Al Jazirah NewsPaper Sunday  01/11/2009 G Issue 13548
الأحد 13 ذو القعدة 1430   العدد  13548
الأزمة الإيرانية.. بين (التأجيج) و(التحجيج)..؟!!
حمَّاد بن حامد السالمي

 

* الذين يعرفون حجاج إيران قبل سقوط الشاه، ثم عرفوهم بعد قيام الجمهورية الإسلامية في الثمانينيات الميلادية وما بعدها، ورأوا ما يطرأ على سلوكهم بين حجاج بيت الله في بعض مواسم الحج، ربما لا يصدقون أن هؤلاء هم الإيرانيون الذين كانوا مثالاً في احترام..

..الأنظمة، وفي انضباط السلوك في المشاعر المقدسة.

* العيب - بطبيعة الحال - ليس في المواطن الإيراني المسلم، وليس في الحاج الإيراني الحريص على أداء شعائر حجه في أمن وسلامة، ولكن العيب في النظام السياسي الإيراني، وفي المرجعية الدينية الإيرانية؛ فهما دأبا على الأدلجة والتعبئة، واستغلال مواسم الحج؛ لتصفية حسابات مع هذا الطرف أو ذاك، والزج بألوف الإيرانيين المسلمين، في حشد فوضوي، وسلوك غوغائي، يندرج ضمن مشروع تصدير الثورة الذي أرساه الإمام الخميني، وتبنته المؤسسة الدينية والسياسية الحاكمة في إيران من بعده، إما بالمظاهرات وصياح المايكروفونات، أو بزرع البؤر القابلة للاشتعال في بلدان الجوار على وجه خاص.

* ربما رأى القادة في حكومة الدكتور محمود أحمدي نجاد، أن موسم الحج لهذا العام، يوفر لهم فرصة سانحة وثمينة، ليس من أجل تصدير الثورة فقط، ولكن من أجل تصدير الأزمة الخانقة؛ فالوضع الداخلي الإيراني يعاني من أزمة كبيرة، بسبب عوامل عدة، من أهمها: تداعيات الانتخابات الأخيرة التي رأى الشعب الإيراني الموالي للإصلاحيين، أنها مزورة، ومع ذلك تمكن أحمدي نجاد، من ولاية ثانية في رئاسة الجمهورية، بدعم ومساندة من مرشد الثورة السيد علي خامنئي، بعد أن اشتعلت ميادين وشوارع طهران، وتم سحق وقتل وسجن عدد كبير من الإيرانيين المعارضين، فيما بقي رموز الإصلاح حتى اليوم، تحت مطرقة النظام ليل نهار.

* هل يمكن فصل ما جرى ويجري داخل إيران، عن خروج كل من مرشد الثورة، ورئيس الجمهورية في وقت واحد، عن اللباقة السياسية، واللياقة الأخلاقية، بتحريضهما وفود الحجيج الإيرانية، على سلوكيات مخالفة لشعيرة الحج، ومؤذية لملايين حجاج المسلمين في الأراضي المقدسة..؟

* جاء أحمدي نجاد إلى رئاسة الجمهورية الإيرانية، على أسنة خطاب ديني حاد ومتطرف، كان وما زال، موجهاً إلى الخارج، أكثر ما هو موجه إلى الداخل، ونجح طيلة فترة ولايته الأولى، في حشد المزيد من العداوات لإيران، وفي الابتعاد أكثر عن دول الجوار، وبتكريس مبدأ التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد العربية والإسلامية؛ فالتدخل الإيراني في لبنان بلغ ذروته؛ حتى احتلت إسرائيل جنوب لبنان، والتدخل بين الفصائل الفلسطينية شجع حماس؛ فعصّاها وشقها عن الحكومة الفلسطينية، والتدخل السافر في العراق قسم هذا البلد إلى (كانتونات) متصارعة، والتدخل في اليمن أفرز حركة عصيان تهدد أمن اليمن وجوار اليمن، والتستر على عناصر القاعدة ودعمها أبقى على جذوة الإرهاب مشتعلة حتى اليوم.

