Al Jazirah NewsPaper Friday  30/10/2009 G Issue 13546
الجمعة 11 ذو القعدة 1430   العدد  13546
قمة التوقعات الهزيلة
سوزان ل. شيرك

 

أثناء فترة الإعداد لأول زيارة يقوم بها الرئيس باراك أوباما إلى الصين في الشهر المقبل، كان الدبلوماسيون الأميركيون والصينيون عاكفين على إعداد قوائم كاملة بالجهود التعاونية القائمة في حال لم يتم التوصل إلى اتفاقيات جديدة. والواقع أن هذه النتيجة تبدو مرجحة.

إن الولايات المتحدة مسؤولة عن هذه المشكلة بقدر مسؤولية الصين عنها. ففي حين أن الاتفاقيات تتطلب العمل الجاد من الطرفين، فإن الأميركيين يواجهون صعوبة في التغلب على العقبات السياسية الداخلية في الوقت المناسب حتى يصبح بوسعهم القيام بأي جهد مشترك فعّال مع الصين.

الآن لم يتبق من الوقت غير بضعة أسابيع قبل انعقاد قمة كوبنهاجن للمناخ، لذا فإن صياغة أي التزام بشأن تغير المناخ يشكل الآن التحدي الأكثر إلحاحاً. إن الولايات المتحدة والصين يشكلان المصدر الأضخم للانبعاثات من غاز ثاني أكسيد الكربون على مستوى العالم. وكان المسؤولون في إدارة أوباما يتمنون لو يؤدي التعاون الثنائي في التعامل مع هذا التهديد المشترك إلى تعميق الشراكة بين الولايات المتحدة والصين على نفس النحو الذي أدى به التهديد السوفييتي إلى الجمع بين نيكسون وماو في عام 1972م.

إذا نجح أوباما والرئيس الصيني هو جين تاو في الاتفاق على التدابير التي سوف يتخذها كل من البلدين، والتعهدات الواضحة التي لابد وأن تبذل كجزء من اتفاقية عالمية، فإن بقية العالم سوف يحذو حذوهما. ولكن من المؤسف أن البلدين يقفان على طرفي نقيض بشأن قضية تغير المناخ.

فالصين تتحدث بلسان العالم النامي وتطالب بإعفائها والعالم النامي من الالتزام بأهداف وطنية للحد من الانبعاثات الكربونية، وما دامت المشكلة قد نشأت في الولايات المتحدة، وأوروبا، وبقية الدول الصناعية، فإن هذه الأجزاء من العالم لابد وأن تتحمل القسم الأعظم من المسؤولية عن حلها.

وعلى أرض الواقع سنجد أن التدابير التي تتخذها الصين لمعالجة تغير المناخ مبهرة ومثيرة للإعجاب. فقد تعهدت الصين بشن حملة وطنية شاملة لخفض استهلاك الطاقة عن كل وحدة من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 20% بحلول عام 2010، وسوف تُحَمِّل المسؤولين المحليين المسؤولية عن تحقيق هذه الأهداف. فضلاً عن ذلك فقد شرعت الصين في إنشاء مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بسرعة بالغة، حتى أنها نجحت في زيادة هدف المصادر المتجددة إلى 15% من إجمالي الطاقة المولدة بحلول عام 2020م.

ولكن من منطلق حسابات العزة الوطنية يرفض الصينيون التحدث بوضوح عن التزام دولي تحت الإكراه، فضلاً عن ذلك فإن موقف أوباما لا يسمح له بالضغط على الصين للالتزام، حيث أن كونجرس الولايات المتحدة لم يبت بعد في تشريع مقايضة الانبعاثات. ومن دون أي التزامات من جانب أميركا فكيف لأوباما أن يطلب من الصين أن تفعل المزيد؟.

إن أفضل ما نستطيع أن نتمناه لن يتجاوز إقامة المشاريع المشتركة في مجالات البحث والتطوير، كالتعاون في مجال احتجاز وتخزين الكربون، وذلك بهدف إظهار أن كلاً من الزعيمين يسير في نفس الاتجاه في التعامل مع قضية تغير المناخ، ولأن البلدين يريدان أن يتجنبا تحمل المسؤولية عن إحباط الفرصة للتوصل إلى اتفاق عالمي، فسوف يعملان معاً حتى تبدو خططهما المتواضعة كبيرة بقدر الإمكان، وسوف يعدان ببذل المزيد من الجهد بعد كوبنهاجن.

لقد تعززت ثقة الصين في ذاتها على الصعيد الدبلوماسي لكونها أول بلد يتعافى من الأزمة الاقتصادية بفضل تشريب الاقتصاد في وقت مبكر من الأزمة بالاستثمارات الحكومية والمصرفية الضخمة والتي عملت على حفز الطلب. ويعترف الصينيون بأنهم مكنوا الأميركيين من الاقتراض والإنفاق بما يتجاوز إمكانياتهم وذلك بسبب تكديس القسم الأعظم من احتياطيات العملة الأجنبية في الصين في هيئة أوراق مالية حكومية أميركية. ولكنهم يرفضون الإقرار بأن ذلك كان السبب الجذري للأزمة.

