لقد تحققت رؤية الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله، على أرض الواقع، بجعل جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية واقعاً ملموساً كمؤسسة هدفها تطوير المجتمع البحثي على مستوى عالمي. فهذه الجامعة تمثل إضافة كبرى لمسيرة التعليم التي تحقق لها في عهد الملك عبدالله الكثير من التقدم على المستوى الكمي والنوعي، سواء في التعليم العام أو على مستوى منظومة التعليم العالي أو مستوى الابتعاث الخارجي، حيث ستنخرط هذه الجامعة مع باقي مؤسسات المعرفة السعودية في تحقيق أهداف رؤية خادم الحرمين الشريفين لقطاع التعليم في المملكة.
هذه الجامعة هي إنجاز وطني رائع وكبير بكل ما تحمله هذه الكلمة من معانٍ، حيث يجتمع فيها ثلة من أعظم العقول المبدعة من جميع أنحاء العالم لإجراء البحوث والتطوير في مختلف مجالات العلم، مما يساعد على تنويع مصادر اقتصادنا الوطني وتحويله إلى اقتصاد يعتمد على المعرفة.
فإنشاء الجامعة يمكن اعتباره المرحلة الثالثة من مراحل النمو والتطوير في المملكة، وهي المرحلة التي تتميز بالتحول إلى الاقتصاد المبني على المعرفة، فجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية يمكنها القيام بدور مهم في ريادة التنمية في بلادنا وتطوير اقتصادها، إذ لا يُخفى على الجميع أن البحث العلمي والتطور التقني من العوامل المهمة في سبيل تحقيق هذا التجول. فجامعة الملك عبدالله تطلق مرحلة كبرى من التنمية المعرفية الشاملة تمثل في حجمها وأهميتها مرحلة اكتشاف البترول في أربعينيات القرن الماضي، ومرحلة النهضة الصناعية التي أعقبت هذا الاكتشاف، وما زالت ممتدة إلى وقتنا الحاضر. فالجامعة تؤسس قاعدة مهمة لمرحلة تنموية جديدة متمثلة في تحول بلادنا إلى عصر المعرفة، تلك التنمية التي يتسابق العالم الآن للظفر بوسائلها وأسبابها، من أجل توفير البدائل المستقبلية المناسبة لسبل الحياة المتقدمة والكريمة للإنسان، وانطلاقاً من الدور الذي تضطلع به المملكة في العالمين العربي والإسلامي بهدف الحفاظ على الهوية والتراث ولتمكين جميع شرائح المجتمع من التعامل مع المعلومات والمعرفة بيسر وسهولة ولردم الفجوة الرقمية مما يسمح بتوليد المعرفة عند الأفراد ليصبح المجتمع مجتمعاً معرفياً، وتحقيقاً لرؤية الاستراتيجية للصناعة القائمة على الإبداع والابتكار التي محورها الرئيس هو الإنسان، لكي يتحقق ذلك الإبداع والابتكار لا بد أن يكون العنصر البشري مهيأً لاستقبال هذه العلوم والتقنية عن طريق لغته الأولى وهي العربية.
إن لغة الشعوب هي أداة المعرفة، لأن هذه الشعوب لا تتقدم ولا تبدع إلا بلغتها الأم، ولنا في الأمم من حولنا ما يؤكد ذلك. فليس على الأرض أمة أبدعت بغير لغتها.
وأنا هنا أدعو إلى قيام دار حكمة وطنية للترجمة من اللغة الإنجليزية بصور خاصة إلى اللغة العربية، حيث إن ما يقارب 70% من أدبيات البحث العلمي يكتب باللغة الإنجليزية، ومن اللغات الأخرى بصورة عامة إلى اللغة العربية. فالترجمة من اللغات الأخرى إلى العربية هي إحدى وسائل إثراء لغتنا الجميلة، وهي الجسر الذي يصل الثقافات المختلفة بعضها ببعض.
ألم تكن حركة الترجمة التي بدأت أيام بني أمية بدمشق ثم رعاها الرشيد ودعمها الخليفة المأمون، منطلقاً لتقدم العرب في مضمار الفكر والعلم وبداية لقرون من العطاء الخير الذي قدمه العرب للبشرية، فمن حقنا أن نأخذ اليوم في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - عن طريق الترجمة ما نحتاج إليه في كفاحنا الدؤوب للتغلب على التحديات التي تواجهنا وبناء مجتمع علمي متقدم بلسان عربي مبين.
* عضو مجلس الشورى