* لم يكن أمام علي خامنئي ولا أحمدي نجاد قبل اليوم أي وقت للتفكير في الداخل الإيراني، الذي نفّس عن احتقانه الشديد في مرحلة الانتخابات الأخيرة، حين صوت الشعب لصالح مشروع الإصلاح والمصالحة والسلم؛ فقد ظهر أن هناك أزمة حقيقية، وهناك طوفان قادم سوف يعصف بنجاد وحكومته، إن لم ينشغل الشارع الإيراني بأزمات أخرى أكبر تشده إلى أبعد من التفكير في حرياته، وفي قوته وحياته التي يطمح في تحسين مستواها. علاج أزمة داخلية بهذه الخطورة هو في افتعال أزمات خارجية، إقليمية أو دولية، وموسم الحج - وهو مناسبة دينية عظيمة عند الإيرانيين وعند غير الإيرانيين - يوفر فرصة مواتية؛ لتأجيج الفتنة المعتادة في هذا التوقيت؛ ومن ثم (تحجيج الأزمة) الإيرانية الداخلية، وإبعادها عن طهران إلى الأراضي السعودية، ولو مؤقتاً.

* ما معنى أن يدعي ويقول السيد علي خامنئي، مرشد الثورة الإيرانية - وهو أعلى مرجع ديني وسياسي في إيران - بأن هناك تصرفات غير إنسانية وغير أخلاقية ضد الحجاج الإيرانيين..؟ وأن ذلك يصب في صالح الأهداف الأمريكية..؟!

* حسناً.. لم يذكر السيد المرشد ماهية هذه التصرفات التي قال بأنها غير إنسانية ولا أخلاقية، وفي الوقت نفسه يحض حجاجه ويحرضهم على التظاهر، والشغب، وإساءة الأدب؛ فأين هي الإنسانية، وأين الأخلاقية، في هذا الذي يطلبه السيد علي خامنئي، من حجاج إيران في الأراضي المقدسة..؟!

* وما علاقة أميركا بالحج..؟ وما أهدافها التي سوف تتحقق إذا لم يشغب حجاج إيران، ولم يتظاهروا وسط ملايين الحجاج في المشاعر المقدسة..؟!

* أمر عجيب وغريب، أن يصدر مثل هذا الكلام، من مرجعية دينية وسياسية عليا في إيران، والأشد غرابة منه، كلام رئيس الجمهورية أحمدي نجاد، الذي أخذ الدور بعده في التحريض والتعبئة؛ فقد بدأ.. فاتهم السعودية بأنها تدعم الحكومة اليمنية ضد الحوثيين..! وأنها تدعم جند الله في إيران..! وأن مناسك الحج فرصة استثنائية لنشر تعاليم الإسلام الأصيل..! والذود عن الإسلام..! وأن الحضور النشط للمسلمين - وبخاصة الإيرانيين - في مناسك الحج، من شأنه أن يحبط مؤامرات الأعداء..! ويؤلف قلوب المسلمين..!!

* أما لو قال السيد نجاد بأن السعودية تدعم حركة منشقة هي حركة الحوثيين ضد حكومة اليمن المركزية، فهذا منكر وشاذ ولا يصح أبداً، لا من السعودية، ولا من أي دولة أخرى تحترم نفسها، وتعرف حدودها، لكن لأنه هو وحكومته ينهضون بهذا الدور المشبوه في شمال اليمن، من أجل تفتيت اليمن وإضعافه، وتهديد أمن السعودية من الجنوب؛ فهو أمر عادي بالنسبة له، ولا مانع من قلب الحقائق، وتزوير المواقف. ومثل هذا.. ادعاؤه دعم السعودية جند الله في إيران؛ فأين جند الله الذين لم نسمع بهم إلا اليوم، من حزب الله الذي عاث فساداً في جنوب لبنان عدة عقود..؟ ومن حماس، ومن الحوثيين، ومن فصائل وحركات يحركها المال الإيراني، ويديرها الحرس الثوري، وجهاز الفافاك، في أفغانستان، وفي الباكستان، وفي العراق، وفي أقطار أخرى كثيرة..؟!

* لم أفهم حقيقة كيف ينشر حجاج إيران تعاليم الإسلام في مهبط الوحي ومهد الرسالة.. مكة المكرمة..؟! وكيف يذودون عن الإسلام في بلد الإسلام، وبين ملايين المسلمين..؟ وكيف يحبط حجاج إيران مؤامرات الأعداء بين مكة المكرمة والمدينة المنورة..؟!

* من المؤكد.. أن السياسي الذي لا يملك مفاتيح النجاح في إدارة حكم بلاده، هو بالتالي لا يملك مفاتيح الكلام المتوازن، وأن الذي يفلح في التأليب على بلده، وفي تبديد مدخراته، وتشتيت قدراته، هو من يرسل الكلام على عواهنه، إن صاب صاب، أو خاب خاب.



assahm@maktoob.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد