أكثر من ثمانية شهور مضت على تولي الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة صاحب جائزة نوبل للسلام لهذا العام باراك اوباما..!!، وأكثر من سبعة شهور على تولي السيناتور جورج ميتشل مهمته كمبعوث للسلام بالشرق الأوسط، زار خلالها المنطقة أكثر من سبع مرات والتقى خلالها نتنياهو كل مرة محاولا تهيئة أرض مناسبة لانطلاق المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهذا
..الأسبوع يعود ميتشل للمرة الثامنة للمنطقة في دورة جديدة من دورات بلا حدود من أجل التهيئة لإطلاق مفاوضات سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولكي ينجح في مهمته هذه لابد من النجاح في إقناع نتنياهو بوقف الاستيطان وتهويد القدس على الأقل كحد أدنى ليستطيع أن يقنع الفلسطينيين، الطرف المتضرر من السياسة الاحتلالية بحسن نوايا إسرائيل تجاه السلام بالشرق الأوسط، فلا يمكن للفلسطينيين أن ينطلقوا في مفاوضات مع الإسرائيليين بهدف الانطلاق فقط، ليسجل الإعلام تقاريره وتأخذ عدسات الكاميرات صورها للفضائيات وتنفرد بأخبار متعددة التوجهات، وليدلي كل من لا دلو له بحبل يعتقد أنه سيجلب شيئا في نهاية المطاف.
لقد بدأ ميتشل يخشى على مهمته من الفشل؛ لذا اقنع إدارة البيت الأبيض باستقبال وفدين من الطرفين لمواصلة السعي في الأمور الإجرائية التي تهيئ طريق استئناف المفاوضات، وكأن ميتشل لا يستطيع التمهيد مع الأطراف خلال اللقاءات السبعة الماضية، ولم يتمكن من إقناع حكومة نتنياهو بالكف عن معاداتها للسلام في المنطقة والقبول بشروط المجتمع الدولي ورغبته ليكون للمفاوضات السلام معنى وهدف، ليس هذا فقط وإنما للحصول على ضمانات بتقدم المفاوضات ونجاحها.
يبدو أن ميتشل لم يصب بالإحباط بعد رغم عدم توافر أوراق ضاغطة بين يديه للعب دور أفضل؛ في سبيل تحقيق اختراق فاعل على الجانب الإجرائي بعد إقناع إسرائيل وحكومتها بالكف عن استخدام الاستيطان كسياسة ناجحة لضرب كل مساعي التوصل إلى سلام حقيقي بالمنطقة العربية، ويبدو أن ميتشل حاول تجريب سياسة الاستجلاب أي استدعاء كل من الطرفين إلى واشنطن بهدف استخدام ضغط اكبر وخاصة على الإسرائيليين الذين لم يعجبهم لبن أو ماء حتى اللحظة، لان المفاوضات التمهيدية في واشنطن انجح وأسهل لترتيب الأوراق بالنسبة لميتشل ومساعديه، ويبدو أن هذه السياسة لم تنجح أيضاً ولم يتمكن الرجل من جسر الفجوات بين الطرفين، ويتضح هذا من خلال العودة الحالية للمنطقة من جديد.
ولا يبدو أن مهمة ميتشل ستأتي بعناصر دفع لعملية سلام حقيقية، سواء بقدومه للمنطقة أو باللقاءات الرمزية في واشنطن إلا إذا تحققت العوامل التالية:
أولاً: نجاح جهود هذا الرجل مع إدارة نتنياهو للاقتناع بأن المفاوضات في ظل استيطان علني أو خفي بات ليس من رغبة الإدارة الأمريكية، لان الفلسطينيين لن يفاوضوا على استيطان أراضيهم ولن يفاوضوا وأراضيهم تستوطن وهذا يسبب فشل مساعي السلام، إضافة إلى أن الإدارة الأمريكية لن تفشل كما فعلت الإدارات السابقة وعندها ستختل مصداقية اوباما لدى العرب، ولا ترغب إدارة اوباما في حدوث مزيد من فقدان الثقة في الإدارة الجديدة ومدى تطبيقها لقواعد العدالة الدولية، وهذا ما جعل الإسرائيليين يشنون هجوما على الرئيس أبو مازن أكثر من مرة واتهامه بعدم القدرة على اتخاذ قرارات مصيرية بشأن النزاع، بعلة أن الرئيس أبو مازن يعاني هجوماً كاسحاً من طرف المعارضة ولا يجرؤ على اتخاذ قرار باستئناف المفاوضات للتسوية النهائية.
لكن الحقيقة التي يعرفها الجميع بمن فيهم الساسة الإسرائيليون أن حكومة التطرف الإسرائيلي نفسها التي تعوق البدء في المفاوضات واستئنافها، لدرجة أن حنا سويد أحد أعضاء الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة ذهب قائلا: إن (حكومة إسرائيل تعرقل المفاوضات وتعمل بكل قوتها لإضعاف مكانة الرئيس الفلسطيني وبعد ذلك تتهمه بأنه لا يتقدم في المسيرة لأنه ضعيف. وأضاف أنهم يسخرون من عقول البشر).
وثانيا: فك تعقيد موقف حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية التي لا تؤمن بالسلام العادل كحل لقضية الشرق الأوسط وتؤمن فقط بأن السلام يكون صناعة إسرائيلية وليس صناعة مشتركة يبنى على أساسها مستقبل المنطقة بالكامل، إضافة إلى أن هذه الحكومة لم تقتنع بعد أن المفاوضات يمكن أن تنطلق للبحث في قضايا الحل النهائي وبالتخصيص عند النقاط التي انتهت فيها المفاوضات قبل الحرب المجرمة على غزة، وهذا يحتاج إلى جهد إضافي وعمل دبلوماسي اكبر مع ضغط أمريكي حقيقي لتسهيل مهمة ميتشل.
ثالثا: تحديد جدول زمني للمهمة ذاتها، لان عامل الوقت للتمهيد لانطلاق المفاوضات مهم جدا خصوصا أن تصريحات الساسة الأمريكان أكدت حتمية إنهاء الصراع في حدود عامين على الأقل، لكن ميتشل ولجنته تأخذ بالحسبان مدى التطرف الإسرائيلي الذي يصر أولا على اعتبار أن مهمة هذا الرجل لابد أن تفشل وتذهب جولاته للمنطقة دون إنجازات لأنه الشخص الذي لا يضحك في وجه حكام إسرائيل الحاليين.
إن كانت مهمة ميتشل مهددة بالفشل فإن عوامل فشلها تكمن خلف التعنت الإسرائيلي بالكامل وعدم قناعة الإسرائيليين بمبدأ التعايش السلمي مع الفلسطينيين في إطار دولتين، وعدم قناعة الإسرائيليين بمبادئ السياسة الأمريكية أي سياسة إدارة اوباما تجاه السلام، لدرجة اتهام بعض الساسة الإسرائيليين اوباما بأنه رجل فاشل لأنه يبني آمالاً عظيمة وخيبة الأمل جاءت بمقدار تلك الآمال.
إن كانت إدارة اوباما ستستمر في إرسال ميتشل إلى المنطقة لنفس الهدف دون التزامن مع ضغط فاعل من أعلى الهيئات السياسية الأمريكية على حكومة تل أبيب ودون تدخل مباشر من اوباما نفسه ليفتت التعنت الإسرائيلي بالشكل الذي يتطلبه الموقف، فإن الموقف سيولد فشلا مخيفا ينتصر معه في النهاية التطرف الذي سيقود بالفعل إلى مزيد من المعاناة والحروب لكل شعوب المنطقة العربية وإسرائيل.