ففي نظر الصينيين، وغيرهم، بات من الواضح أن السبب الرئيسي وراء الأزمة كان النظام المالي الأميركي المعيب. والواقع أن الجانبين لابد وأن يعملا على إعادة ضبط الخلل في التوازن الثنائي بين البلدين: فيتعين على الأميركيين أن يحدوا من الإنفاق وأن يزيدوا من الادخار، بينما يتعين على الصينيين أن ينفقوا المزيد وأن يدخروا المزيد.

ولكن إذا مارس أوباما الضغوط على هو جين تاو لحمله على إعادة تقييم العملة الصينية باعتبارها الوسيلة الافضل لتحقيق إعادة الضبط، فمن المرجح أن يمارس هو ضغوطاً مضادة، فيسأل أوباما عما يعتزم القيام به للحد من العجز الأميركي الذي سوف يتسبب في التضخم ويقلل من قيمة استثمارات الصينيين وغيرهم في الأوراق المالية الأميركية.

ولن يتطوع أي من الجانبين لتحمل تكاليف إعادة ضبط العلاقة بين الدولتين. ونتيجة لهذا فإن القمة سوف تسفر على الأرجح عن تعهدات صادقة للعمل الجماعي من أجل حفز الانتعاش الاقتصادي العالمي وضبط الخلل في التوازن الاقتصادي بين الجانبين ولكن ليس أكثر من هذا.

أما عن كوريا الشمالية، فإن أوباما وهو جين تاو يتفقان على أهمية إعادة النظام الحاكم هناك إلى المحادثات السداسية والتأكيد على التزامها بالتخلي عن برنامج التسليح النووي، وسوف يؤكد البيان الرسمي للقمة على هذا الموقف المشترك. ولكن تحت السطح سوف تظهر اختلافات واضحة في الاستراتيجية. وسوف يحرص هو جين تاو على حث أوباما على استئناف المحادثات الثنائية مع كوريا الشمالية تحت مظلة اللجنة السداسية، وربما يؤكد على موقف الصين الذي يذهب إلى أن المشاركة الاقتصادية أكثر فعالية في الأمد البعيد من العقوبات في حمل كوريا الشمالية على تغيير سلوكها.

والواقع أن التجارة الصينية والاستثمارات الصينية من العوامل التي تساعد في تحفيز نشاط السوق في المنطقة الشمالية من كوريا الشمالية. واستناداً إلى تجربتهم الشخصية على مدى الأعوام الثلاثين الماضية، فإن الصينيين يدركون تمام الإدراك كيف قد ينجح الإصلاح الاقتصادي وتحرير التجارة في تغيير نظرة أي بلد لمصالحه الشخصية وموقفه تجاه العالم. وقد يوجه هو جين تاو إلى أوباما السؤال التالي:

- ما الذي يمنعك من التواصل مع كوريا الشمالية على نفس النحو الذي تتعامل به مع إيران وبورما؟.

والواقع أن الولايات المتحدة والصين يمكنهما العمل معاً لتنظيم مشاريع التدريب الإداري والتنموي في كوريا الشمالية وتشجيع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي على البدء في تقديم المشورة الفنية لكوريا الشمالية.

ويؤكد تقرير صادر عن معهد النزاعات العالمية والتعاون التابع لجامعة كاليفورنيا بالمشاركة مع جمعية آسيا على أهمية المشاركة الاقتصادية مع كوريا الشمالية باعتبارها الاستراتيجية الطويلة الأجل القادرة على تكميل العقوبات القائمة حالياً. ولكن الكونجرس الأميركي قد يتهم مثل هذه الجهود بمحاولة (استرضاء) كوريا الجنوبية إذا أقدم أوباما على اقتراح إشراك كوريا الشمالية - وتغييرها - على هذا النحو.

لا شك أن هو جين تاو وأوباما سوف يبذلان قصارى جهدهما لتقديم صورة تتسم بوحدة الموقف أثناء القمة. ذلك أن كلاً من الطرفين يريد منع حدوث أي تمزق خطير. ولكن الاتفاقيات الجوهرية بشأن تغير المناخ، والأزمة المالية، وكوريا الشمالية سوف تتطلب من كل من البلدين اتخاذ تدابير وخطوات قد تكون مكلفة على الصعيد الداخلي. فالآن ولى ذلك العصر حيث كان لزاماً على الصين أن تقدم كل التنازلات في علاقتها بالولايات المتحدة.

***

*نائبة مساعد وزير الخارجية الأسبق أثناء ولاية الرئيس بِل كلينتون، وتشغل حالياً منصب مديرة معهد النزاعات العالمية والتعاون التابع لجامعة كاليفورنيا.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2009.
www.project-syndicate.org
خاص «الجزيرة»





 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد