموضوعات التي لا يصح أن نتغافل عما قد يحدث فيها من سلبياتٍ أو ثغراتٍ يكثر حديث الناس عنها بصورةٍ لافتةٍ للنظر، لأننا نتفق جميعاً على أن التعليم ورديفته (التربية) ركيزتان مهمتان من ركائز بناء مستقبل الوطن المشرق القوي المتماسك.
هنالك شكوى سائدة من ضعف مستوى الإحساس بأهمية التعليم والتربية عند معظم المعلمين والمعلِّمات، خاصة في مراحل التعليم الأولى، مع أن هذه المراحل هي أساس تكوين شخصيَّة الإنسان العملي الفاعل المساهم في تطوير مجتمعه ووطنه وأمته، وتتمثل تلك الشكوى في تهاون ملموسٍ من أولئك المعلمين والمعلِّمات بفلذات أكبادنا في هذه المرحلة المبكرة (الخطيرة) في مسيرة التعليم والتربية، ولهذا التهاون الذي تكاد تجمع على وجوده أحاديث الناس، ومقالات الكتاب، والدراسات والتقارير الصادرة عن بعض المراكز المعنية بالتعليم جوانب متعدِّدة يمكن حصرها فيما يلي:
1 - عدم التركيز في اختيار المعلمين والمعلِّمات القادرين والقادرات على التعامل المثيل مع طلاب الصفوف الأولى الذين يعيشون أشدَّ مراحل تعليمهم حَرَجاً بسبب انتقالهم من جوِّ المنزل إلى جوِّ المدرسة، وهو انتقالٌ ذو أثر نفسي عميق يحتاج فيه الطالب والطالبة إلى تعاملٍ خاصٍ لتوفير الجو النفسي الملائم، ولاستثمار روح الانطلاق، والطموح التلقائي، والقدرات الفطرية المتألقة في هذه المرحلة من أعمار أبنائنا وبناتنا.
2 - عدم وجود برامج خاصة لتدريب معلِّمي ومعلِّمات هذه المراحل المبكِّرة في التعليم، مع أنَّ جميع الدراسات التربوية تؤكِّد أن بناء الإنسان الحقيقي يتمثل في سنوات عمره الأولى، وأن التعامل معه في هذه المرحلة هو الذي يحدِّد ملامح شخصيته طيلة حياته.
3 - افتقاد كثير من معلمي ومعلِّمات هذه المرحلة لروح التفاني في القيام بواجبهم التعليمي والتربوي، مما يجعلهم في حالة تبرُّمٍ مستمر من صعوبة التعامل مع الطلاب والطالبات، وهذا يؤثر في قدرتهم على تحقيق الهدف المنشود من التعليم والتربية في هذه المرحلة المبكرة من التعليم.
إنَّ هذه الجوانب (السلبية) شديدة الخطورة على مستوى أبنائنا وبناتنا خاصة وأنَّ تنمية روح الإبداع والتفوق تبدأ من هنا باتفاق الدارسين والمهتمين بشؤون التربية والتطوير البشري، تشير التقارير الصادرة عن بعض مراكز البحوث إلى أن روح العطاء والاستعداد للإبداع تكون في أقصى حالات قوتها في سنِّ الخامسة بسبب تلقائية التعامل مع الإنسان في هذه السنِّ وعدم تعرُّضه - غالباً- لتحطيم هذه الرُّوح بالتكبيت والإلغاء، لاسيما عند الأسر التي تحترم نفسيات أطفالها، ولكن هذه الروح المتألقة تصطدم في سن السابعة، وهي سنُّ دخول المدرسة، بسلبيات التعليم التي أشرنا إليها، فتتناقص روح الإبداع حتى تصل نسبة تناقصها إلى 80%.
من الرسائل التي وصلتني هذه الأيام رسالة تؤكد ما أشرت إليه هنا، تقول الرسالة: عندما كنت أراجع لابني دروسه، تبيَّن لي تقصير واضح من بعض المعلمين، وحينما استمعت إليه وهو يقرأ القرآن المكلَّف بحفظه، سألني عن معاني بعض الكلمات في الآيات، واستعنت بكتاب (صفوة التفاسير) وشرحت له معاني الآيات، فرأيت من تفاعله وفهمه ما أسعدني، وعلمت منه أن الأستاذ لا يُعْنى بهذا الجانب، وأنه لا يجيب عن أسئلة الطلاب الذين يستفسرون فيها عن معاني ما يقرؤون.
وقبل الختام يحسن بنا أن نبعث بالتحية والتقدير للمعلمين والمعلمات الذين يبنون نفوس وعقول أبنائنا باهتمامهم ورعايتهم وشعورهم بالمسؤولية، والأمانة العظيمة المُلْقاة على عواتقهم، ونهيب بمن قَصَّر من المعلمين والمعلمات أن يراجعوا أنفسهم، ويعلموا أنهم مسؤولون أمام ربهم عن تقصيرهم وتهاونهم.
إشارة:
المعلِّم أبٌ، ومرشد، وصديق، وقائد، وموجِّه.